ما هو نفع النقد إذا لم يكن موجهاً إلى فئتين متلازمتين: أولئك الذين يصنعون الأفلام وأولئك الذين يقرأونه؟ النقد في أساسه هو البحث، ثم طرح النقاش، حول الفيلم المنتج. وهو يتوخى أن يستقبل ردات فعل الفئتين على نحو متساو.
لنقل إنك حققت فيلماً وقوبل هذا الفيلم بعدد كبير من الكتابات النقدية. لديك، بطبيعة الحال، نقاد أيدوا الفيلم وأعجبوا به (حتى ولو كانت لديهم ملاحظات) وآخرون لم يجدوا في الفيلم إلا بضع حسنات. هل أنت مستعد لتقرأ كل النقد أم ذلك الذي أعجب بالفيلم فقط؟ وإذا قرأت للجميع هل ستبحث معهم ما كتبه أولئك الذين كان لهم موقف سلبي من الفيلم؟
الغالب لا. معظم المخرجين والمنتجين لا يقرأون، وإن فعلوا فيحددون قراءاتهم مع تلك التي مع وليس تلك التي ضد. جزء كبير من عدم اكتراثهم للقراءة ناتج عن عدم الإيمان به والاعتقاد بأنهم ليسوا بحاجة إليه أصلاً. جزء أصغر، يكمن في أن أفلامهم الموجهة للجمهور العام لا تحتاج لمن ينقدها، وهذا نصف صحيح، فالناقد يوجه كلامه إلى جمهوره لعله يترك بينهم تأثيراً كافياً للتحذير من الفيلم أو الدعوة لتجنبه.
ما يتركه ذلك على صعيد النقد والناقد هو بناء سد بين كلماته وبين صانعي الأفلام. هو يكتب لكنهم يحجمون عن قراءة النقد. بالتالي، لن يكون هناك تقدم على صعيد الفن السينمائي، بل استمرار العمل بالمفاهيم (والأخطاء والحسنات ذاتها).
الهدف الثاني الوحيد الباقي هو الجمهور. حين يقرأ يتفاعل صمتاً أو جهراً وقد يطرح أسئلة ويناقش. يتوجه نقاشه إلى من كتب لكنه يشمل المخرج الذي آثر الابتعاد بنفسه.
هذا ما يفرض على الناقد (الناقد فعلاً) الاعتراف بأن تأثيره محدود بفئة من الجمهور. معظم الجمهور لا يقرأ نقد الأفلام لا عندنا ولا في بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة أو سواها. لكن نسبة القراء هم أعلى في الغرب مما هي في العالم العربي ولهذا أسباب عدة من أهمها أن السينما العربية فشلت في تأسيس نفسها على نحو يشكل ثقافة وكياناً رئيسيين في حياة الشعوب العربية. ويجب ألا نخلط بين من يقرأ الأخبار عن الأفلام وما توجه منها إلى المهرجانات وعن المخرجين الخ... وبين النقد.
ضمن هذا الوضع تبقى السينما في الأساس جماهيرية. صانعوها لا حاجة لهم بالنقد لأنهم حددوا الهدف وهو التوجه إلى الجمهور العريض، وهذا الجمهور العريض، كما ذكرت، غائب عن النقد ومقبل على الترفيه. على ذلك، ليس لدى الناقد خيار.. عليه أن يكتب عن هذه الأفلام الكبيرة وتلك الصغيرة أو المستقلة أو سواها. ما يكتبه عليه أن يكون بلورة لإيمانه بدوره ومحاولة تفعيل هذا الدور وليس حجبه أو الإقلال من شأنه عبر استخدام أدوات النشر (الفيسبوك على الأخص) في ما لا علاقة له بالنقد.