مجلة كل الأسرة
16 فبراير 2022

هل يجب أن نمنع الشاشات عن أطفالنا؟

أستاذة وباحثة جامعية

هل يجب أن نمنع الشاشات عن أطفالنا؟

دور الوالدين من أصعب الأدوار لأنه يطرح عليهم آلاف التساؤلات. هل يجب أن أمنع عن طفلي كل أنواع الشاشات؟ هل سأفسده إن دللته كثيرًا؟ هل يجب أن أحميَه أو أتركه يجرّب الخطر؟ هل يجب أن أجبره على إنهاء الطعام في طبقه أو على الذهاب إلى النوم في وقت محدد؟ نعم، الضرب مرفوض ولكن ما العمل؟

قد تكون الأسئلة سهلة لكن الإجابة عنها ليست كذلك، يقدم كتاب "أريد ما هو الأفضل لطفلي" للكاتب غيوميت فور، إضاءة عليها وأساسها أن يشعر الطفل بنوايا أهله الحسنة تجاهه ومحبتهم له:

غلاف كتاب
غلاف كتاب "أريد ما هو الأفضل لطفلي"

في عالم يتغير بسرعة مذهلة، لم تعد التربية التي تلقيناها من أهلنا تصلح دائمًا كنموذج لنربي أطفالنا عليها وبالأخص في الأمور العملية واليومية.

فهل يمكن أن أمنع طفلي من مشاهدة الشاشات على أنواعها حينما تكون هذه الشاشات هي أحد مصادر المعرفة والتسلية والعلاقات الاجتماعية؟

هل يجب أن أجبر طفلي على إنهاء الطعام في طبقه حينما يعاني ثلث العالم من السمنة ؟

صار أطفال القرن الواحد والعشرين يتشابهون حول العالم أكثر مما يشبهون أهلهم، كما كتبت مجلة «تايم». أسئلة كثيرة تطرح على الأهل ويطرحونها هم على أنفسهم وهذه محاولة للإجابة

بشكل عملي على بعضها بعد سؤال عدد من الخبراء والعالمين في هذا المجال.

هل يجب أن نمنع الشاشات عن أطفالنا؟

هل يجب أن نمنع الشاشات عن أطفالنا؟

سؤال قد يبدو غير واقعي مع تفشي «كورونا» والتعليم من بعد، ولكن الأمل بأن لا تظل «كورونا» معنا إلى الأبد وبألا يدخل التعليم عن بعد ضمن منهاج المدارس بعدها.
أما السبب الأهم فيمكن أن نسمعه من فم مبتكري مختلف أنواع الشاشات التي تسود عالمنا اليوم.

يتذكر «نيك بيلتون»، وهو صحافي متخصص بأخبار التكنولوجيات الحديثة في صحيفة «نيويورك تايمز»، اتصالاً هاتفيًا مع «ستيف جوبز»، مبتكر آبل العبقري، حين سأله «لا شك في أن أطفالك يعشقون لوح الـ«آيباد»، ورد جوبز قائلاً «لم يستخدموه، فنحن نضع حدودًا للوقت الذي يمضيه أطفالنا في استعمال التكنولوجيات الحديثة».

أطفال «إيفان وليامز»، مؤسس منصات «بلوغر» و«تويتر»، لا يملكون كذلك لوح «آيباد» ولكن مئات من الكتب الورقية.

أما أطفال «كريس أندرسون»، الذي رأس لزمن طويل مجلة «وايرد» وهي مرجع محبي التكنولوجيا والمولعين بها، فهم يشتكون، كما يقول أبوهم، من أشد أنواع الحظر على الشاشات. وحين يلعب «جوناثان آيف»، مصمم شركة «آبل» الشهير، مع توأميه البالغين من العمر عشر سنوات، فهو يحب أن يرسم وأن يقوم بالأعمال اليدوية معهما ليصنعوا معاً «أشياء حقيقية وليس افتراضية»، كما يقول، ويضيف «حين نصنع أشياء حقيقية نفهم حقًا ميزات المواد التي نستخدمها».

الحاسوب ليس سوى أداة

هل يجب أن نمنع الشاشات عن أطفالنا؟

قد يخيّل للبعض أن الأهل الذين يعادون الشاشات هم ديناصورات من زمن آخر وشيوخ يشيطنون أثر الكمبيوتر، لكن خبراء التكنولوجيا والبرمجيات والكمبيوتر أنفسهم في «سيليكون فالي» يقولون «الحاسوب ليس سوى أداة، ومن لا يملك إلا مطرقة يظن أن كل المشكلات هي عبارة عن مسامير»، وهم قلقون من هوس المدارس التي ترغب في تجهيز تلامذتها في سن مبكرة بالآيباد والكمبيوتر.

