هو بالنسبة لي من أجمل المواعيد.
معرض الشارقة الدولي للكتاب. و«الدولي» هنا ليست صفة باتت تُلصق بأي نشاط مهما كان محدوداً، بل هي صفة يستحقها هذا التجمع الدولي عن جدارة. ففي الدورة السابقة شاركتني ندوتي في المعرض روائية أمريكية. وفي هذه الدورة كانت جارتي على المنصة روائية من إيطاليا، تحولت من ممارسة طب الأسنان إلى الكتابة. حين جئت الشارقة للمرة الأولى، قبل ثلاثين سنة، كانت (أوضة وصالة) كما يقول أشقاؤنا المصريون. وهي اليوم عروس تفرش فستان الفرح في محيطها الواسع.
جسور وطرقات وأنفاق ومبان وأبراج شاهقة. أسواق لا حصر لها وفنادق ومساجد وحدائق وبحيرات. أرى بين كل دكان ودكان... دكاناً، وبين كل مطعم ومطعم... مطعماً. كم هي جميلة هذه الرحابة التي تتسع لمئات الجنسيات وتوفر رزقاً للقاصي والداني؟ لا أدري، في معرض الكتاب، هل أفرح أم أكتئب. إن مرأى كل هذه الكتب وتنوّع عناوينها ينعش الروح.
لكنني حزينة لأنني لا أستطيع أن أقرأها كلها، ولا حتى ربعها، أو العشر من أعشارها. متعة تفوتني لأن الوقت محدود والعمر قصير. وأيضاً لابد من احترام الميزانية والوزن المقرر للحقيبة في الطائرة. صيدي الثمين، هذه المرة، كان المصادفة التي جمعتني في الفندق مع الكاتب التنزاني، البريطاني الإقامة، عبد الرزاق قرناح. لقد وجدت نفسي أنفرد في البهو مع روائي حاز جائزة «نوبل» في الشهر الماضي ولم يتسلمها بعد. أي أنه «نوبل طازة».
ولم يكن هناك صحفيون ولا قراء أو متطفلون ينافسونني في الحديث معه. وهي فرصة لا تتوفر إلا نادراً. والعجيب أنه كان يسألني أكثر مما سألته. فقد أراد أن يسمع مني شيئاً عن أحوال بلدي العراق وعن حالة الروايات المكتوبة هناك. صيد ثمين آخر كان في انتظاري في الشارقة. وهو صيد شخصي جمعني بالقائمين على الدار المصرية اللبنانية للنشر والاتفاق على طبع مجموعة قصصية لي. وأنا، من زمان، كنت أتطلع للنشر في القاهرة، أم الدنيا التي تعلمت الصحافة من قراءتي لمجلاتها وللمحررين اللامعين فيها.
ويبقى الأهم في مثل هذه الملتقيات الأدبية، أقصد الالتقاء بالزملاء والأصدقاء الذين باعدت بيننا وبينهم المسافات والجائحة. وكلما نطقت اسم هذا الداء حضرت في بالي عبارة زميلنا الدكتور حسن مدن: «ثكلتك أمّك يا كورونا». رأيت في المعرض منصورة عز الدين، خالد خليفة، طالب الرفاعي، بشرى خلفان، محسن الرملي، ياسمينة خضرة، أحمد علي الزين، وطبعاً أهل الدار: العزيزتان ميسون صقر وعائشة سلطان.
في العصاري، كانت متعتي هي متابعة قرص الشمس وهو يعاند الغروب وراء الخليج. إنه يشبه برتقالة كبيرة معلقة في الأفق، يحرس المدينة التي اشتقت منه اسمها.