23 يناير 2023

د. باسمة يونس تكتب: انتقام مدمر

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: انتقام مدمر

لم يكن إيميت يدرك هول نتائج الانتقام من أي شخص في حياته، لكنه فهم ما يمكن أن يحدث بعد قيامه بنشر صورة له وهو واقف في طابور طويل في المطار وخلفه امرأة غاضبة، أساءت إليه بشدة!

كانت تلك المرأة قد اقتربت منه بينما هو واقف في طابور ذوي الأولوية الذي يسمح لمن اشتروا تذاكر الدرجة الأولى الصعود إلى الطائرة وطلبت منه الخروج من الطابور لأنها تعتقد بأنه يقف في الصف الخطأ!

التفت إيميت إليها مستفسراً عن سبب اعتقادها بأنه واقف في الصف الذي ليس عليه الوقوف به فردت بأنه يقف في طابور لأصحاب الأولوية ممن دفعوا مبالغ مالية كبيرة من أجل الاستفادة منه.

شعر إيميت بالغضب فهذا يعني بأن السيدة تنظر إليه بعين عنصرية واضحة، فهي تقول بأنه لا يبدو عليه وكأنه ينتمي إلى فئة الأثرياء، لمجرد أنه أمريكي من أصل إفريقي.

وهنا ما كان على إيميت سوى إبراز بطاقة الدرجة الأولى التي يحملها وعرضها على المتذمرة ليبرهن لها على أنه يملك الحق مثلها في الوقوف في ذلك الطابور. ولكن ذلك لم يكن كافياً لإسكات المرأة التي قالت لرفيقتها: لا بد وأنه كان عسكرياً، ومع هذا وحتى لو كان عسكرياً مازال عليه الابتعاد لأن من يستحقون الوقوف في هذا الصف الذين يدفعون من مالهم بالفعل ليحصلوا على الخدمة المميزة فيه!

كل هذا دفع إيميت الغاضب لالتقاط صورة تبين المرأة الواقفة خلفه ويسجل عليها الحوار الذي دار بينه وبينها لتتحول الصورة خلال دقائق إلى أكثر منشور يتم تناقله وتحويله على صفحته في الفيسبوك.

وصفحة إيميت كلاوس وولكر يتابعها عدد هائل من الناس لأنه يعمل مديراً تنفيذياً في صناعة الموسيقى، ومشهوراً بما فيه الكفاية لتتم مشاركة الصورة والتعليقات لأكثر من 265959 مرة. مع مئات الآلاف من التعليقات التي حولت المرأة في غضون دقائق إلى محور سخرية من أهانوها بكل طريقة ولفظ وشتيمة!

لكن تلك الردود الغاضبة لم ترض إيميت الذي فوجئ بتحول شتائمهم وغضبهم المشتعل كالنار إلى خطاب كراهية أكبر مما يمكن وصفه، وحدث ما كان يخشاه، فهذا المنشور القصير أثار عاصفة عنصرية أحرقت خلال ساعات كل معاني التسامح والرحمة بين الناس!

سارع إيميت لكتابة اعتذار للمرأة قائلاً بأنه يتمنى لو كان بإمكانه العودة في الوقت المناسب كي لا ينشر تلك الصورة، وقال بأنه لم يشعر بالرضا أبداً بعد خروج المنشور والتعليقات عن السيطرة وبأنه رغم كونه تعرض للظلم منها لكنه لم يكن راغباً في تحويل قصته إلى مادة للعنصرية التي تعتبر قضية يحاربها بالأصل.

إن ما حدث لم يكن الحل المناسب فلا يهم مدى خطأ أفعال الآخرين، لكن إذا لم يكن بالإمكان مساعدة أي شخص على الأقل يجب عدم القيام بأي شيء لإيذائهم، وما فعلته تلك المرأة كان خطأ لكن الخطأ الأكبر جاء من قوة الضرر الناتج عن ردود فعل الناس على وسائل التواصل الاجتماعي فالسخرية والشتائم تعيق التسامح ولا تترك في أعقابها سوى الدمار الذي تحفزه الرغبة في الانتقام.