مجلة كل الأسرة
12 أبريل 2022

لقاء خاص مع سحر راستي.. أول قبطانة بحرية إماراتية

فريق كل الأسرة


القبطانة سحر راستي على غلاف مجلة كل الأسرة- تصوير السيد رمضان

تم توظيفها كمساعد إداري في موانئ أبوظبي، لكنها أرادت خوض غمار البحر وأعماقه لتصطدم بصعوبات جمة. لم تستسلم واستكملت مسيرتها لتكون أول قبطانة بحرية إماراتية تخوض غمار البحر وتبحر لأكثر من 1300 ساعة خلال 6 أشهر ، بعد أن نجحت باصرارها في التغلب على رفض البعض لوجود المرأة في القطاع البحري بحجة عدم قدرة العنصر النسائي على تحمل المشاق.

في حوار مع الصحافية سلام ناصر الدين، تسرد لنا سحر راستي بداياتها وأهم التحديات التي واجهتها:

لقاء خاص مع سحر راستي.. أول قبطانة بحرية إماراتية

في كل مواقف حياتها، تبدو راستي مصرة على التغيير بإرادة صلبة، عن بداياتها تحكي "في طفولتي، كنت جداً مسالمة وهادئة «بيني وبين نفسي». هذه الشخصية القوية تبلورت بعد الزواج وإنجاب الأطفال؛ حيث تغيرت شخصيتي تماماً، وخوض غمار البحر غيرّني للأفضل والأقوى. كنت أرغب في الخروج من تحت جناح الوالد كون شخصيته قوية وأنا اكتسبت منه هذه الصفة وكان هذا تحدياً أخوضه مع ذاتي في المقام الأول. والدتي كانت تحثنا على القيام بما نرغب فيه دون خوف من أحد طالما نتصرف بأدبنا واحترامنا. أعترف بأن القوة في شخصيتي تبلورت عندما كبرت وكذلك العناد، وحتى أن محيطي يستغرب التغيير الذي طرأ علّي وكوني لست سحر التي اعتادوا عليها".

في عام 2016، كنت أول امرأة على مستوى الشرق الأوسط تجتاز دورة القانون الدولي للمساعدات والمنارات البحرية للمستويين الأول والثاني

وتكمل "أحب البحر منذ الطفولة وكنت أرتاده عندما أشعر بالتعب أو الحزن. التحقت بموانئ أبو ظبي وكنت أمني النفس أن أكون في مكان فيه باخرات وأرصد «الدنيا من حولي كيف تعمل». كان يتوجب علّي الالتحاق، على مدى 18 شهراً، بكل الأقسام في الموانئ من باب إلمام المواطن بالميناء وتفاصيله وفهم الواقع من حوله، وخلال تلك الأشهر وجدت أن قسم المساعدات الملاحية وخدمة صيانة العوامات في البحر لا توجد فيه أي امرأة؛ حيث عزا المسؤولون السبب إلى عزوف النساء، بيد أن ثمة عقليات لا تتقبل النساء في هذا المجال. وبما أننا في دولة تقر بقدرة المرأة على التواجد في أي مكان، أصررت بـ«الزن» أن أذهب إلى هذا القسم، لكن المدير، وهو مواطن، لم يتقبل الأمر، وقال لي «هذه مهنة شاقة»".

