الرائد الدكتورة روضة الشامسي: يجب أن يتحلى الطبيب الشرعي بالصبر والتحمل
تصوير: يوسف الأمير
لم تكتف بطرق باب العمل في مجال الطب الشرعي فقط، بل أرادت أن تتميز فيه وتكون لها بصمة تضيف لرصيد المرأة الإماراتية الكثير، حصلت على الدكتوراه في جامعة سنترال لانكشاير ببريطانيا، لتكون أول طبيبة عسكرية في الدولة تنال شهادة الدكتوراه في الطب الشرعي، وحصلت على حقوق الملكية الفكرية في طريقة مستحدثة لتشريح منطقة العنق للتفرقة بين حالات القتل والانتحار.
إنها خبير طبيب شرعي رائد الدكتورة روضة حسن مصبح الشامسي، رئيس قسم الفحوص الجنائية الخاصة بإدارة الطب الشرعي في الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة في شرطة دبي، التي التقيناها لنسلط الضوء على طبيعة عملها ونكشف عن جوانب من حياتها الشخصية:
الدكتورة روضة الشامسي في غرفة الفحص - تصوير: يوسف الأمير
بالعودة إلى البدايات، ما الذي دفعك لطرق باب الطب الشرعي بعد الانتهاء من دراسة الطب العام والجراحة؟
لعبت الصدفة دوراً في ذلك، فخلال دراستي للطب لم يخطر ببالي أن أكون جزءاً من هذا التخصص المهم، وعندما تقدمت بطلب الالتحاق للعمل في القيادة العامة لشرطة دبي كنت أنوي التخصص في جراحة القلب، لكن عندما تلقيت اتصالاً من الإدارة العامة للموارد البشرية تطلب مني الانضمام لإدارة الطب الشرعي، استوقفتني جملة واحدة وهي أنه يوجد نقص في هذا القطاع والدولة في حاجة لكوادر وطنية تسد هذه الفجوة، وبدون تردد وافقت على هذا الطلب وشعرت وكأن الله تعالى يمنحني الفرصة لرد ولو جزء من جميل الوطن علي، لتبدأ رحلتي في إدارة الطب الشرعي منذ العام 2010، ولم أكتف بذلك بل سافرت إلى بريطانيا للحصول على درجة الماجستير ومن بعدها الدكتوراه في مجال الطب الشرعي في جامعة سنترال لانكشاير.
تحرص شرطة دبي على دعم الكوادر الوطنية وتأهيلها للمناصب القيادية، فكيف تنظرين لهذا التوجه من وجهة نظرك؟
تحرص القيادة الرشيدة على بناء أمة قوامها العمل والاجتهاد لرفع راية الوطن عالية، وعيش أبنائه في عز ورخاء، وما تقدمه القيادة العامة لشرطة دبي من دعم لكوادرها الوطنية ماهو إلا توجه مستمد من حكمة شيوخنا الكرام، وأعتبر نفسي محظوظة كوني جزءاً من هذا الوطن الغالي.
صورة تذكارية تجمعها مع الفريق ضاحي خلفان
حدثينا عن مشاعرك الداخلية عندما تسند إليك قضية مصير أصحابها بين يديك؟
أي شخص يسلك مجال مهنة الطب تكون مشاعره واحدة، وهي الإخلاص لعمله والتفاني في خدمة الناس على أكمل وجه، فتلك المهنة تقوّم النفس وتجعلها تترفع عن التفكير في أي مصلحة شخصية، وإذا كان هذا ما يتسم به مجال الطب بوجه عام فما بالك بالطب الشرعي، الذي يجمع بجانب الطب تطبيق القانون، فحجم المسؤولية التي تقع على عاتقي كوني سأسهم في تحديد مصير شخص سواء بالبراءة أو الإدانة، تجعلني أبذل قصارى جهدي لتجنيب عاطفتي وتحكيم عقلي والاستناد إلى خبرتي وما اكتسبته من علم كي أصل إلى القرار السليم الذي يرضي ضميري.
أدين لوالديّ لما حققته من إنجاز في حياتي
تعدين أول طبيبة شرعية عسكرية في الدولة تنال شهادة الدكتوراه في الطب الشرعي، فما الذي يمثله لك هذا الإنجاز المتفرد؟
قدر ما أفتخر بهذا الإنجاز قدر ما أشعر وكأنه ليس لي، بل هو جزء يضاف إلى رصيد الدولة التي تهتم بأدق تفاصيل المسيرة التعليمية لأبنائها، فقد كنت محظوظة بأن سافرت إلى بريطانيا لنيل درجة الماجستير والدكتوراه، وأدين لوالديّ لما حققته من إنجاز في حياتي، والشكر موصول لوالدي الذي سمح لي بالسفر في سن 18 عاماً كي أشق طريقي في بلد غريب، ويكفيني فخراً ما قدمته لي والدتي، والتي ربطت على قلبها وتحملت ابتعادي عنها لسنوات كي أتعلم وأدرس، فنظرة الفخر التي أراها في عيونهما تشعرني وكأنني ملكت الدنيا بما فيها.
