ثانوية «مونتين» التي شهدت واقعة الاعتداء
اختلف الطالب مع معلمة الرياضيات فوقف وهاجمها ولكمها ثلاث مرات في وجهها. كانت قد طلبت واجباً بيتياً من تلاميذها، لكن الطالب المعتدي لم يكن قد أنجز الواجب.
وقعت الحادثة في واحدة من أرقى المدارس في باريس؛ ثانوية «مونتين» التي تختار المتفوقين من التلاميذ. جاءت سيارة الإسعاف ووجدت المدرِّسة ملقاة على أرض الفصل والدم يسيل من جرح عميق في وجهها.
نقلت إلى المستشفى وتكفلت الشرطة بأمر الطالب البالغ من العمر 15 عاماً. قيل إنه معروف بتصرفاته العنيفة وكان يعاني مشكلات عائلية. واحتل الخبر صدارة النشرات، وضرب الفرنسيون أخماساً بأسداس؛ لأن ما يحدث في المدارس يشبه كابوساً ثقيلاً.
للمعلم في العالم كله، ولدى جميع الثقافات، احترام وتقدير كبيرين. إنه الذي أوصانا به الشاعر في قصيدة تحفظها الأجيال: «قم للمعلم وفّه التبجيلا:: كاد المعلم أن يكون رسولا». فهل يعقل أن يضرب تلميذ أستاذه، والأدهى من ذلك، أستاذته؟
في العام الماضي اهتزت فرنسا كلها لحادثة بشعة قام فيها أحد الطلبة بنحر أستاذه في الشارع، قريباً من المدرسة. قطع رأسه ووضعه فوق جثته. وقع ذلك في ضاحية من الضواحي الفقيرة، وكان الطالب مهاجراً من أصل شيشاني. قيل يومها إنها «همجية» المسلمين.
فماذا سيقال عن حادثة ثانوية «مونتين»؛ مدرسة النخبة وأبناء العائلات، الواقعة على بعد أمتار من حي «السان جيرمان»، موئل المثقفين؟
لم يعد العنف ظاهرة في هذا البلد أو ذاك فحسب. إنه وباء عالمي يفتك بالسلام الاجتماعي، مثلما تفتك الجائحة بالأجساد. وها نحن في مدينة النور، وفي بلد حقوق الإنسان، نستيقظ كل صباح على جريمة لرجل قتل زوجته، وآخر اغتصب طفلة، وثالث طعن عابراً في الشارع. يخرج العنف من شاشات أفلام المطاردات لكي يسير بيننا، ويجلس في المقاهي ويدسّ أنفه في فناجيننا.
كنا في الماضي، نتعجب حين نرى البطل في فيلم أمريكي يصفع البطلة، أو البطلة تصفع البطل، لكن تلك المشاهد كانت تنتهي عادة بعناق البطلين وبقبلة يسمح بها الرقيب. لكننا اليوم نرى في مسلسلاتنا العربية صفعات ولكمات لا تحصى. وليت الأمر يتوقف عندها، فقد هالني ـ في رمضان الماضي ـ تكرار مشاهد التعذيب والجلد بالكرابيج وتعليق البشر مثل الذبائح في دكاكين الجزارين.
أدير وجهي أو أنتقل إلى قناة غيرها، لكي لا أواصل مشاهدة تلك الفظائع. لكن هناك من الشباب والبنات من يتسمر أمام مشاهد العنف والمطاردات واللكمات وإسالة الدماء. وهم إذا لم يروها في المسلسلات والأفلام سيجدونها في نشرات الأخبار، وما ينقله المراسلون من تغطيات للنزاعات في كافة أرجاء العالم.
لم تعد هناك حرمة للجسد البشري. وبدل أن تردعنا «كورونا» وتقرع في الرؤوس أجراس الإنذار، وتحرضنا على نشر السلام بين أبناء هذا الكوكب، فإن هناك من يمضي في طريق الإثارة واستثمار التوحّش الكامن في الإنسان.