ويربط هؤلاء الخبراء العلوم العصبية بعملية التعلُّم وطريقة عمل الدماغ والحواس والتصوّر المكاني وتعلّم التجريد. ويؤكدون أن الطفل حتى يتمكن من تعلم الكتابة يجب أن يبدأ بحركات كبيرة وليس فقط بتمرير إصبعه على شاشة صغيرة. وتعلم الرياضيات يمر عبر التصوّر في المكان، وفي مدرسة «والدورف سكول»، الخالية من جميع أنواع الشاشات والموجودة في سيليكون فالي، يُعلّم الأطفال جدول الضرب بواسطة الرسم والقفز على الحبل.

ولا يقول الخبراء إن الشاشة تحول دون التعلُّم ولكنها تحدُّه لأنها تخفف من التجارب البدنية والعاطفية.

الأطفال يتعلمون حسيًا

هذا يعني أن الطفل مع التعلُّم بواسطة الشاشات يفقد عددًا من الفوائد ويُحرم من تجارب حسية أكثر غنى. وقد سبق لعلماء التربية أن أثبتوا أن الأطفال يتعلمون باستكشاف العالم بكل حواسهم وبالتعامل يدويًا مع الأشياء والأدوات والمواد والنبات والحيوان، أي اللعب الفعلي على أنواعه. أما مع اللعب على الشاشات، لا يكتشف الطفل أي شيء آخر سوى أن وضع اصبعه في مكان معين يعطي ردًا معينًا من الحاسوب.

إن تعلم الرياضيات يمر عبر التجربة، كتعبئة زجاجة بالماء ورؤية الفقاقيع التي تخرج منها وملاحظة العلاقة بين الكتلة والحجم، وشكل عقدٍ بخرز ملون يجعل الطفل يقارب مفهوم التسلسل الرياضي.

اللعب والرسم والعزف الموسيقي الحقيقي، وليس بإصبعين على الشاشة، يفيد الجسر الذي يربط بين نصفي الدماغ. فحين استخدم يدي اليمنى أستعين بالنصف الأيسر من الدماغ وحين أستخدم يدي اليسرى أستعين بالنصف الأيمن من الدماغ وحين أمرر غرضًا من يد إلى أخرى أخلق تواصلاً بين النصفين وأنمي هذا الجسر.

وما يصح لليدين يصح كذلك للقدمين والعينين والمناطق المتخصصة في الدماغ الموجودة فقط في نصف واحد منه.

والكثير من الإجراءات كالكتابة والتفكير وسواهما، تستلزم تواصلاً بين نصفي الدماغ. فالعزف على آلة موسيقية مثلاً يجبر على التنسيق بين اليدين وبين العينين اللتين تقرآن النوطة الموسيقية.

لذا فإن الطفل الذي يلون بواسطة إصبع على شاشة صغيرة لا ينمي دماغه بقدر ما ينميه حين يجلس أمام طاولة ويلتقط الأقلام ويفتحها ويأخذ الورقة ويتنقل.

هل نستطيع حقًا ضبط استهلاك شاشات أولادنا؟

هل يجب أن نمنع الشاشات عن أطفالنا؟

توصي «أكاديمية أطباء الأطفال الأميركية» بتحديد وقت تعريض من هم أقل من سنتين للشاشات، فهذا لأن دماغ الطفل ينمو بسرعة خلال سنواته الأولى بواسطة التفاعلات مع الناس وليس مع الشاشات، لذا من الأفضل عدم قيام الطفل بهذا النشاط السلبي قبل سن الثالثة. لكن المدافعين عن لويحات الآيباد يقولون إنها «تفاعلية» وإن الأطفال يفهمون عليها بسرعة فائقة.

وهكذا يقع الجميع تحت سحر كلمة «تفاعلية»، والحقيقة أن لويح الآيباد استلابي أكثر منه تفاعلي، لأن الطفل أمام شاشة التلفزيون ينظر إلى ما عداها من حوله أكثر بكثير مما ينظر حين يتعامل مع اللويح الإلكتروني. وحين نعجب أو حتى نذهل حين يستخدم طفل هذه الآلة التي صممت ليكون في استعمالها أكبر قدر من السهولة فهذا مؤشر على عقد نقص الأهل الذين يشعرون بالعجز أمام التكنولوجيا الجديدة.

