تصوير: محمد السماني
تجد سلوى محمد راشد الزحمي نفسها اليوم بين علوم السحابة الرقمية والهندسة العكسية والأبحاث العلمية وتترأس مجموعة أبحاث البرمجيات في مركز الإمارات للابتكار في جامعة خليفة، في ظل إنجازات شتى أرست لها بصمة خاصة في مجال التكنولوجيا.
فازت مؤخراً بالمركز الأول في المسابقة العالمية للذكاء الاصطناعي كأفضل منصة (SPL) تدعم حلول السحابة الإلكترونية وضمن فئتي أفضل أداة لأتمتة السحب وأفضل استخدام للأتمتة. ويعتبر هذا الفوز ثمار جهد وإصرار على التزود بالمعرفة وتوظيفها في حل مشكلات وتعقيدات تواجه المبرمجين.
تصوير: محمد السماني
ماذا تذكر سلوى الزحمي عن طفولتها في الفجيرة؟
درست في مدرسة السيجي للبنات بالفجيرة. كان لدي شغف كبير للقراءة والاطلاع وأكثرها في مجال الرياضيات والفيزياء والأحياء وكنت أحرص على تزويد معرفتي بالمواد المطروحة في المنهج الدراسي، بدافع الفضول وحب الاطلاع. كانت مكتبة المدرسة والمنزل هما مصدر المعرفة آنذاك وساعدتني معارض الكتاب التي كانت تقام، على اقتناء الكتب والتزود بالمعرفة. كنت من المتفوقات إذ تخرجت في المرحلة الثانوية عام 2002- مسار علمي، وحصلت على أعلى تقدير على مستوى المدرسة. وإلى جانب القراءة، كنت أهوى الرسم وممارسة الرياضة والمشاركة في المسابقات المدرسية مع الموازنة بين التحصيل الدراسي وممارسة هذه الهوايات.
فوزي بجائزة محمد بن راشد للابتكار في تكنولوجيا المعلومات عام 2006 حفزني للبذل والاجتهاد أكثر
ما كان الدافع لتخصص هندسة البرمجيات؟
تلقيت دراستي في جامعة الإمارات وكان شغفي كبيراً بمواد تكنولوجيا المعلومات بشكل عام والبرمجة وعلم الشبكات والاتصالات بشكل خاص. وهذا الشغف دفعني لتغيير تخصصي من دراسة الطب إلى هندسة الشبكات والبرامج. كانت البرمجة في نظري كالحرفة، تساعدني على ترجمة أفكاري لنظام رقمي لخدمة أي مجال. شاركت في مشاريع مع المدرسين بالجامعة لتدعيم مهاراتي بالبرمجة، وتعلمت أكثر من لغة برمجة، ودفعتني روح الإبداع والابتكار للمشاركة في مسابقات داخل الدولة وخارجها خلال دراسة البكالوريوس.
شكّل فوزي بجائزة محمد بن راشد للابتكار في تكنولوجيا المعلومات عام 2006 حافزاً للبذل والاجتهاد أكثر. وبعد التخرج، التحقت بالقطاع الخاص بهدف التزود بخبرة عملية في مجال هندسة البرامج حيث عملت مع مبرمجين ذوي خبرات كما أتاح لي العمل في القطاع الحكومي التعرف إلى المشاكل التي تواجه خبراء البرمجيات والصعوبات المتعلقة بتدقيق جودتها وتوثيقها وصيانتها وغيرها. انتقلت لدراسة الماجستير عام 2013 في جامعة خليفة وبعد تخرجي، قمت بتأسيس المجموعة البحثية في مركز الإمارات للابتكار.
تتسلم جائزة مؤسسة خليفة لدعم المشاريع
ما الأدوار المنوطة بتلك المجموعة وما الآفاق الاستشرافية لهذا العمل؟
قمت بتأسيس مجموعة أبحاث البرمجيات بالمركز عام 2015 وتعّد الأولى والفريدة على مستوى الجامعات داخل الدولة والتي تقدم حلولاً باستخدام الذكاء الاصطناعي والهندسة العكسية للمشاكل التي تواجه خبراء البرمجيات. وجاءت هذه الخطوة لتطوير منصة (SPL) التي قمت بابتكارها خلال دراستي للماجستير، وبعد أن لاقت اهتماماً كبيراً داخل الدولة وخارجها. في المجموعة، لا يقتصر دوري على وضع استراتيجية وخطة العمل بل يمتد إلى الابتكار، البحث وبرمجة النظام لحل مشكلة بحثية معينة ليتم دمجها لاحقاً في منصة SPL، إلى مشاركة الفريق في الجانب البحثي والتقني.
