من المعروف أن الخطأ سمة الإنسان، وأنه يتعلم منه كي لا يكرره، ولكن الكثير من الأشخاص يرتكبون نفس الأخطاء مرارًا وتكرارًا ما جعل أحد أشهر علماء النفس «ليون فيستينجر» يسعى لإثبات أن التكرار يحدث بسبب دفاع الناس عن أخطائهم ورفض الاعتراف بها، وميلهم إلى ابتكار تفسيرات جديدة يبررون بها أي خطأ متجاهلين الأدلة المتضاربة عليه.
ويحدث هذا عند قيام الأطباء على سبيل المثال بتعقيد الحالة المرضية ووصفها بشكل نموذجي وتفسيرها بأساليب علمية صعبة تساعدهم على تبرئة أنفسهم من الأخطاء الطبية التي قد تقع وتتسبب عند حدوثها بنتائج كارثية.
وبدأت دراسة «فيستينجر» على خلفية قراءته عنواناً لفت نظره في الصحيفة المحلية «ليك سيتي هيرالد» في عام 1954 وينص على «نبوءة من كوكب كلاريون نداء إلى المدينة: اهربوا من الطوفان».
والقصة عن ربة منزل تدعى «دوروثي مارتن» ادعت أنها تلقت نبوءة من كائنات متفوقة من كوكب يسمى كلاريون»، أخبرتها أن العالم سوف يتدمر بسبب فيضان سيحدث في تاريخ 21 ديسمبر 1954. وتمكنت دوروثي من إقناع بعضاً من أصدقائها ومجموعة من الناس بترك وظائفهم والتأهب لاستقبال سفينة فضاء ستنزل في حديقة منزلها الخلفية في منتصف ليلة الكارثة وتنقذهم من نهاية العالم.
وفي صباح 21 ديسمبر 1954، تجمعوا في منزلها متحررين من كل ما يرتدونه من معادن مثل مشابك الشعر والأحزمة وغيرها كي يتمكنوا من الصعود إلى سفينة الفضاء بأمان، وظلوا طوال 24 ساعة واقفين بانتظار هبوط السفينة التي ستلتقطهم في أي وقت خلال اليوم. وفي تمام الحادية عشرة والنصف مساء أبلغتهم دوروثي عن تلقيها رسالة داخلية تؤكد أن الصحن الطائر في طريقه إليهم بالفعل، فظلت المجموعة واقفة في البرد القارس إلى أن أصبحت الساعة الثانية صباحاً فاستسلموا للإرهاق وذهبوا للنوم.
وفي اليوم التالي كانت المجموعة قد تفككت بعد فشل النبوءة وعاد كل منهم إلى حياته الطبيعية.
وقام «فيستينجر» بإجراء بحث مع ثلاثة من زملائه، وصف فيه التغييرات السلوكية للمجموعة قبل وبعد فشل نبوءة نهاية العالم، فقبل إخفاقهم كان الأمر سراً لكنهم بعد ذلك سارعوا إلى الصحافة لنشر الخبر وإقناع الآخرين بأنهم تمكنوا من منع كارثة الفيضان بقوة إيمانهم، وسجل «فيستينجر» نتائج بحثه في كتابه المعنون بـ«عندما تفشل النبوءة» والصادر في 1957 ونظريته المعنونة بنظرية «التنافر المعرفي» التي أكدت استعداد الناس لدعم معتقداتهم الراسخة رغم كونها خاطئة والدفاع عنها بدلاً من محاولة تغييرها، وهو ما يجعلهم يكررون الخطأ مراراً وتكراراً ليس لأنهم جاهلون أو لا يعرفون ما يفعلونه ولكن لأنهم لا يعترفون به كخطأ ويتعمدون إغفال كل ما قد يصمه بالخطأ بكل ما لديهم من قدرة على ذلك.
وقد يميل البعض للاعتقاد بأن سبب تكرار الخطأ عدم قدرة أدمغتهم على التعلم من أخطائهم السابقة بالقدر الذي يأملونه في الواقع، أو لأنهم تعلموا القليل جداً من اختياراتهم السابقة سواء كانت جيدة أم سيئة أو لأن الإنسان مخلوق على العادة والألفة بالفطرة فيصبح تكرار الأخطاء جزء من العادة وليس أمراً متعمداً.