وهكذا تصير التكنولوجيا الجديدة بلاد السلطة المعكوسة حيث يجد بعض الأهل أنفسهم في وضعية من يرجون أطفالهم لمساعدتهم حتى يجدوا على الإنترنت الفيلم الذي يريدون مشاهدته.

فكيف والحال هذه يمكن أن نشعر أن لدينا الحق في ضبط استهلاك شاشات أولادنا حين نكون مجبرين على الاستعانة بهم حتى نتعامل مع عالم التكنولوجيا الحديثة؟

تكنولوجيا اليوم لا تحضر لمجهول الغد

هل يجب أن نمنع الشاشات عن أطفالنا؟

لكن دعونا نضع النقاط على الحروف.. ليس لأن الطفل يستخدم التكنولوجيا الجديدة بشكل أفضل من أهله هذا يعني أنه سيصير مهندسًا.

قارنت دراسة «بيزا» مستوى أولاد في الخامسة عشرة من عمرهم ووجدت أن أفضل النتائج التي سجلت في كوريا أو بولندا قد كانت في بلدين لا يسمحا فيها باستخدام الحواسيب خلال امتحانات الرياضيات، وعلى الأطفال فيها أن يتعلموا التعامل مع الأرقام بسرعة وليس أن يتعلموا إخراج الآلة الحاسبة بسرعة من جيوبهم.

وحين يتعلم طفل كيفية استخدام تكنولوجيا فهذا لا يعني أنه يتعلم كيف يقوم بعمل، كما يقول خبراء التربية. ومع هذا فإن اللويحات تقدَّم كما لو أنها الحل لكل المشكلات التربوية.

وإذا ما وقعتم على برنامج مؤتمر مخصص للتربية سواء أكان موجهًا لعلماء النفس أو الأهل أو الأساتذة، ستجدون من دون شك أن جزءًا منه إن لم يكن بأكمله مخصص لعنوان «أي مكان للأدوات الرقمية في عالم التربية؟» وفي السياسة يلتزم المسؤولون بتجهيز المدارس باللويحات كما يلتزمون بخفض الضرائب. والسؤال يسيطر اليوم على كل الأسئلة التربوية الأخرى انطلاقًا من أنه كلما زادت نسبة التكنولوجيا في المدرسة كلما كان هذا أفضل.

لنبدأ بأنفسنا

هل يجب أن نمنع الشاشات عن أطفالنا؟

لكن خبراء التربية غير المنضوين تحت لواء شركات تسويق الأدوات الإلكترونية يؤكدون أنه حين نبحث عن آثار بسيطة ننتقل من نتيجة مخيبة إلى أخرى والتوقعات الأكثر تفاؤلاً لم تتحقق. ويقول أحد المهندسين ممن يعملون لدى شركة مايكروسوفت، وقد منع أطفاله من استعمال اللويح قبل بلوغهم سن العاشرة، إنه غير قلق لفكرة أن أطفاله المحرومين من الشاشات سيتأخرون تكنولوجيًا عن سواهم من الأطفال، ويضيف أننا لا نعلم كيف سيكون شكل العالم بعد خمسة عشر عامًا بعد أن تكون قد تغيرت هذه الأدوات التكنولوجية مئات آلاف المرات.

ولأنه يعمل عند مايكروسوفت يعرف إلى أي درجة تتم دراسة البرمجيات واختبارها حتى تكون أكثر فأكثر سهولة عند الاستعمال. إن الأهل الذين يفكرون مثل هذا مهندس الإلكترونيات هذا يعتبرون أنه مهما كان العالم الذي سيعيش فيه أطفالهم سيكونون بحاجة إلى أن يتعلموا كيف يتعلمون ولهذا سيكونون بحاجة إلى دماغ مرن بما فيه الكفاية حتى يستكشفوا ما هو مجهول حتى اليوم. ولا ننسى أنه لن يكون من المفيد أن نطلب من أطفالنا الحد من استعمال الشاشات حين نمضي نحن أوقاتنا أمامها أو نقضي سهراتنا أمام التلفزيون أو حين يروننا دائمًا معهم وعيننا على شاشة الهاتف الذكي.

اقرأ أيضًا: كيف تنقذ طفلك من الشاشات؟.. نصائح سهلة وفعالة