نسعى مستقبلاً لتطوير حلول مبتكرة وأساليب حديثة لتسهل بناء البرمجيات داخل المؤسسة وتعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي وتختص بإنترنت الأشياء ولإيجاد منهجية تساعد المبرمجين وخبراء الذكاء الاصطناعي لتجنب وقوع أخطاء برمجة تكبّد الشركات مبالغ طائلة.
ونسعى لابتكار طريقة تساعد في تدقيق أنظمة الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسة ستكون ذات أهمية للشركات في السنوات المقبلة في ظل وجود آلية يستطيع من خلالها خبراء التكنولوجيا فهم الطريقة التي قام نظام الذكاء الاصطناعي بها لتحليل البيانات واستخراج النتائج.
ما الذي أضافه هذا المجال في شخصية سلوى الزحمي؟
البحث العلمي عزز شغفي أكثر للبذل في مجال هندسة البرامج والذكاء الاصطناعي والسحابة الرقمية. ما قمت بتحقيقه من إنجازات خلال عملي في البحث العلمي عزز ثقتي بنفسي وبقدرتي على ابتكار حلول تنافسية على الصعيد العالمي وما وجدته من دعم كبير واستثمار تقوم به الدولة في هذا المجال، شجعني للمساهمة برفع اسم الدولة في المحافل العلمية ووضع بصمة لابتكاراتنا العلمية. إضافة لذلك، حفزني مجال البحث العلمي لدخول مجال ريادة الأعمال لتسويق الابتكارات العلمية التي نقوم بها في المركز لمساندة مسيرة الدولة في دعم اقتصاد المعرفة ودور البحث العلمي في إيجاد حلول مبتكرة يتم بيعها في الأسواق المحلية والعالمية. كما أن تأسيسي لشركة الإس بي إل، هو نتاج دخولي مجال البحث العلمي.
حققت مؤخراً المركز الأول في المسابقة العالمية للذكاء الاصطناعي. حدثينا عن تفاصيل المسابقة وأبعادها؟
تركز مسابقة «كومبيوتنغ» المرموقة للذكاء الصناعي وتعلم الآلة البريطانية على أفضل ما تقدمه مشاريع الشركات والأفراد في مجال الذكاء الصناعي وتتمثل الفئتان اللتان فزت فيهما مع فريقي بفئة أفضل أداة لأتمتة السحب وفئة أفضل استخدام للأتمتة، حيث وقع اختيار لجنة التحكيم المكونة من 12 عضوًا على منصة SPL الذكية للفوز بالمسابقة وفقًا لثلاثة عوامل وهي، الابتكار والأهمية والأدلة التي تؤكد النجاح. فقد صممت الأداة بطريقة مبتكرة قادرة على توفير الحلول المبنية على الأتمتة بشكل كامل لتخفيف العبء الناتج عن نقل التطبيقات إلى السحب. وعلى صعيد فئة أفضل استخدام للأتمتة، تم التأكيد على أهمية دور منصة SPL في مجال أتمتة نقل الأنظمة البرمجية القديمة إلى نظام السحب بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي والذي يعالج جميع التحديات المعقدة والتكاليف المرتبط بها.
خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات
وماذا يعني فوزك بالجائزة؟
يشير النجاح في الفئتين من الجائزة إلى مدى فاعلية الابتكارات التكنولوجية الحديثة التي أقوم بتطويرها مع فريقي (إس بي إل) في مركز ابتك، وأهميتها في تلبية المتطلبات التكنولوجية المهمة لدعم التحول الرقمي. ومن جهه أخرى، الحصول على تقييم عالمي لمنصة SPL من خبراء عالميين في مجال البرمجة والذكاء الاصطناعي يدعم الجهود التي أقوم بها لتسويق المنصة داخل الدولة وخارجها حيث أثبتت تنافسيتها العالمية وقيمتها التجارية.
وكيف جاءت فكرة تصميمها؟ SPL ماذا عن المنصة؟
منصة SPL هي عبارة عن مشروع متكامل لتسريع وتقليل تكاليف ترحيل وإعادة هيكلة البرامج التقليدية والقديمة لتعمل على محركات السحابة الرقمية (cloud) بكفاءة عالية بنسبة تصل أقله إلى 30% باستخدام الذكاء الاصطناعي. مع منصة SPL، قمنا بأتمتة العديد من مراحل الترحيل، ولهذا السبب هناك فرصة للعميل ليس فقط بالانتقال إلى السحابة ولكن الانتقال إلى بنية السحابة الأصلية.
