بعد تأخره أسابيع عدة عن موعده السنوي المعتاد، انطلق موسم التزلج في لبنان، وارتدت أعالي جباله في السلسلتين الشرقية والغربية رداءها الأبيض، فما أن انحسرت موجة «فرح» الباردة والثلجية التي غطته من ساحله إلى أعلى قممه، مطلع فبراير الجاري، حتى سارع اللبنانيون من مقيمين ومغتربين وبعض العرب والأجانب إلى مراكز التزلج بكثافة على على الرغم من الانهيار الشامل على مختلف المستويات وخلافاً للكثير من التكهنات.
من المتوقع أن يستمر الموسم الجاري حتى النصف الثاني من شهر مارس إذا لم تتساقط الثلوج مجدداً. أما في حال هبت موجات باردة وثلجية أخرى على لبنان فقد يمتد هذا الموسم إلى إبريل. وجدير ذكره أن موسم التزلج ينطلق عادة نهاية العام أو في النصف الثاني من يناير سنوياً، إلا أنه في الشتاء الجاري تأخر تساقط الثلوج.
وانطلق الموسم الشتوي السياحي في الأيام الأولى من فبراير، لكن إقلاعته كانت بزخم شديد، لاسيما في منطقة عيون السيمان والمزار في أعالي بلدة كفرذبيان، التي تعد من أهم مراكز التزلج في لبنان والمنطقة، وترتفع بين 1900 و2450 م عن سطح البحر وتضم 22 مصعداً و80 فسحة للتزلج، ويمكن لنحو 5000 متزلج أن يمارسوا هذه الرياضة الشتوية في أنحائها يومياً.
ومع انطلاقة الموسم الجاري أقبل المقيمون والمغتربون على أعالي كفردبيان بكثافة شديدة ومن دون انقطاع، وفي هذا الإطار يقول الناشط السياحي عقيقي لـ«كل الأسرة» إن السياحة الشتوية في أعالي كسروان، وتحديداً في عيون السيمان وكفردبيان والمزار، متنوعة وتلبي كل الحاجيات السياحية.
فالتزلج متاح للأفراد والعائلات والمجموعات من المدارس أو من سواها. وينقسم المتزلجون بين صغار وكبار وبين مبتدئين وهواة ومحترفين وبين راغبين في اللهو والتنزه والتدرب، حيث تقدم لهم مدارس متخصصة الاهتمام والتدريب اللازم مع مدربين محترفين.
وبين زوار عيون السيمان من يمضون ساعات ثم يغادرون، أو من ينزلون في الفنادق والشاليهات والمنازل المعدة للإيجار ويخططون لتمضية أيام عدة، سواء بالتزلج أم بالتنقل بين أرجاء الطبيعة الخلابة في أعالي كسروان ووسطها، وممارسة أنواع أخرى من السياحة الشتوية وارتياد مختلف أنواع المؤسسات السياحية في المنطقة.
ومن مظاهر التزلج في العيون كذلك قيادة الـ«سكيدو» سواء في أعالي كفردبيان ومحيطها أم بالتنقل إلى خارجها بحثاً عن مغامرات باتجاه أعالي القمم في كسروان وجبيل والبترون وصولاً إلى الأرز واهدن.
وعلى الرغم من الانهيار الشامل الذي يضرب لبنان وينذر بالأسوأ، قدم موسم التزلج نموذجاً حياً عن إرادة اللبنانيين في مواجهة القدر وتحدي الصعوبات كأنهم مستمرون بالإبحار عكس التيار. وفي هذا الصدد يوضح عقيقي أن الإشغال في الفنادق والشاليهات بلغ معدلاً مرتفعاً خصوصاً في العطل الأسبوعية، مؤكداً أن الموسم قد يكون قصيراً إلا أن الإقبال الكثيف أوجد توازناً يسمح بالقول إن النتيجة المتوقعة فوق الحد الأدنى المقبول والمعتاد للسياحة الشتوية عادة.
ويضيف عقيقي، أن أسعار تذاكر الدخول إلى مراكز التزلج واستئجار لوازم التزلج والأكل والشرب، في هذا الموسم، فاقت أسعار الموسم الماضي التي تعد باهظة جداً بالنسبة إلى مداخيل الأكثرية الساحقة من اللبنانيين وقدراتهم الشرائية. ومع ذلك، يلفت عقيقي إلى أن الآلاف قدموا يومياً خصوصاً في العطل الأسبوعية وبقي القديم على قدمه وإن كانت الظروف أكثر من كارثية.
وفي جولة لـ«كل الأسرة»، منذ أيام قليلة، على أعالي كفردبيان التي غطاها البساط الأبيض من فوق إلى تحت ومن يمينها إلى يسارها، كانت مراكز التزلج تعج بالأفراد والعائلات من كل الأعمار، منصرفين إلى التمتع بالطقس الجميل والطبيعة الخلابة والمنظر الممتع ونقاوة الثلج وبياضه.
وكان البعض يتدرب على التزلج والبعض الآخر ينزل من أعلى تلال المزار والعيون، فيما خارج هذه المراكز توزع الأفراد والعائلات والمجموعات من كل الأعمار والمناطق يلعبون على الثلج أو يتنزهون أو يتراشقون بالكرات البيض أو يرتشفون القهوة والنسكافيه والمشروبات الساخنة إلى جانب من بنوا رجل الثلج الشهير وفي أنفه جزرة!! وفي ساحة وردة، وهي الأوسع في أعالي عيون السيمان، لجأ بعض المتحمسين والمتمرسين بالقيادة إلى «التشفيط» بالدوران بسياراتهم أمام الجميع تعبيراً عن الزهو والفرح والغبطة.
الجميع داخل مراكز التزلج وخارجها موحدون بدوافع قدومهم إلى عيون السيمان وتمضية يوم أو أكثر فيها، فالثلج يريح النفوس وينسي الهموم، وينتشل المرء من الواقع اللبناني، على حد قول أحدهم، عبر شعور المتزلج من أعالي الجبال بالغبطة والسعادة والسيطرة على النفس. أما الذين افتقروا إلى الإمكانيات المادية للدخول إلى مراكز التزلج فقد فرحوا أيما فرح بوجودهم على البساط الأبيض وانتشارهم الكثيف أفراداً وجماعات.
في نهاية الجولة تقصد عقيقي، أن ينقل عن القيمين الفعليين على موسم التزلج ثقتهم بالقدرة على مواجهة الصعوبات والحفاظ على الريادة اللبنانية في مضمار سياحي واقتصادي وتراثي مترسخ في نفوس اللبنانيين ومعهم الأشقاء العرب والزوار الأجانب.
* بيروت: شانتال فخري