03 أكتوبر 2022

لهذه الأسباب.. دوما تتربع قائمة أجمل البلدات اللبنانية

فريق كل الأسرة

لهذه الأسباب.. دوما تتربع قائمة أجمل البلدات اللبنانية

لم ينقطع سبتمبر هذا العام - وكان الصيف ما زال في أوله - عن المضي في استقبال المغتربين اللبنانيين الذين قصدوا، بعد انقطاع ملحوظ لسنتين أو ثلاث، تسببت به «كورونا»، الربوع اللبنانية لاسيما بلداتهم ومساقط رؤوسهم التي تقع على متون جبال لبنان العالية حيت الإطلالة من أعلى تبهر العيون فضلاً عن تنشق الهواء النظيف ملء الرئتين بعدما أمعنت نفايات وانبعاثات المدن الغازية في تلويثه على السواحل، وحيث لم تنقطع جهات عدة عن تنظيم فعاليات ونشاطات سياحية ومتنوعة تفيد في توفير أوقات وأيام سعيدة ونظيفة وصحية لسكان تلك البلدات وزائريها بعد سفر واغتراب..

موقع مميز وفريد

لهذه الأسباب.. دوما تتربع قائمة أجمل البلدات اللبنانية

بلدة دوما هي أبرز البلدات التي أطلقت مهرجاناً سياحياً وتراثياً وفنياً خلال هذا الصيف واستمر حتى أيلول/سبتمبر الجاري.. تقع دوما في شمال لبنان، وترتفع عن سطح البحر 1200م، وتبعد عن العاصمة بيروت 70 كلم تقريباً، وتربض على منخفض جبلي تحيط به قمم وأودية، وينفتح متدرجاً على بساط مملوء بالألوان لاسيما الأحمر الذي يغطي قرميد أغلبية سطوح بيوت دوما وأبنيتها، وعلى سهل واسع فريد من نوعه تسببت الزلازل بتكوينه ويكسوه الأخضر على اتساعه.

ومن أرشيف دوما أنها لوحة من لوحات الطبيعة الأجمل مما حدا بالقيمين على الجمال على تتويجها ملكة جمال البلدات اللبنانية عام 1996.

البيت القرميدي الأحمر من الجهة الشرقية
البيت القرميدي الأحمر من الجهة الشرقية

سوق دوما العتيق بحلة جديدة

وفي جديد دوما هذا الصيف، وسجّله شهر أيلول/سبتمبر، أن أعمالاً ستنطلق في سوقها العتيق عما قريب لتنجز مع نهاية عام 2023، وذلك بعد تقديم جهة خليجية منحة مالية خصصت لأعمال السوق.

لعب سوق دوما دوراً ثقافياً وترفيهياً باحتضانه صالة للسينما والمسرح والمكتبة العامة والمقاهي التي كانت تعجّ بالرّواد والمشاهير

ويقول رئيس بلدية دوما الدكتور أسد عيسى لـ «كل الأسرة» إن هذا المشروع سيعيد ترميم وتأهيل السوق العتيق و البنى التحتية وتأمين الإمدادات الكاملة للمياه والكهرباء والإنترنت والهاتف الثابت وسيزود بها حوالى 130 محلاً عتيقاً بينها 5 محال مهدمة سيصار إلى ترميمها..

البيت الأخضر خلال فصل الصيف
البيت الأخضر خلال فصل الصيف

ويشير عيسى إلى أن السوق العتيق كان نشأ أواسط القرن التاسع عشر مع ازدهار الصناعة والتجارة بين دوما ومختلف مناطق الشمال والبقاع، وعـبرهما إلى سوريا وضم آنذاك أسواقاً متخصصة للحدادين والكندرجية والخياطين مع صناعة الأقمشة والطرابيش والمطرزات والبرادي والمقاهي وغيرها. ويذكر عيسى أن لدوما أيضاً شهرتها بالبوظة والحلوى وراحة الحلقوم والمونة البلدية.

ويضيف أن هذا السوق لعب دوراً ثقافياً وترفيهياً باحتضانه صالة للسينما والمسرح والمكتبة العامة والمقاهي التي كانت تعجّ بالرّواد، ومن زائري دوما ونزلائها أيضاً عدد من الشخصيات الوطنية اللبنانية والسورية أبرزهم سليم علي سلام وسليم حسن طبارة وصلاح الدين عثمان بيهم وسعد الله الجابري (أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء سوريا).

لقطات درون خلابة من بلدة دوما اللبنانية


وحسب عيسى لسوق دوما شهرته كذلك بصناعة الحرير الذي كان يشكّل مورداً اقتصادياً مهماً إضافة إلى استخراج زيت الزيتون وكان يضم سوق النجارين حيث ازدهرت فيه صناعة الأثاث الفاخر الذي تشهد عليه بيوت دوما القديمة.

وكان في دوما سجن منذ عهد المتصرفية، وتم فيه تمثيل بعض مشاهد فيلم «سفر برلك»، وأمام بابه وقف عاصي الرحباني ليرشو الجنود الأتراك بغية إطلاق سراح الثوار.

سوق دوما
سوق دوما

إشارة إلى أن بلدة دوما هي المركز الإداري الصيفي لقضاء البترون وتتمركز هذه الإدارات في مبان أثرية إلا أن أعمال الترميم لن تشمل مبنى بلديتها التي تأسست عام 1881 وهــي ثاني أقدم بلدية في لبنان بعد بلدية دير القمر، وقد خضع مبناها القديم لترميم كبير عامي 1999 و2000.