جاءت الفكرة خلال دراستي للماجستير حيث وجدت، في مراحل البحث مع شركة الاتصالات البريطانية، إمكانية وفرصة تطبيق المنهجية البرمجية التي ابتكرتها في مجال السحابة الرقمية. فتحديث البرمجات القديمة وإعادة هيكلتها كان تحدياً كبيراً تواجهه الشركات الكبيرة، فقمت ببناء مبدئي لمنصة «الإس بي إل» خلال فترة الدراسة وعرضت النتائج الإيجابية المبدئية لطريقة تحديث البرمجات باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وبعد التخرج، اخترت التعمق أكثر عبر تأسيس فريق «الإس بي إل» في مركز الإمارات للابتكار لتطوير المنصة أكثر مع الفريق.
المرأة لها دور تؤديه في أي مجال يتناسب مع طبيعتها ومجال تكنولوجيا المعلومات لا يقتصر على العنصر الذكوري
هل هذا العالم أبعدك عن عالمك كامرأة؟
أبداً، لم يكن له أي تأثير سلبي. المرأة لها دور تؤديه في أي مجال يتناسب مع طبيعتها ومجال تكنولوجيا المعلومات لا يقتصر على العنصر الذكوري، ولابد للمرأة أن تلعب دوراً فيه. فهناك توجه عالمي بتشجيع المرأة للدراسة والعمل في مجال التكنولوجيا مع وجود تطبيقات وأنظمة إلكترونية تسهل حياتنا اليومية. ولابد من إشراك المرأة في مراحل تصميم هذه التطبيقات وبنائها وتحديثها، لوجود عنصر نسائي يشارك في قرارات اختيار وشراء هذه التطبيقات.
ماذا عن الجانب العائلي والدعم الذي تتلقينه؟
للأسرة دور محوري في الإنجازات التي حققتها. منذ الصغر، كان والداي يشجعانني على القيام بأي عمل بأفضل صورة، ما عزّز بناء شخصيتي في حب التفوق والمثابرة. كان الوالد حاضراً على الدوام لجهة فتح باب النقاش والتوجيه لاختيار التخصص الجامعي وقد شجعني على تغيير تخصصي في الطب إلى هندسة البرامج والشبكات. كان الوالد يحثنا على التعلم وبذل الجهد لخدمة الوطن، وأقوال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كانت حاضرة في نصائحه وتربيته. الوالدة كانت ربة منزل، إلا أنها كانت تعي أهمية تنمية روح المسؤولية فينا والاعتماد على الذات والعمل الجماعي.
تتسلم جائزة في بريطانيا
حزت العديد من الجوائز وبراءات الاختراع. ما الجائزة التي تفخرين بها؟
أفتخر بجميع الجوائز التي حصلت عليها كونها بمثابة توثيق مجهودي في هذا المجال. كل جائزة تزامنت مع مرحلة مختلفة من مراحل بناء مشروعي البحثي. فقد تمّ منحي جائزة التميز البحثي بجامعة خليفة 2016 وجائزة الاتصالات الدولية في بريطانيا ( GTB) عام 2017 في المراحل الأولى من بناء وتأسيس مجموعتي البحثية، وكانت بمثابة الحصول على الدعم المحلي والخارجي لإكمال العمل على المشروع والتعمق فيه.
أما الحصول على جائزة الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في بريطانيا (كومبيوتنغ) 2021 جاء في المراحل المتقدمة من بناء المشروع والتي دعمت الجانب التسويقي للمنصة حيث أثبتت فاعليتها وتمّ الإقرار والإشادة بها من قبل محكمين دوليين.
براءات الاختراع التي حصلت عليها وأفخر بها هي المتعلقة بمنصة SPL حيث أثبتت أن النظام الذي قمت بابتكاره فريد من نوعه وله دور واسع في مجال التحول الرقمي.
كيف تصف سلوى الزحمي نفسها ومسيرتها؟
أطمح لتكوين معرفة أكبر في مجال هندسة البرمجيات، والسحب الرقمية والذكاء الاصطناعي لأكون مرجعاً يسهم بشكل أوسع في مشاريع التحول الرقمي عالمياً ولأكون الصوت المحلي الذي يدعم حركة المرأة في التكنولوجيا لتحقيق التوازن المطلوب عند تصميم التطبيقات الإلكترونية والتي تعتمد بشكل خاص على الذكاء الاصطناعي.