04 يناير 2023

د. باسمة يونس تكتب: النجاح بأمل كاذب

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: النجاح بأمل كاذب

سأل أحدهم آخر: هل تعتقد أن الرياضيين العظماء حققوا النجاح بمجرد قراءة قصص من سبقوهم؟ هل يقرأ رجال الأعمال الأثرياء كتباً حول كيف يكسبون المال ويحققون النجاح في أعمالهم؟

فأجابه بأن علماء النفس يقولون بأن الناس الذين يقرأون كتب المساعدة الذاتية التي تعتمد على قصص النجاح يعانون «متلازمة الأمل الكاذب» لأنهم انساقوا وراء أوهام إمكانية حدوث التغييرات الكبرى و السريعة التي خلقتها كتب المساعدة الذاتية ذات المحتوى القصصي الخيالي.

إنهم يقرأون قصة من بضعة سطور تحكي لهم عن شخص كان يعاني في حياته لكنه وفي لحظة تغيير حاسمة استطاع أن ينقل نفسه من مكان إلى آخر، وأن يصبح من أكثر الناس أهمية ونجاحاً، والقصة التي انتهى سردها في دقيقتين قد حدثت خلال سنوات طويلة ومرت على بطلها أيام وشهور من التعب والعمل الشاق حتى كاد أن يتراجع مراراً ويعود إلى نقطة الصفر بسبب فشله في تحقيق النجاح، لكنه كان شجاعاً فقرر المضي وتحمل المشاق من أجل الوصول إلى نتيجة تحقق له حلمه.

وهكذا يقع الناس في شبكة وهم واسعة تشجعهم على مزيد من القراءة والتمتع بحكايات عن تحقيق النجاح بالسهولة التي قرأوها في القصص. تلك القصص التي لم تخبرهم الكثير عن صعوبة التغيير وأهمية العمل الشاق من أجل النجاح لكنها استنزفت مشاعرهم بقوة أكبر ومنحتهم أملاً جميلاً لن يصل بهم إلى نتيجة أبعد من الخيال إن لم ينهضوا لتغيير مصائرهم والبدء بحفر الأرض وغرسها وزراعتها بأيديهم.

إن الخطأ الذي ترتكبه كتب المساعدة الذاتية الرائجة ذات العناوين المبهرة أنها تملأ صفحاتها بالقصص، فالناس يحبون الحكايات الواقعية لكنها لن تقدم لهم المساعدة الحقيقية التي تقدمها كتب المساعدة الذاتية الحقيقية الملأى بالتعليمات والتفسيرات والشارحة لمعنى التغيير وكيفية البدء به ومن أين.

لكن الخطأ لا يقع برمته على الكاتب أو الكتاب، بل على الناس الذين لا يرغبون بالفعل في تحسين حياتهم أو إجراء تغييرات فعلية فيها بل يحبون العيش في فقاعة الآمال واللجوء إلى الكتب التي تروي لهم القصص وتمتع خيالهم بالأماني والآمال مادام التغيير صعباً ومملاً ويتطلب أحياناً مجازفات عميقة كاستبعاد الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين لديهم تأثير سيئ على حياتهم والخروج من منطقة الراحة التي يصعب عليهم تركها.

والكتب التي توفر لهم قصصاً تقدم لهم وهم التغيير وتقودهم نحو تحقيق نجاح زائف لكنهم مقتنعون بأن حياتهم قد أصبحت أفضل بمجرد القراءة عمن سبقهم إلى ذلك، ويريدون قراءة المزيد عنهم للتمتع بذلك الشعور اللطيف الذي يغدق عليهم أملاً بأنهم سيفعلون ما فعلوه ذات يوم!

وتضخ قصص النجاح في أجساد الناس هرمونات سعادة وتشعرهم بأنهم أفضل مما كانوا عليه على الرغم من عدم قيامهم بأي عمل، ورغم أن الكتب مجرد وسيلة لتحقيق غاية لكن البعض يتوقف بعد قراءة فصل واحد ويبدأ بالتفكير في الإقدام على التجربة لأنهم لا يعرفون بأن ما يصلح لشخص لن ينجح دائماً مع الآخرين، ولأن أكبر مشكلة أن الناس يريدون ببساطة إصلاحاً سريعاً لا يرهقهم ولو كان وهماً لا طائل من ورائه.