كلما زاد إيقاع الحياة، زادت التحديات التي تواجه الشباب المعاصر للعديد من المتغيرات، خصوصاً في مجال الإعلام، حيث لا يلبث الإعلامي من تجاوز تحد إلا ويأتيه تحد آخر أكبر وأصعب، فظاهرة «الترند» تطارد الإعلاميين الشباب في مجالات مختلفة، حتى إنها صارت هاجساً ينغص حياة من لم يتمكن من مواكبتها، أو صناعة «ترند» يرفع نسب المشاهدة للجهة الإعلامية التي يعمل فيها.
فكيف يتعامل الإعلاميون الشباب مع ظاهرة «الترند»؟ وما هي وسائلهم لصناعة «ترند» ذي قيمة إعلامية ومجتمعية؟ وما دور المؤسسات الإعلامية والأكاديمية في تقديم الأدوات الإعلامية الجديدة؟
على الصعيد الأكاديمي، تقول الدكتورة في كلية محمد بن راشد للإعلام سالي حمود، «الإعلام بشكل عام متطور، ولكن التحدي الأكبر هو مواكبة الإعلام الرقمي، من خلال تطوير المهارات لدى الإعلامي في تناول القصص الخبرية وصياغتها، وهي التي أصبحت مطلوبة في الفترة الحالية من أجل التميز، وخلق محتوى خاص يمكن تداوله بعد ذلك، ونحن من الناحية الأكاديمية لا يمكننا أن نكتفي بتعليم الطلبة المناهج القديمة التقليدية، كما لا يمكن الاستغناء عنها، فهي الأساس، ولكن نعزز هذه المناهج بالتواصل المستمر مع المؤسسات الإعلامية خاصة الرقمية، لمعرفة متطلباتها ومتطلبات الجمهور، ودفع الطالب لاكتساب المهارات الحديثة بنفسه من خلال التفاعل والبحث والمعرفة التي نزوده بها».
تشهد الساحة الإعلامية ما يطلق عليه اسم «فرقعات» إعلامية، يتداولها جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، وتتضارب الآراء حولها بين مؤيد ومعارض، بل قد تصل إلى مرحلة الصراع لإثبات صحة وجهات النظر المتضاربة، ولقد خلق هذا التطور مصطلح «الترند»، بما يعني تصاعد الآراء وسرعة تدوال خبر معين.
ولقد أجبرت هذه الحالة الجدلية الإعلاميين الشباب على الانسياق وراء صناعة «الترند» لاستهداف جمهور الـ«سوشيال ميديا»، بل حرصوا على دراسته ومعرفة اهتمامات الجمهور وتوجهاته، ونوعية الأخبار التي يتفاعل معها، الأمر الذي لم يكن سهلاً على دارسي الإعلام بمفهومه التقليدي، والذين وقعوا في حيرة بين إيجاد محتوى إعلامي ذي قيمة وتأثير في المجتمع، وبين ما يركض وراءه رواد التواصل الاجتماعي من شائعات وأخبار المشاهير وبعض الفضائح والأخبار الجدلية، خصوصاً الطريفة منها والقصيرة.
وكلما نشبت المعارك بين أنصار هذا الفريق أو ذاك من متداولي تلك الأخبار، استمر انتشارها، وحصدت مشاهدات أكثر.
وبهذا يتحقق الربح لصناع «الترند» الذين تنضم إليهم مؤسسات إعلامية رسمية صارت تحمل الإعلاميين مهام البحث عن موضوعات تواكب الترندات المطروحة، أو صناعة محتوى مثير للجدل، ويحمل في الوقت ذاته قيمة إخبارية وتثقيفية، ليقع الإعلامي هنا بين ازدواجية المعايير والمهنية والشرف الإعلامي من ناحية، وبين التركيز على كيفية صعود الترند لتحقيق الشهرة والربح، بما يتضمنه من انتقادات وتعليقات ساخرة، من ناحية أخرى.
يقف الشباب عاجزين عن تفسير هذه الظاهرة، حائرين بين مواكبتها أو تجاهلها، مجبرين على خوض المعركة «الترندية» لإثبات أنفسهم بين صناع المحتوى، ومشاهير الـ«سوشيال ميديا»، وبين ما يطلق عليه «الصحفي المواطن»، وخلال لقاء مع عدد من مشاركين في برنامج القيادات الإعلامية العربية الشابة، طرحنا تساؤلات حول تأثير هذه الظاهرة عليهم، لمعرفة كيفية مواكبة عصر إعلام «الترند» والآلية التي يعملون وفقها.
يجب أن نفرق بين الإعلامي الذي يهمه حصد الأرقام، والإعلامي الذي يريد إيصال رسالة من وراء تناول زاوية من زوايا «الترند»
أحاول الابتعاد عن العناوين المثيرة للجدل، أو المتحيزة لآراء معينة كي أحافظ على المهنية الإعلامية
من ناحيتها، تواجه نورهان عمرو مشكلة كبيرة في عملها كمراسلة لموقع إخباري قائم على أعداد المشاهدات، وحجم المرور، «نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يقدمه بعض المشاهير على صفحاتهم الرسمية، ويتحول في غضون ثوان إلى حديث الساعة لمدة غير قصيرة، الأمر الذي يفرض علي تناولها بناء على طلب المؤسسة التي أعمل لديها، حتى إذا كان محتوى «تافهاً» ليس ذا قيمة أو فائدة، ولكنني أحاول الابتعاد عن العناوين المثيرة للجدل، أو المتحيزة لآراء معينة كي أحافظ على المهنية الإعلامية، وفي المقابل عندما أصنع محتوى خاصاً أتناول فيه قصة إنسانية أو مجتمعية تسلط الضوء على قضايا مهمة، قد لا ينال قدراً كبيراً من الاهتمام، فيكون من الصعب تحوله إلى «ترند».
لابد من البحث المستمر والقراءة لإيجاد معلومة لم يسبق طرحها، أو استعراضها بطريقة مبسطة ومثيرة توحي للجمهور بأن هناك سراً يكشف للمرة الأولى