27 يونيو 2022

إنعام كجه جي تكتب: دماء تسيل من الشاشة

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: دماء تسيل من الشاشة

بعد مقتل 19 طفلاً أمريكياً في مدرسة، هاج وماج أنصار تقييد بيع السلاح لكل من هبّ ودبّ. يستطيع أي رجل، وأي امرأة، اقتناء بندقية رشاشة مثلما يشتري كيس بطاطا أو علبة علكة أو قنينة مرطبات. إن متاجر السلاح كثيرة في الولايات المتحدة. تجدها بجوار متاجر الثياب والخضار ولعب الأطفال. هل العيب في بيع السلاح بهذه السهولة أم أن الخطر في مكان آخر؟

يمكن لأي مراهق أن يستل سكين المطبخ ويذهب لتنفيذ جريمة مجانية. وهناك مسدسات الآباء وبنادق الصيد الموجودة في البيوت. وليس كل من توفر له السلاح مجرماً وقاتلاً.

لابد من وجود نزعة عنف خطيرة في داخله. وهذه النزعة تتراكم، برأيي، من اعتياد مشاهدة صور القتل والتشويه والدماء على الشاشات.

إن القاتل في الأفلام البوليسية يمتلك سطوة وجرأة. وهو يتحدى القانون ويفلت من رجال الشرطة. وبهذا يكتسب هالة البطل في أعين المراهقين.

إنعام كجه جي تكتب: دماء تسيل من الشاشة
مجزرة المدرسة الابتدائية في ولاية تكساس الأمريكية

كنا نتهم الأفلام والمسلسلات الأمريكية بأنها مصدر العنف الذي يدخل البيوت عبر التلفزيون. وقد سبق وكتبت في هذه الصفحة عن مشاهد البطلة التي تصفع حبيبها. أن الرجل هو من يضرب المرأة فمن أين جاءتها الجرأة لتضربه؟ رأينا ذلك في أفلام الأربعينات والخمسينات، وليت الأمر توقّف عند صفعة.

أتفرج على أفلامنا ومسلسلاتنا، أي تلك التي تُنتج في مصر وسوريا وبعض دول الخليج، وأرى العجب: جلد بالكرابيج وركلات بالأرجل وجلود تكوى بالنار وبشر يجري تعليقهم بخطاف في السقف ونساء يُجرجرن على الأرض والسلالم من شعورهن. لا يحدث هذا في أقبية التعذيب وسجن أبي غريب بل في الأحياء السكنية الشعبية أو الراقية ولتصفية الحسابات بين رجال الأعمال المتأنقين وعصاباتهم.

وهناك عصابات تديرها نساء، وهن اللواتي يأمرن صبيانهن بتنفيذ أشنع الجرائم.

كأن ما يجري في بلاد الحروب والتهجير لا يكفي. وهدم البيوت في فلسطين لا يكفي. وما تنقله نشرات الأخبار لا يكفي. وجائحة «كورونا» وضحاياها لا تكفي.

واقع مرير يحتاج عقولاً راشدة لكي تحمي الشبيبة من تأثيراته وأمراضه. لكي تحصنها ضد الدماء التي تسيل على الشاشات. أكتب هذا وأنا أدرك أن كلامي ليس أكثر من هباء منثور، وأعرف أن دمي ثقيل حين أستعير جبة الواعظ. لكن الكيل فاض وأرجو المعذرة.

 

مقالات ذات صلة