منذ نعومة أظافره وهو يهوى الرقص على الحبال، كان الطفل المدلل في العائلة، اعتمد بشكل كبير على أسرته في كل شيء، كان مستهترًا إلى أبعد الحدود، يرى أن من حقه التمتع بحياته في هذه السن، إلى أن وقع زلزال فرق شمل الأسرة، حيث توفي الأب فجأة ودون سابق إنذار، وذهبت كل الأملاك إلى نجله الأكبر بصفته الوصي الشرعي، لكن هذا الأمر لم يرض الشقيق الأصغر المستهتر، ما دفعه للاصطدام بشقيقه حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي تحولت فيها المشاعر الدافئة إلى حالة من الغل والحقد المتبادل، وأصبح الجشع والطمع هو المُسيطر، ووصلت الأمور إلى طريق مسدود انتهى بالقتل والدماء والسجن.
سعادة انتهت بوفاة عائل الأسرة
عاش الأب سنوات عمره وهو يبني كياناً كبيراً لأسرته الصغيرة المكونة من زوجته ونجليه، بدأت القصة منذ سنوات عديدة، تأخرت الزوجة في الإنجاب لبضع سنوات بسبب بعض المشاكل الصحية، إلى أن كُللت الجهود الطبية بنجاح واستجابت الزوجة للعلاج، وأثمر الزواج عن نجلهما الأكبر. كان هذا الطفل بمثابة طاقة الأمل التي أعادت للأسرة الصغيرة الحياة بعد سنوات من فقدان الأمل، وبعد عشر سنوات من ولادة الطفل الأول كانت الأسرة على موعد مع استقبال الطفل الثاني، رفرفت السعادة على الأسرة الصغيرة وكأن عقد الأسرة اكتمل بولادة الطفل الثاني. كانت سفينة الحياة تسير بهما بشكل طبيعي إلى أن وقع زلزال زلزل كيان الأسرة جميعًا، حيث أصيب الأب بوعكة صحية، لم تستغرق الرحلة العلاجية كثيرًا من الوقت، وتوفي عائل الأسرة وترك وراءه أسرته الصغيرة، وقتها كان نجله الأكبر هو ذراعه الأيمن في العمل والقائم بكل شيء.
الوصية التي أشعلت الفتنة
انتهت مراسم العزاء، وبعد تجاوز الأسرة أيام الحزن، طلب الشقيق الأكبر عقد اجتماع لأفراد العائلة لبحث كيفية إدارة الأعمال وتوزيع المهام والمسؤوليات بعد رحيل الأب وكبير العائلة، الذي كان بمثابة العقل المدبر وصاحب العقلية التجارية الناجحة. الخوف على تجارة الأسرة واسم العائلة الذي صنعه الأب على مدار سنوات دفع الابن الأكبر لسرعة عقد هذا اللقاء الهام، ويبدو أن الأب كان يشعر بدنو الأجل، كتب وصيته من نسختين قبل وفاته وسلم نسخة منها إلى نجله الأكبر ونسخة أخرى إلى محامي العائلة.
بدأت وقائع الاجتماع العائلي في حضور محامي العائلة الذي كان يحمل بين يديه حقيبة صغيرة بها وصية الأب الراحل، وبعد دقائق من بدء الاجتماع بدأ المحامي في قراءة الوصية والتي تضمنت في أهم بنودها أن يقوم نجله الأكبر بالإشراف الكامل على كل شيء، مع الوصاية على نصيب شقيقه الأصغر حتى بلوغه السن القانونية ومن ثم يدخل كشريك في العمل بنسبة من الميراث الشرعي كما تم تحديده. كان صمت الشقيق الأصغر صمتاً مُصطنع يحمل في طياته رفضاً كاملاً لكل ما قيل خصوصًا أن هذه الوصية تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنه سيظل أسيرًا لسلطة شقيقه الأكبر حتى ينفذ كامل شروطها، ومن هنا كانت بداية التذمر.
استمر الشاب على حالة اللامبالاة والاستهتار التي تعود عليها، كان كبير العائلة يعلم أن شقيقه الأصغر شاب مستهتر ولن يأتي من ورائه سوى المزيد من المشاكل، لكنه أصم أذنيه عن كل هذا.
تحدى الجميع تنفيذًا لوصية والده واحترامًا لذكراه، لم يكن إصراره على رعاية شقيقه المنفلت سلوكياً وأخلاقياً سوى نوع من الطيبة الزائدة، ورغبة منه في عدم قطع صلة الرحم، كل ما فعله كان بدافع الحنين والرغبة في الإصلاح، ولكنه كان يحنو ويعطف على الشيطان داخل منزل العائلة. حافظ الشقيق الأكبر على وصية والده في النصف الأول منها، لم يبخل على شقيقه الأصغر بأي شيء حتى انتهى من دراسته نهائيًا، لكن عقلية الشقيق الأصغر كانت مختلفة تمامًا عن شقيقة الأكبر.