يضاف إلى إنجازاتك حصولك على حقوق الملكية الفكرية في طريقة التشريح، حدثينا عن هذا الأمر.
حصلت من وزارة الاقتصاد على حقوق الملكية الفكرية في طريقة مستحدثة لتشريح منطقة العنق للتفرقة بين حالات القتل والانتحار، فالعلم في تغير مستمر ودورنا أن نسبق الجريمة بخطوات ويكون ذلك بالتعلم والدراسة المستمرة والبحوث العملية، والحمد لله تم تطبيق هذه الطريقة للتعرف إلى السبب الناتج من طريقة الضغط على العنق.
الفريق عبدالله خليفة المري يكرم الدكتورة روضة الشامسي لحصولها على درجة الدكتوراه
يبدأ عمل القسم لديكم عند وجود حالات وفيات وإصابات تقع ضمن ظروف غامضة غير اعتيادية، فما آليات هذا العمل والخطوات التي تتبعونها منذ لحظة الإبلاغ؟
الطب الشرعي كإدارة لا تعمل وحدها بل تؤدي دورها ضمن آليات كثيرة، فمراكز الشرطة والإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة إلى جانب الإدارة العامة للتحريات والبحث الجنائي والإدارة العامة لمكافحة المخدرات كلها تعمل جنباً إلى جنب، فكل جزء من هذه الإدارات له دور على حسب البلاغ المقدم والجريمة الواقعة، ودور الطب الشرعي يختص بفحص الإصابات إلى جانب الفحص التشريحي بالنسبة للوفيات في القضايا التي بها شبهة جنائية، ويستكمل عملنا بمتابعة الفحوص وكلها كأنها سلسلة ذات حلقات متتابعة، فنحن نعمل كفريق عمل واحد في مسار أي قضية لإنهائها وصولاً إلى إعطاء الناس حقوقهم.
هل هناك صفات محددة يجب أن يتصف بها من يعمل في هذا المجال؟
يجب أن يتحلى الطبيب الشرعي بالصبر والتحمل والعمل تحت أي ضغط والقدرة على تغليب العقل، والأهم من ذلك القدرة على التوازن بين الحياة العملية والخاصة، خاصة إذا كان الطبيب أنثى حتى يتسنى لها أن تؤدي دورها كأم وزوجة أيضاً.
تتولين منصب مدير مشروع انضمام مدارس «حماية» التابعة لشرطة دبي لمنظمة اليونسكو العالمية، ما مهام عملك تحديداً؟
يعد هذا المشروع بعيداً عن مجال عملي ولكن بفضل الله تعالى استطعت أن أقوم بدوري فيه على أكمل وجه، فمن خلاله أيقنت أن الإنسان عندما يقرر فعل شيء لا تقف أمامه أي معوقات، إذ كان انضمام تلك المدارس لمنظمة اليونسكو العالمية أمراً مخططاً له من قبل القائد العام لشرطة دبي، كي نقدم نموذجاً يحتذى على مستوى العالم، حيث تنبثق منه 9 مشاريع تركز جميعها على أهداف التنمية المستدامة التي تنتهجها الدولة، والحقيقة أن تلك التجربة أفادتني كثيراً فطبيعة عملي تجعلني على تماس مع الطلبة، خاصة أصحاب الهمم منهم الذين يثبتون يوماً بعد آخر أنه بالإرادة والتحدي لا يوجد شيء مستحيل في هذه الحياة.
فزت بجائزة الرابطة الدولية لقادة الشرطة في الولايات المتحدة الأمريكية، حدثينا عن أهمية الجائزة، وكيف كان شعورك بتحقيق هذا الإنجاز؟
تمنح تلك الجائزة كل عام لأربعين شخصاً من المهنيين المكلفين بإنفاذ القانون، ممن تقل أعمارهم عن 40 عاماً من مختلف أنحاء العالم، والحقيقة أن تلك الجائزة قريبة إلى قلبي لعدة أسباب منها، أنها كانت السبب في أن تجمعني صورة تذكارية مع الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، بجانب حصولي على الدعم الكبير من جانب الفريق عبدالله خليفة المري، القائد العام لشرطة دبي، الذي يحثنا دائماً على التميز وأن نسير على خطى القيادة الرشيدة، كما أنها تزامنت مع ولادة ابني حمد فكانت الفرحة فرحتين.
لا نشعر في دولة الإمارات بوجود أي تفرقة بين الرجل والمرأة، فالكل يعمل ويجتهد ويثبت جدارته
تعملين في مجال صعب بعض الشيء على العنصر النسائي، كيف يتقبل المحيطون طبيعة عملك؟
لم نعد نشعر في دولتنا بوجود أي تفرقة بين الرجل والمرأة، فالكل يعمل ويجتهد ويثبت جدارته، وما حققته المرأة في مختلف المجالات خير دليل على أنها قادرة على أن تتميز وتتفوق بل وتؤدي دورها كأم على أكمل وجه.
ما رسالتك للمرأة الإماراتية؟
اعرفي قدراتك وما تمتلكينه من ملكات ربما لا توجد سوى عندك، ثم أطلقي أحلامك وطموحاتك لتبلغ عنان السماء.