لا ترتبط الخيل في المخيلة العربية بالأصالة فحسب، وإنما تتجاوز الرمز إلى معاني النبل والوفاء والخير وكما في الحديث الشريف «الخيل معقود في نواصيها الخير»، وصولاً إلى كونها أيقونة للجمال والقيمة والأصالة.
وفي هذا الصدد، لم تأل الدكتورة أمل إبراهيم آل علي، أكاديمية إماراتية ومدربة ومستشارة الابتكار، جهداً في توظيف مزايا الخيل في برنامج تحفيزي بهدف التخطيط الجيد لإدارة حياة الأفراد، ما يشكل رحلة بحث عن الأفكار الخلاقة عبر توظيف مفردات التراث ورموزه في إيجاد استراتيجية تحفيزية تواكب طموحات الشباب وتلين «أعصابهم» في ظل التحديات التي تواجههم، وتحاول إيجاد مسار لإدارة حياتهم بنجاح ووفق رؤية واضحة ومحكمة الأهداف.
تقدم البرنامج التدريبي في أحضان الطبيعة، وهو يستوحي من الخيول قدرتها على التكيف لوضع استراتيجيات تستند إلى تعلم مهارات الشجاعة والقيادة والقوة والتعامل سواء مع المواقف أو الشخصيات الصعبة.
وفي نبذة عن فلسفة البرنامج، تلفت د. آل علي إلى أن «البرنامج تزامن مع جائحة كورونا و التعليم عن بعد، نركز على التعلم من خلال الممارسة أو التعلم التجريبي بحيث نعمد إلى تجربة الأشياء و تشغيل القدرات البدنية مع القدرات العقلية حيث الكثير من الدراسات تلفت إلى أن تشغيل القدرات الجسدية في عملية التعليم يقودنا إلى التعلم بشكل أسرع».
برنامج في أحضان الطبيعة
وانطلاقاً من هذه القراءة لتحفيز التعلم بالممارسة ودمجه مع الجانب النظري ومن فلسفة الخيل وصفاتها، استقت الأكاديمية الإماراتية أسس هذا البرنامج، وبالأخص «أن ثقافتنا وتقاليدنا تنم عن علاقة وطيدة تولي اهتماما بالخيل حيث نتعلم منها الشجاعة والإقدام والقيادة».
تشرح «التدريب ليس عملية أننا نجلس في قاعة ونستمع. كان السؤال: «كيف نشغلهم بهذه العملية بشكل يحاكي الطبيعة؟»
من يركب الخيل، يعرف أنه يجب اتباع استراتيجية معينة لتحقيق أهدافه، ورياضات الخيل متنوعة ولكل منها استراتيجية
ومن هنا، جاءت الفكرة حيث بدأت بتحليل النظريات الموجودة وحولناها إلى منهجية لتدريب الأفراد، وهي عبارة عن أدوات وممارسات نقوم بها لمحاكاة فكر الإنسان وتحفيزه «إحدى النظريات تقول بوجوب العقاب للردع ووجود الثواب للتشجيع وعملية التحفيز في القيادة وهذه العملية تتبلور في علاقتنا مع الخيل، إذ من يرتبط بالخيل يعرف ذلك، ففي حال قامت الخيل بشيء جيد، نطبطب عليها ونزودها بالجزر والحلاوة والتفاح كمكافأة، وتتعلم من الموقف نفسه لمكافأتها مجدداً، وهذا ما ينسحب على أداء الموظف وربط بعض الممارسات بتطبيقات عملية».
تشرح د. آل علي أن القيادة جانب والاستراتيجية جانب آخر «من يركب الخيل، يعرف أنه يجب اتباع استراتيجية معينة لتحقيق أهدافه، ورياضات الخيل متنوعة ولكل منها استراتيجية. مثلاً في سباق القدرة، يجب أن تقطع مسافة معينة لنحو 70 كلم، وبالتالي تحتاج إلى استراتيجية لقطع هذه المسافة بنجاح، وهذا ما ينطبق على المؤسسة الناجحة التي يفترض أن تنتهج استراتيجية يتفق عليها الجميع وفق رؤية ورسالة واضحتين».
جولة للتقريب بين المشارك والخيل
تقيم تلك المرأة العاشقة لعالم الخيول جسراً للتواصل مع أجمل المخلوقات وأعظم الرياضات وصديقة الحقول وحكايات الفروسية، حيث تصطحب المشاركين بالبرنامج في جولة على الخيل من باب إيجاد هذا الرابط «الهدف ليس ركوب الخيل بل أخذهم في جولة، والخيول مدربة و«فاهمة القضية»، لتقريبهم من الكائن الذي يستمدون منه أفكاراً واستراتيجيات».
أنجز البرنامج أكثر من مرة. في المرة الأولى، أقيم تحت شعار «استراتيجية حياة» لتحفيز المشاركات على رسم استراتيجية وخطة للحياة «استلهمنا من الظروف الاقتصادية والصحية التي تزامنت مع جائحة «كورونا» لبناء استراتيجية حياة لعام 2021، من خلال خطوات أولاها وضع رؤية ووضع رسالتي في الحياة، وكلها نتعلمها من خلال نظريات متوافرة في عالم الخيل ويتم استنباط الاستراتيجية من مجرد تغيير طريقة التفكير».
يتسم البرنامج بكونه «ميدانياً ونظرياً»، «يتم تزويد المشاركات (كن جميعهن من العنصر النسائي) بأوراق يدون عليها خطة حياتهن لستة أشهر قادمة تستند إلى قائمة أهداف منها المالي، الشخصي، الوظيفي، التعليمي وغيره، مع استنباط الفرص من التحديات حيث ثمة جامعيات استلهمن أفكارهن من جائحة «كورونا» وبدأن بمباشرة مشاريعهن وهذه الأفكار أثرت العملية التدريبية».
د.آل علي تشرح أسس البرنامج
تبين د. آل علي أهداف وآفاق البرنامج «هدفي أن تكون عملية التدريب من خلال الخيل عملية ممنهجة تترسخ في أساليبنا التعليمية سواء في المعاهد الخاصة أو حتى في الجامعات كوننا نتكلم عن تعليم مختلف وجيل مختلف تفتحت آفاقه على أشياء كثيرة في ظل «كورونا» حيث بتنا نحتاج إلى تغيير منهجية التعليم معه سواء في مجال التدريب أو التعليم النظامي».
وتوضح «يوم أستخدم الخيل، أنا لا أعلم الفرد معلومة بل أعلمه مهارة وآليات تنفيذها وأبسط النظريات هي العصا والجزرة وإظهار آلية الثواب والعقاب واكتساب المهارة من هذا الجانب».
أشياء كثيرة تعلمتها د. آل علي من الخيل، تخلص إلى بلورتها «في علاقتي بالخيل، تعلمت الصبر. فأنا من محبي قفز الحواجز وللانتقال من مرحلة إلى أخرى، قد يستغرق الأمر شهوراً أو سنوات والخيل كائن حي ينتزع منك مخاوف كثيرة لأن رياضة الخيول تحتاج إلى شجاعة وإقدام وإلى وضع مسار معين و رؤية وخطة وأهداف، و ينعكس أداء الفرد على الخيل وبالعكس».