بداية الشقاق بين الأشقاء
ارتبط الشقيق الأصغر بفتاة كانت زميلة له في المرحلة الجامعية، كانت لديه رغبة جامحة في الزواج منها، لكن الأمور ليست بهذه البساطة، فكل ميراثه ونسبته من التركة على أرض الواقع لا يملكها ولا يستطيع التصرف فيها بمفرده دون وصاية شقيقة الأكبر، كما أن من ضمن بنود الوصية الاستمرار في العمل والشراكة مع الشقيق الأكبر وهو الأمر الذي كان يرفضه بشدة. ورفضت أسرة العروس بحجة أنه من الضروري أن يؤمن مستقبله ومستقبل عروسه، ما دفع الشقيق الأصغر للإصرار على الاستقلال بكل شيء، حتى قرار زواجه كان قراراً منفردًا رغم اعتراض الأسرة على اتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت، لكن الشاب المستهتر قرر الاستمرار فيما عزم عليه. فاجأ الجميع بطلبه الانفصال بنصيبه من الميراث، وإقامة مشروع استثماري بمشاركة حبيبته، وهو ما رفضه شقيقه الأكبر شكلًا ومضمونًا، مؤكدًا له أنه بهذا القرار يخالف بنود الوصية التي أوصى بها والدهما الراحل.
أصر الشاب المستهتر على موقفه، ما دفع شقيقه الأكبر تحت الضغط والإلحاح الشديد منحه جزء كبير من مستحقاته وفق ميراثه الشرعي، لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن في الحسبان ولم يتوقعه أكثر المتشائمين، حيث تعرض الشاب المستهتر لخسائر فادحة نتيجة عدم دراسته الجيدة للمشروع الذي أقامه، تدهورت أحواله المادية كثيرًا خصوصًا بعدما التف حوله أصدقاء السوء، أدمن سهرات «الكيف والفرفشة»، وبمرور الوقت أصبح بلا عمل حتى بدأ نزيف الخسائر يلاحقه من كل جانب بسبب استهتاره وإهماله، ما دفعه للاستدانة من كل غريب وقريب حتى فقد صوابه تمامًا.
لم يجد أمامه سوى شقيقه الأكبر حتى ينقذه من المصائب التي توالت عليه الواحدة تلو الأخرى، لكن يبدو أن العلاقة بينهما كانت وصلت إلى طريق مسدود بسبب انفلاته وتجاوزاته وإصراره على عدم تنفيذ وصية والده. حاول الاعتذار لشقيقه الأكبر، طلب أن يسامحه على ما ارتكبه من أخطاء، لكن كل محاولاته ذهبت أدراج الرياح، خصوصًا والشقيق الأكبر يرى أموال والده تضيع بمنتهى السهولة كالهباء المنثور ويتم إنفاقها في غير محلها، وما زاد الأمور تعقيدًا هو تورط الشقيق الأصغر في التوقيع على إيصالات أمانة وشيكات بدون رصيد.
حادث مروري كشف تفاصيل الجريمة البشعة
تأزم الموقف تمامًا وأصبح مهددًا بالسجن، فقد صوابه، عقد صفقة مع الشيطان، اختمرت الفكرة في رأسه وهي قتل شقيقه الأكبر بطريقة تبدو وكأنها قضاء وقدر وبالتالي تؤول الثروة كلها لها بصفته الوريث الوحيد.
اتفق مع أحد الأشقياء على التخلص من شقيقه عن طريق حادث تصادم يتم التدبير له بشكل جيد، ومن ثم ينتهي كل شيء قضاء وقدراً، وفي سبيل تحقيق هذا الأمر قدم الشقيق الأصغر معلومات كافية ووافية بخط سير شقيقه الأكبر وطبيعة تحركاته وحدد أنسب الأوقات التي يكون فيها بمفرده، ولم يتبق سوى ساعة الصفر. وفي التوقيت المحدد سلفًا قامت سيارة مسرعة بالاصطدام بالشقيق الأكبر، أسقطته أرضًا على الفور، لكن شاء الحظ أن ترتطم سيارة الجريمة نتيجة الارتباك بعدة سيارات أخرى أدت إلى وقوع حادث مروري كبير أجبر قائد السيارة على التوقف وعندما حاول الفرار لم يتمكن، أمسك به المارة وأوسعوه ضربًا نظرًا لتسببه في وفاة شخص وإحداث تلفيات كبيرة نتيجة هذا الحادث الكبير.
كانت كل الأمور تُشير إلى أن الأمر حادث مروري ليس أكثر، لكن بعد استدعاء شرطة نجدة القاهرة وتسليم المجرم للشرطة توالت المفاجآت المذهلة، حيث اعترف المتهم بأنه لم يكن يقصد وقوع مثل هذا الحادث الضخم وكل ما في الأمر أنه كان مكلفاً فقط بقتل المجني عليه. كانت اعترافاته مثيرة، وتحولت دفة القضية من مجرد حادث مروري أو قتل خطأ إلى جريمة قتل مدبرة مع سبق الإصرار والترصد، حيث قدم المتهم اعترافات تفصيلية حول طبيعة ارتكاب الجريمة مؤكدًا أنه تقاضى مبلغاً مالياً كبيراً مقابل تنفيذ هذه الجريمة وأرشد عن المحرض الأساسي على الجريمة، حيث تبين من التحقيقات أن شقيق المجني عليه الأصغر هو المحرض والشريك الأساسي للجريمة بسبب رغبته في الاستيلاء على الميراث.
تم تسيير مأمورية أمنية للقبض على الشقيق الأصغر بتهمة الاشتراك والتحريض على الجريمة، وأحيل المتهمان إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسهما 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معهما لحين الانتهاء من جمع التحريات والاستماع لكلام الشهود.
اقرأ أيضًا: هل يجوز شرعًا حرمان الأبناء العاقين من الميراث؟