07 مايو 2023

فيلم Bardo, False Chronicle of a handful of Truths ..أفكار مزدحمة في بال مخرج مضطرب

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

فيلم Bardo, False Chronicle of a handful of Truths ..أفكار مزدحمة في بال مخرج مضطرب

المخرج أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، هو أحد ثلاثة مخرجين مكسيكيين شقوا طريقهم في هوليوود عبر أفلام ذات قيمة فنية، الآخران هما ألفونسو كوارون وغويلرمو دل تورو. تم عرض فيلمه الجديد أولاً في مهرجان ڤينسيا ثم جال بضع مهرجانات دولية أخرى قبل أن يتم ترشيحه لجوائز الأوسكار مؤخراً.

فيلم أليخاندرو غونزاليز إيناريتو الجديد مملوء بالتفاصيل البصرية المشبعة لمن يرغب في فيلم يتجاوز حدود المطروق من أساليب السرد. يجمع بين الترميز وبين الغموض والتجريد ويتجه سوريالياً صوب طرح مزيج من السيرة الفكرية أكثر مما هي سيرة حياة. بطله مخرج وصحافي آت من عمق شخصية مارشيللو ماستروياني في (Birdman‪، The Revenant)يحاول أن يرى الحياة بوضوح أكثر. يعترف إيناريتو بأن بطله (الذي هو) حقق ما أراده، وهو يتابع سعي المخرج- الصحافي سيلڤريو (دانيال جيمينز كاشو) لاستعادة هوية فقدها في مكان ما بين بلد المولد (المكسيك) وبين بلد عمله (هوليوود).

بعض تلك المشاهد التي يتوغل فيها غريبة لكن غرابتها مقصودة بذاتها. مثل أن زوجة المخرج في الفيلم (غريزلدا سيسلياني) تلد في المستشفى لكن الطبيب يقول لها إن طفلك يريد العودة إلى حيث جاء لأن العالم الذي ولد فيه لا يعجبه. كذلك المشهد الذي يبدأ به الفيلم (سيلڤريو راكض في الصحراء أمام كاميرا تلاحقه كلما اقتربت منه طار قدماً). يأتي هذان المشهدان في مطلع الفيلم لكن اختيارات المخرج إيناريتو تتوالى طوال فترة العرض سواء عبر مشاهد سوريالية أخرى أو بطروحات أقرب إلى الواقع.

لتلخيص حال الفيلم، هناك مشهد بعد الساعة الثانية من الفيلم يقول فيها سيلڤريو «النجاح كان أكبر فشل لي»، عبارة لابد أن إيناريتو كتبها ليصف وضعه لكن من دون أن يغوص كثيراً في الأسباب الدافعة لتبني هذا الاعتقاد. لإيناريتو حرية تحقيق العمل الذاتي كما يرى ويريد لكن بالمقارنة مع فيلم زميله المكسيكي كذلك ألفونسو كوارون فإن ذلك قدم سيرته بجماليات ناجحة ومن خلال قصة جادة ومفهومة معاً. ما يجب ألا يغيب عن البال هنا هو أن فيلم إيناريتو فيه من التفاصيل المهمة ما لا يمكن إحصاؤه، وتصوير داريوش خندجي لا ينفصل للحظة واحدة عن رؤى المخرج ومضامينه. لا تنازل في ذلك لا عند المخرج ولا عند مدير تصويره.

هناك كذلك مزج بين ما يقع أمام الشاشة وبين ما يقع في موجة أثيرية أخرى، مثل الحفل الراقص الذي نرى فيه سيلڤريو يرقص على لحن أغنية لداڤيد باوي لا يسمعها سواه لأن الموجودين يستمعون ويرقصون على أنغام موسيقا أخرى. هذا يعني أن سيلڤريو كان يستمع إلى أغنية في باله فقط ومن ناحية أخرى يعني أنه كان منفرداً بذاته حتى في حفل ما. أقرب إلى الانزواء بذاته ومختلفاً عن محيطه.

في المقابلة التلفزيونية يهاجمه المتحدث واصفاً إياه بالفشل والنرجسية وفاتحاً ملفات قديمة. لا يجد سيلڤريو الكلمات التي يستطيع بها رد التهم. ينتهي المشهد، كسواه، كخط هاتفي مقطوع يلغي ما قبله وما بعده. يعرض المخرج أكثر مما يوجه ويجيب وهذا يتركنا أمام فيلم فيه عناصر مفقودة الصلة لولا أن الشخصية المركزية هي واحدة. مع محاولة تقدير وفهم السبب الذي من أجله عمد إيناريتو لترك خيوط مفتوحة، إلا أن المشاهد قد يخرج من الفيلم وفي باله تلك الخيوط التي لم يحدد الفيلم المقصود منها أو حتى فحواها، مثل المشهد الذي نرى فيه الناس في أحد الشوارع تتساقط على الأرض من دون سبب واضح. حين يسأل سيلڤريو ما الذي يحدث لا يتلقى جواباً... كذلك نحن.