تتسلم إحدى الجوائز
تتسلم إحدى الجوائز

هذا الرفض حفزها لاستكمال مسيرتها وإثبات نفسها، تؤكد "أعترف بأن هذا الرفض أعطاني الحافز لإثبات شخصيتي وهو الذي أوصلني إلى ما أنا عليه اليوم بعد أن سمح لي بخوض غمار البحر، وخلال 3 أشهر رأيت عجائب الدنيا السبع ولم يكن الأمر سهلاً. فعدا عن دوار البحر، لم تكن السفينة خمس نجوم التي توقعتها ولم يكن لي من خصوصية كامرأة وتعلمت من الصفر مع البحارة وكان المطلوب مني «قفي ونظفي وصيني العوامة ولوني واصبغي». قمت بكل هذه الأدوار، ما شجعني أن أثبت لنفسي أني قادرة كأي امرأة. وفي عام 2016، كنت أول امرأة على مستوى الشرق الأوسط تجتاز دورة القانون الدولي للمساعدات والمنارات البحرية للمستويين الأول والثاني، ثم التحقت بـ«برنامج تأهيل قباطنة لسفن تحت 24 متراً» التابع للكلية البحرية الأسترالية لأكون كابتن قاطرات، وكنت الأولى على الدفعة".

لقاء خاص مع سحر راستي.. أول قبطانة بحرية إماراتية

لم تسلم حياتها الشخصية من العقبات والتحديات، لكنها صمدت لتكون مثالاً لأبنائها و غيرها من الإماراتيات الطموحات، أخبرتنا "كانت الأعباء كبيرة عليّ كأم وزوجة، في ظل الوقت الطويل الذي يستغرقه العمل؛ حيث كنت أضطر أن أخرج من المنزل من الفجر لأتمكن من لقاء أبنائي فترة الغداء، وفي الوقت نفسه كنت أرغب في أن أثبت لأبنائي أن الحياة ليست وردية وأثبت أني قادرة أن أكون ما أريد ، وأوصل لهم رسالة ألا ينتظروا شيئاً من أهلهم؛ بل ليسعوا إلى الاعتماد على أنفسهم بدءاً من السنة الجامعية الثانية كوني أكون وضعتهم على الطريق الصحيح، بمعنى «شيل نفسك بنفسك». كنت أريد أن اكون مثالاً لغيري. لقد أوقفت دراستي بسبب أبنائي وكنت أرعاهم وأبني شخصياتهم وأخصص وقتي لهم وباشرت الدراسة والعمل بعد أن كبروا وبالطبع لا تنازل عن دوري".

وتردف "أنا أقر بأن البحر يزودني بهدوئه الداخلي ورمل البحر يحررني من الطاقة السلبية وكذلك نسمات البحر،البحر علمني الحكمة والصبر والهدوء. كنت إنسانة عجولة وبت أكثر هدوءاً. يمكن أن أصف علاقتي بالبحر أشبه علاقة أم بأبنائها وحتى أخرج برحلات مع نفسي إلى البحر وأتبادل الحديث معه".

تصف أول مغامرة لها في البحر قائلة "1300 ساعة بالنسبة لامرأة ليست أمراً سهلاً داخل الحدود الساحلية الداخلية، في ظل ما يتطلبه الأمر من صبر وقدرة على مواجهة التحديات وخوف من العالم الجديد الذي أعزز تماسي معه".

(تضحك) "هي أول رحلة رأيت فيها الويل لمدة 12 ساعة، بينها 6 ساعات أمضيتها في صيانة العوامات. أرسلني المدير ليقول لي «شوفي البحر» وما أراني إياه غرس داخلي القرار بضرورة استكمال المسيرة. كانت الرحلة إلى إحدى جزر أبوظبي لصيانة عوامات وكانت مدة الرحلة تناهز الساعتين وهي مدة طويلة في السفينة، وكنت في قمرة القيادة وطلب مني الكابتن أن أنزل للأسفل والذهاب مع البحارة وزودني بالمكنسة وأدوات التنظيف وطلب مني تنظيف المخلفات البحرية".

