29 مارس 2023

انعام كجه جي تكتب: اللعنة على الحرب لا المؤلفة

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

اللعنة على الحرب لا المؤلفة

منذ أيام ونسخة جديدة من «داحس والغبراء» مشتعلة على مواقع التواصل وصفحات الجرائد. حرب لا هوادة فيها، طرفاها العراقيون من خندق والكويتيون من الخندق المقابل. والسبب مسلسل رمضاني بعنوان «دفعة لندن»، فيه شخصية لشابة عراقية تشتغل خادمة في شقة طالبات كويتيات.

قامت القيامة وانتفخت الأوداج من الغضب وتم التشمير عن الأذرع وانطلقت الشتائم في حق مؤلفة المسلسل وهي كويتية/ سعودية. كيف تجرأت وجعلت من العراقية خادمة في لندن؟

فجأة خرج التاريخ من قمقمه مثل مارد أسود. واستعرض المدافعون عن الشرف العراقي كل أسماء العراقيات اللواتي برزن، على مستوى العالم، في حقول الطب والهندسة والأدب والموسيقى. تحولت ساحة «فيسبوك» إلى ميدان للردح والمباهاة. هؤلاء هن نساؤنا فمن أنت أيتها الكاتبة الجاهلة؟ كل ذلك بعد عرض الحلقة الأولى من المسلسل، وهناك من دخل الساحة من دون أن يشاهدها... على السماع.

والحق يقال إنني قرأت بعض الآراء والتعليقات القليلة المتعقلة، لكن أصوات أصحابها وصاحباتها ضاعت وسط المعمعة. إن العقل يتيه عندما يتعلق الأمر بشرف النساء. ولن أجادل هنا في قضية لا تقبل النقاش وهي أن العمل شرف مهما كان نوعه.

لا ألوم كاتبة المسلسل ولا فريق الإنتاج والإخراج. كما لا ألوم منتقديها وشاتميها. لكن قلبي يتوجع وأنا أتفرج على استعراض حي للأحقاد التي تزرعها الحروب بين دول متجاورة وشعوب متحابة. العراق والكويت مثل العين وجفنها. أواصر قديمة وسياحة وهجرات متبادلة وتزاوج طبيعي وعادات تتشابه في اللهجة والمطبخ والحماسة الوطنية.

في غفلة من الزمن وقع غزو أتى على الأخضر واليابس. خسر العراق ومثله خسرت الكويت. تزعزعت المنطقة كلها؛ بل والعالم. ذهبت الألفة وبقي النفط. وبرميل البترول ليس علبة أسبرين، وهو لا ينفع في تهدئة المواجع ولا في تعافي النفوس. هذه هي لعنة الحرب التي تسلب من الأخت شقيقها، ومن الزوجة حبيبها وسند بيتها، ومن الوالدة فلذة كبدها. وقد أصابتنا اللعنة في الصميم. كم جيلاً نحتاج لكي تذهب إلى زوايا النسيان؟

أي أسى أن يبدأ الشهر الكريم بالغل بدل الود، وبالهياج بدل تبادل التهاني والسلام؟ إن «دفعة لندن» مجرد بارومتر لقياس درجة التسامح. عشرون عاماً مضت والمغامرة السياسية ما زالت تجرجر أذيالها. أما العراقية فاتركوها لحالها ولهموم وطنها، لأنها لا تحتاج دفاعاً عن شرف هيهات أن ينثلم.