كانت تعيش في وهم كبير اسمه الحب، أخلصت لمن خدعها، هربت من أسرتها، تحدت الجميع، وقفت في وجه الدنيا كلها، خسرت كل شيء في مقابل مكسب واحد فقط، أو بمعنى أدق كانت تظن أنه مكسب، لكن مع الوقت اكتشفت أنها اختارت حبيبًا نذلًا، لم يكن أهلاً للثقة التي منحتها له، وفي النهاية خدعها، لم يكن خداعاً لها بالمعنى المعروف، وهو التخلي عنها أو تركها بعد وصوله إلى غرضه منها، وإنما كان أشد قسوة وخسة ونذالة، بعدما استغل ظروفها الصعبة وقدمها لأصدقائه صفقة تبادلية مقابل حفنة من الأموال والمعاملات التجارية.
جريمة بشعة وقعت أحداثها في تسلسل غير متوقع
بدأت القصة منذ بضعة أشهر فقط لا غير، فتاة رقيقة وجميلة، نشأت في كنف أسرة بسيطة بإحدى القرى على أطراف القاهرة حيث العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي فرضتها ظروف البيئة والنشأة على الجميع. بطلة القصة لم تكن من النوع الذي يرضخ أو يوافق على مثل هذه الحياة، كانت منذ أن اشتد عودها وهي ترى نفسها تستحق مكانة مختلفة وحياة تليق بها غير التي فُرضت عليها، وما ساعدها على هذا الأمر تمتعها بوجه مضيء، وخفة دم وبشاشة الوجه، وما زاد من ثقتها من نفسها كلمات الإطراء والإعجاب التي كانت تتلقاها بشكل شبه يومي من كل من وقعت عينه عليها.
السيناريو المرعب
لم تكن الأمور تسير وفق ترتيبها، نعم كانت متمردة على واقعها الذي نشأت وترعرعت فيه، لكن ما باليد حيلة، كانت في انتظار وقوع أمر غير متوقع يغير من تفاصيل وأحداث حياتها للأفضل، هكذا كانت تظن وتتمنى. حياتها خلال هذه المرحلة من عمرها تسير على أفضل ما يكون، سلوكياتها وأخلاقها كان يشهد لها الجميع، لكن في فترة المراهقة تبدلت أحوالها تمامًا من النقيض إلى النقيض خصوصًا مع نهاية دراستها في مرحلة الثانوية العامة ومن ثم التحاقها بأحد المعاهد التجارية، لم يتوقع أكثر المتشائمين أن الفتاة التي تربت وترعرعت وسط منزل تحكمه الأخلاق والانضباط يمكن أن تكون بطلة السيناريو المرعب الذي سنقوم بسرده.
كان دخولها مرحلة التعليم الجامعي بمثابة نقطة تغيير في حياتها، كما سبق وأوضحنا، كانت فتاة مثيرة للانتباه بسبب رقتها، وعذوبة ملامحها، والهدوء الذي كان هو عنوان حياتها، حاول البعض التودد والتقرب إليها لكنها كانت تصد الجميع، إلى أن نجح أحد الأشخاص في التسرب إلى قلبها المُغلق.
كان مثل المُنقذ الذي بيده مفاتيح قلبها وعقلها، ارتبطت معه بعلاقة صداقة قوية، حتى نجح في استمالة قلبها، شعرت أنه مختلف عن الآخرين، نجح في نسج خيوطه حولها إلى أن تمكن من السيطرة عليها تمامًا، عرض عليها التقدم لخطبتها، كانت فرحتها هستيرية، لأول مرة تشعر أنها تطير فوق السحاب، قلبها لم يعد ملكها.
كانت تعد الأيام والليالي للارتباط بمن اختاره قلبها، حتى جاءت اللحظة الحاسمة، حيث تقدم هذا الشاب لأسرة الفتاة طالبًا يدها للزواج، لكن قوبل طلبه بالرفض الشديد نظرًا لعدم اقتناع الأسرة بإمكاناته المتواضعة، ورغم محاولات الفتاة المتكررة مع أسرتها إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل.
كانت الصدمة كبيرة عليها ولم تتحملها، دخلت في موجة من الحزن والاكتئاب الحاد، ونسيت أو تناست أن أسرتها تعمل لمصلحتها ولا شيء آخر.
على الجانب الآخر، حرض الشاب حبيبته على الهروب من منزل أسرتها، ووافقت الفتاة على الفور.
كانت موافقة الفتاة على هذا المقترح هي بداية النهاية، اتخذت قرارها النهائي بترك منزل العائلة، ارتمت في أحضان حبيبها، كانت تعلم وهي تغادر المنزل أنها لن تعود إليه مرة أخرى. خلال هذه الفترة لم يكن أمامها سوى منزل حبيبها للمكوث فيه، خلال هذه الفترة بحثت الأسرة في كل مكان عن كريمتهم دون جدوى، حتى دراستها لم تستكملها ولم تذهب إلى المعهد التجاري خوفًا من بطش أسرتها. بدأت الخسائر تتوالى على الفتاة الهاربة بداية من تركها للدراسة، ثم حياتها في الظلام وحالة الخوف والترقب الشديدة التي تعانيها خوفًا من وصول أسرتها إليها، لكن من وجهة نظرها كل هذه الأمور تهون ما دامت مع حبيبها الذي اختاره قلبها، استسلمت له تمامًا وكأنها تحت تأثير التنويم المغناطيسي.
