14 فبراير 2022

د. هدى محيو تكتب: جرائم في ازدياد.. أهي «كورونا» وحدها؟

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: جرائم في ازدياد.. أهي «كورونا» وحدها؟

صدر مؤخرًا في صحيفة «نيويورك تايمز» مقال ملفت للانتباه يشير إلى ارتفاع معدلات جرائم القتل في الولايات المتحدة بدءًا من العام 2020 واستمرار ارتفاعها في العام 2021 وصولاً إلى معدلات لم تشهدها البلاد منذ العام 1996. فما هو السبب أو ما هي الأسباب التي ذكرت؟

علمًا أن خبراء دراسة هذه الظاهرة لم يتوصلوا إلى اتفاق في ما بينهم وقدموا عددًا من الأسباب المحتملة لهذا التصاعد الخطير. منهم من عزا ارتفاع جرائم القتل إلى الجائحة التي مزقت نسيج الحياة الأمريكية حيث فقد الملايين أعمالهم واضطرب النظام المدرسي والأسري وتبخرت أشكال الخدمات الاجتماعية. وقد كان من شأن كل هذا أن يزيد من عبء الانفعالات السلبية ويدفعهم إلى اللجوء إلى الجريمة للتنفيس عن غضبهم واضطراباتهم.

يبقى أنه ينبغي التأكد من هذه الفرضية عبر دراسات مماثلة تجرى في بلدان أخرى من العالم حيث سادت الجائحة وكان لها التأثير نفسه في النسيج الاجتماعي. والملفت أن زيادة عدد جرائم القتل بواسطة المسدسات لم يرافقها زيادة في أعداد الجرائم الأخرى كجرائم الاغتصاب والسرقة، بل إن هذه الأخيرة قد انخفضت، ما دفع بعضهم إلى القول إن زيادة مبيعات السلاح في الفصل الثاني من العام 2020 ، وبالأخص بعد الهجوم على مبنى الكابيتول، هي ما أدت إلى بروز هذه الظاهرة، خاصة وأن 77% من جرائم القتل ارتكبت بواسطة مسدسات.

وقد جاء من يقول إن التراجع في دعم قوات الشرطة وتغيّر سلوكها لتتبنى سلوكًا متحفظًا بعد اتهامها بالعنصرية إثر مقتل جورج فلويد أسود اللون على يد شرطي أبيض هو ما يشجع على اقتراف الجرائم ظنًا من صاحبها أنه سيفلت بسهولة من العقاب. ويدعو أصحاب هذه النظرية إلى توظيف أموال أكثر بغية تعزيز أجهزة الشرطة.

فيما يدعو خصوم هذه النظرية إلى تعزيز الرعاية الاجتماعية بكل أشكالها من مدارس ومستشفيات وسكن من أجل الحد من التفاوتات الاجتماعية التي تدفع نحو العنف وقد ثبت أن كل دولار ينفق في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية يوفر أربع دولارات في مجال الإنفاق على أجهزة الشرطة.

أما النظرية الأخيرة لتفسير ظاهرة الجرائم المتصاعدة، وقد تكون الأهم، فهي أن الجائحة قد سرعت ظهور خللٍ اجتماعي إلى العلن وكشفت عنه، وهو ليس الخلل الوحيد، فجرائم القتل تزداد لكن تزداد معها كل أنواع السلوك المعادي للمجتمع كالقيادة المتهورة والاعتداءات الفردية والسلوك المدرسي غير السوي.

أما الأسباب فلا ترجع إلى الجائحة وحدها بل إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي تزيد من عدوانية الناس، وإلى تعميق الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين فئات المجتمع وإلى تضاؤل أشكال الرعاية التي تقدمها الدولة، وهو ما يتفق مع النظرية السابقة. فكلما شعر الإنسان بالظلم لا بد أن يسعى إلى رفعه عنه ، ولو عند بعضهم بأسوأ الطرق وأعنفها.