لهذه الأسباب.. دوما تتربع قائمة أجمل البلدات اللبنانية

كما لن تشمل أعمال الترميم المزمعة في السوق سينما فؤاد التي أنشئت عام 1930، وقد دعيت كذلك تيمناً بصاحبها فؤاد فشفش، إلا أنه كان تم ترميم مبناها في السنوات الأخيرة وتعرض فيه أفلام وثائقية عن دوما، والأفلام التي أنتجت فيها كاملة أو ببعض من مشاهدها بينها «سفر برلك» و«لوين» لنادين لبكي إلى جانب عدد كبير من الكليبات الغنائية.

بلدة الهدوء والسكينة

لهذه الأسباب.. دوما تتربع قائمة أجمل البلدات اللبنانية

وبتقدير عيسى فإن عشرات الآلاف من اللبنانيين المقيمين والمغتربين والسياح الأجانب أمضوا ساعات وأياماً هذا الصيف في دوما، فهي كما يصفها بلدة الهدوء والسكينة، والبلدة الخضراء التي تمتاز بهوائها المنعش العابق بأريج الصنوبر واللزاب وبحدائقها الغناء من أشجار وكروم خصبة وبساتين زيتون وتفاح وعنب، وقد جعلها موقعها الطبيعي بمنأى من العواصف، ما أكسبها مناخاً صخرياً بعيداً عن الرطوبة، وهو ما حولها كذلك لمركز صحي قصده المرضى منذ زمن للتعافي من أمراض المفاصل والرئتين والقلب والشرايين، وقصدها أيضاً طالبو الراحة والسكينة والهدوء.

سر تسميتها "دوما"

لهذه الأسباب.. دوما تتربع قائمة أجمل البلدات اللبنانية

ويروي عيسى أن اسم دوما يرتبط بالأميرة الشرقية جوليا دومنا التي خصها زوجها الإمبراطور سبتيموس سفيروس ببناء قلعة على اسمها في دوما للاستراحة فيها ما زال بعض آثارها قائماً، بينما كان يقيم في قلعة بناها في السفيرة (في أعالي الضنية وهي جبال محاذية لدوما في شمال لبنان) التي اتخذت من اسمه اسماً لها.

ويوضح عيسى أن نمط العمران في دوما يعود إلى عهد فخر الدين المعني الثاني الكبير بعدما تلقح الفن الذي اقتبسته من الفتوحات العربية بالفن التوسكاني فظهرت القناطر الثلاثية المتطلعة إلى البحر مع القرميد الأرجواني، ويناهز عدد الأبنية التراثية في دوما 250 بيتا.

وحسب عيسى تتوزع بيوت دوما على ثلاثة أنماط هندسية هي:

  • البيت المستطيل الشكل وهو أقدم طراز وكان منتشراً بكثرة قبل القرن العشرين.
  • بيت «الليوان» وهو أحدث من السابق.
  • وبيت ذو الرواق: وهو النمط الذي اعتمد على نطاق واسع بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر وينتمي إليه معظم الأبنية التراثية القائمة تقريباً في البلدة.

لهذه الأسباب.. دوما تتربع قائمة أجمل البلدات اللبنانية

ويورد عيسى فيما يروي إلى أن الزعماء الذين قصدوا دوما في القرن الماضي أقاموا في منزل الراحلين نقولا خير وعقيلته ميليا اللذين قاما بتأسيس نادي دوما عام 1943 وتحت قنطرة منزلهما تم تمثيل جزء من مشاهد فيلم «سفر برلك».

ويشير عيسى إلى قرب الانتهاء من ترميم منزل المطران الراحل أنطونيوس بشير وإقامة متحف فيه سيشهد على أعماله في لبنان والاغتراب. وهذا المطران عاش فترة طويلة من حياته في الولايات المتحدة وهو مؤسس جامعة البلمند وكان أول من ترجم إلى اللغة العربية الكثير من مؤلفات الكاتب اللبناني جبران خليل جبران على رأسها كتاب النبي الذي سيتم الاحتفال في العام المقبل بمئويته الأولى.

فندق دوما الكبير

لهذه الأسباب.. دوما تتربع قائمة أجمل البلدات اللبنانية

والسياحة في دوما متكاملة المقومات فهناك السياحة الدينية وهناك السياحة التراثية والترفيهية بما يتوافر من مطاعم ومقاهي وموتيلات إلى جانب فندق دوما الكبير الذي بناه الاغتراب، وهناك السياحة الأثرية، وهناك سياحة فن العمارة المميز في هذه البلدة خصوصاً بيوت الضيافة، أما السياحة البيئية فلها حصتها الكبرى وأبرز محطاتها: محميات الصنوبر، سكة الشام: تربط دوما ببلدة بلعا (على أطراف بلدة تنورين المحاذية التي تشتهر ببالوعها السياحي وجسوره الطبيعية الثلاثة) عبر مسالك أربعة تخترق ربوع البلدة وسط غابات من السنديان وحدائق من الأشجار المثمرة.

ويذكر أن جميع المسالك يتراوح طولها بين كيلومترين و7 كلم ويقصدها هواة المشي والسياحة البيئية، طريق الكواع: في أحضان الطبيعة وبين بساتين الزيتون القابعة في أسفل البلدة، وحيث يقام مركز المخيمات الكشفية وبيت الشباب في نادي دوما.

وأخيراً فإن الينابيع وعيونها تنتشر بكثرة في أنحاء البلدة لغناها بالمياه.

*بيروت: شانتال فخري