مرت بضعة أسابيع على هروب الفتاة من منزل أسرتها، كانت تظن أنها فعلت الصواب، لكنها اكتشفت الطامة الكبرى التي وضعت نفسها فيها، بعدما اكتشفت أن حبيبها الذي تركت الدنيا كلها من أجله بدون عمل واضح وغير مستقر بدرجة كبيرة، ولم يكن هذا كل شيء، وإنما يعتمد في كثير من أعماله على النصب وبعض الأعمال غير المشروعة. كانت صدمتها مؤلمة، لكن موقفها الضعيف لم يمكنها من الاعتراض، كان حبيبها يقنعها بأنه يجهز لخبطة العمر بعدها يتم الزواج بشكل رسمي أمام الناس ومن ثم يتحسن موقفها الصعب أمام عائلتها وأسرتها، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
صفقة على الفتاة
في أحد الأيام، فوجئت بحبيبها يخبرها بأنه قام بدعوة أصدقائه للاتفاق على بعض الأعمال التجارية. وفي المساء، فوجئت الفتاة بأن الشقة تمتلئ بالرجال وجميعهم يدخنون المخدرات، وقدمها لأصدقائه بصفتها خطيبته. حاولت أن تلتزم غرفتها لكن حبيبها أقنعها بضرورة تواجدها حتى تقوم على خدمتهم.
اضطرت للجلوس بعد الضغوط التي مارسها عليها حبيبها، ويبدو أن المخدرات تلاعبت برؤوس الجميع، فبدأ أحد الأصدقاء بالتحرش بها، وعندما نهرته ثارت ثورته وطلب من صديقه التصرف حيال هذا الأمر.
كانت المفاجأة أن خطيبها حاول تهدئتها، وطلب منها مجاراة أصدقائه حتى تتم الاتفاقات التجارية فيما بينهم. جن جنونها وهي تسمع هذا الكلام من حبيبها النذل الذي تركت الدنيا كلها من أجله، رفضت شكلاً وموضوعًا الانصياع لطلباته، حاولت مغادرة المنزل، لكنها لم تتمكن من الفرار.
علمت من سير الأحداث أن خطيبها قبض الثمن مقدمًا، سلمها لأصدقائه وتناوبوا على اغتصابها بكل وحشية دون شفقة أو رحمة أكثر من مرة حتى فقدت الوعي تمامًا بعد أن أنهكتها كثرة الأيدي المتكالبة عليها.
وبعد مرور عدة ساعات عندما أفاقت وجدت نفسها عارية تمامًا بعدما تم انتهاك جسدها بلا رحمة تحت سمع ونظر خطيبها النذل، الذي أكد لها أنه ليس أمامها سوى الانصياع له وإلا سيكون مصيرها الشارع أو القتل لو عادت إلى أسرتها.
جن جنونها، لم تشعر بنفسها إلا وهي تقوم بضرب حبيبها بقطعة حديدية أفقدته توازنه، ومن ثم هرولت إلى المطبخ وأحضرت سكينًا وانهالت عليه طعنًا وضربًا في أنحاء متفرقة من جسده، حتى فارق الحياة.
في هذه اللحظات فقط أيقنت أنها وقعت ضحية لحبيبها النذل، ظلت تبكي طوال الليل، لم تعرف ماذا تفعل، فكرت في الانتحار خاصة أنها لو عادت لأسرتها كان مصيرها القتل. استسلمت تمامًا وخارت قواها، توقف عقلها عن التفكير، وبعيون باكية وذهن شارد ومصير مُظلم لم تجد أمامها سوى قسم شرطة العاصمة، حيث ذهبت وأبلغت عن جريمة القتل التي ارتكبتها، كما قدمت بلاغًا آخر يفيد باغتصابها على يد مجموعة من الأشقياء أدلت بأوصافهم وأسمائهم، مؤكدة في سطور المحضر أنها ارتكبت جريمتها دفاعًا عن شرفها وانتقامًا من حبيبها الذي خدعها وقدمها فريسة سهلة لأصدقائه.
قام رجال شرطة العاصمة بإبلاغ أسرة الفتاة بتفاصيل كل ما حدث خصوصًا أن أسرتها كانت قد حررت في وقت سابق محضرًا يفيد بغيابها واختفائها من المنزل، إلا أن أسرتها بمجرد علمهم بتفاصيل ما حدث أنكروا معرفتهم بها وتبرؤوا منها الجميع.
تمت إحالة المتهمة للنيابة العامة التي أمرت بحبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات الجارية معها، كما أمرت النيابة بانتداب الطب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي عليها لبيان صحة كلامها بشأن تعرضها للاغتصاب، كما أمرت بسرعة تحريات المباحث وضبط وإحضار المتهمين الذين وردت أسماؤهم في محضر التحريات.