على الرغم من حسنات أكيدة، فإن التقدم الشاسع لتقنيات التواصل والسوشيال ميديا ضربت جوانب مهمة في حياتنا الثقافية والاجتماعية وعلى نحو مؤثر سلباً.
من بين هذه الآثار تحول العلاقة بين الناس إلى أرقام ولايكات بعدما كان التواصل سابقاً يتم عبر لقاءات أكثر دفئاً. خذوا وضع القراءة مثلاً، كيف يمكن لمؤلف أو لناشر أن ينسى حين كان الإبداع مسكوب على الورق وحده؟ الآن هو على الشاشة. من كان يستخدم أصابعه لكي يقلب الصفحات الثمينة وربما يكتب ملاحظاته أو يعود إلى بعض فصوله بيسر بات عليه الآن الضغط على أزرار لكي ينتقل من صفحة إلى أخرى. هل هي القراءة ذاتها والمتعة نفسها؟ بالقطع لا.
في السينما، هل مشاهدة فيلم على الشاشات الصغيرة، حيث يتم تقزيم كل شيء خير خلف الشاشة الكبيرة التي تعرض الفيلم كما يجب أن يرى؟ بالتأكيد لا.
زاد الطين بلة أن ما كان الناس يفعلونه في السر بات جهراً. وكل من لم يكن يفعل شيئاً في الأساس وجد لنفسه مساحة ليكتب عن نفسه وأفعاله، والعنوان الكبير هو «أنا مهم، إذا أنا موجود».
وفي عالم جديد يتألف مما سبق ذكره لا عجب أن تبلغ النرجسية مبلغاً عالياً بين الممثلين على الأخص. وفي مجتمعات لا تقرأ كثيراً وتفكر أقل، الممثلون في جلهم هم عنوان لمواهب تؤمن بالفن وأخرى تؤمن بالأنا.
للتفسير: هناك ممثلون يدخلون الشخصيات التي يمثلونها لدرجة الذوبان فيها. فريق ثان يدخل الشخصيات التي يؤدونها بشخصياتهم الخاصة. ثم هناك فريق ثالث يبقى نتوءاً مثل صفحات «بريل».
يعتبر الفريق الأول أن الغاية من التمثيل هي دخول الشخصية وترك الذات عند الباب، حتى في هذا التصنيف هناك فرق بين كيف كان يؤدي مارلون براندو أدواره وكيف كان لورنس أوليڤييه، مثلاً، يؤدي أدواره.
المجموعة التي يتكون منها الفريق الثاني كبيرة وتشمل الممثلين الذين لا يتغيرون كثيراً عندما ينتقلون من شخصية لأخرى في أفلامهم المختلفة. فريد شوقي هو فريد شوقي في معظم أفلامه. كذلك جون واين وبعدهما مئات من جميع الأعراق يفضلون البقاء ضمن شخصياتهم الخاصة حتى ولو كانت النتيجة نمطية.
مؤخراً برز الفريق الثالث المكون أساساً من التنميط ذاته الذي يصاحب أهل الفريق الثاني مع زيادة الجرعة على نحو ركيك. التمثيل في هذا الجانب يصبح وظيفياً. جاسون ستاثام في فيلمه الأخير «أوبراشن فورتشن» ليس فقط ذاته مع كل فيلم آخر له؛ بل يوعز بوضوح بأهمية الممثل فوق الدور.
ليس الأول ولا الوحيد. لدينا محمد رمضان وسواه حالياً، وهناك ڤن ديزل وبيت ميدلر وأرنولد شوارتزنيغر. هؤلاء وسواهم عديدون يستغلون حاجة الفيلم الذي يمثلون فيه إلى النجاح، بحيث يوافقون على أن يصبحوا هم عنصر الدعاية ولفت النظر. يستغلون رغبة الإنتاج في البيع الذي يطلب منهم تأدية الدور كوظيفة إعلانية.
ما يبرز على الشاشة هو نوع من التحذير يتداوله هذا النوع من الممثلين: «انتبهوا. أنا المهم في هذا الفيلم». تتحول القصة، تلقائياً، إلى مناسبات لإظهار هذا «الأنا» ويضع الإخراج في خدمة حضور الممثل كل ما يستطيع من تخصيصه من مشاهد ولقطات. حتى الحوار يصبح مباراة في العبارات القصيرة التي ينتظر منها إحداث رجة قبول بين المشاهدين.