المرأة قادرة على أن تفعل المستحيل في دولة اللامستحيل

تسرد وهي وتضحك بقوة "كنت بكامل أناقتي وبكامل زينتي. لم أرفض ولبست «الأفارول» وحاول بعض العمال مساعدتي فنهاهم الكابتن وتوقعت أن أنظف شيئاً عادياً، لكنه طلب مني أن أبذل جهداً لتنظيف المخلفات البحرية، وطلب مني التلوين فوق العوامة وكل هذا قمت به لمدة 3 ساعات ونصف الساعة وكنت أشعر بأني أكاد أموت وكان وقتها يصور فيديوهات ويرسلها، حتى أن الكابتن محمد جمعة الشامسي بات يثني على ما أقوم به في المجالس، ما أصابني بالغرور نوعاً ما. على الرغم من كل التعب، استمتعت وأنا أرى الأسماك وأعايش تفاصيل البحر وحتى كنت أحمل معي نجم البحر لأبنائي. كانت فترة مرهقة وممتعة في آن لنحو عامين تعلمت منها الكثير وكنت أتعلم في مجال القيادة وفي برنامج التخرج كمساعدات ملاحية، كنت المرأة الوحيدة والأولى على الدفعة، وبعدها قصدت فرنسا وحصلت على شهادتي".

لقاء خاص مع سحر راستي.. أول قبطانة بحرية إماراتية

سحر راستي هي أيضًا أول امرأة تؤسس شركة ملاحة في الدولة، و تبث الحياة في حلم راودها منذ الصغر للارتقاء بالقطاع البحري الذي ترى فيه مستقبلاً مشرقًا قادرًا على استيعاب الكثير من التخصصات و مجالاً حيويًا يستحق كل الاهتمام، تقول "كان القطاع البحري هو الأكثر حيوية خلال جائحة «كورونا»، لكن لا يتم تسليط الضوء عليه كما يجب. باشرنا شراكات مع شركات أخرى وهدفي أن أستعين بمواطنين لتدريبهم على بناء قاطرات تكون من صنع إماراتي 100% وأستشرف أن يتحقق الحلم خلال الـ 3 سنوات القادمة. ويمكن أن أقول إن الشركة أرضت غروري وكانت أولى الإنجازات تزويد الأكاديمية البحرية بنظام كامل للتعليم عن بعد، وكذلك توقيع اتفاقية للتعاون المشترك والاستثمار، تشمل عدداً من المشاريع مع هيئة قناة السويس. فالمرأة قادرة على أن تفعل المستحيل في دولة اللامستحيل والاجتهاد والتعب يقودان إلى تحقيق الإنجازات".

على النساء الاجتهاد وعدم التحجج بأي صعوبات، لأنه بالاجتهاد تردن الجميل للدولة وتثبتن أنكن موطنات إماراتيات كفوءات

لم تكتف بالبحر ونالت شهادة في إطفاء حرائق الطائرات في الأردن وكذلك الحرائق البترولية، تشرح " أحب الشيء الصعب وخوض غمار ما يتطلب جهداً ولو شابه الخوف. كانت دورة إطفاء حرائق الطائرات لمدة شهرين في الأردن وشعرت بالخوف حقاً وأنا أرى الدخان الأسود يحيطنا من كل مكان وكان علينا التصرف واتخاذ الإجراءات الكافية للحماية. لا أخفيك سراً أني دخلت الحمام وبكيت وأنا أفكر بأبنائي، وعندما عدت للبيت وأخبرتهم بما حدث، أعربوا عن فخرهم بي وحثوني على استكمال الطريق".

تؤمن أنها ما كانت لتصل لهذا النجاح دون دعم القيادة الرشيدة وتوافر الأمكانات اللازمة للرقي بالمرأة والسمو بها، تقول "الدولة هيأت كل مقومات التمكين من مدارس وجامعات وتعليم وعمل وعلى النساء الاجتهاد وعدم التحجج بأي صعوبات، لأنه بالاجتهاد تردن الجميل للدولة وتثبتن أنكن مواطنات إماراتيات كفوءات".

وتختم برسالة تقدير لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات» ملهمتها الأولى " ملهمتي هي سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»؛ حيث استلهمت من مسيرتها في تمكين المرأة والارتقاء بها إلى أعلى المراتب".

* نشر الحوار كاملاً في مجلة كل الأسرة (العدد1487) بتاريخ 12 أبريل 2022

*تصوير: السيد رمضان