08 مايو 2023

د. عايدة العوضي: أهم تكريم في حياتي هو رضا مريضة سرطان الثدي عني بعد تماثلها للشفاء

محررة في مجلة كل الأسرة

د. عايدة العوضي: أهم تكريم في حياتي هو رضا مريضة سرطان الثدي عني بعد تماثلها للشفاء

تؤكد كثير من النماذج الناجحة تأثير التنشئة في رسم ملامح مستقبلها، فشغفها بدراسة الطب بدأ منذ نعومة أظافرها، حينما بدأت الجدة في حثها على أن تكون طبيبة تداوي المرضى وتكون لهم اليد الحانية للتخفيف من آلامهم، لتقرر هي أن تختار تخصص طب الأورام تحديداً لقلة الكادر الطبي من العنصر النسائي فيه. تعد أول طبيبة تلتحق وتتخرج في برنامج الزمالة و«البورد الأمريكي» لطب الأورام والدم في جامعة «تكساس أم دي اندرسون» بالولايات المتحدة الأمريكية.. هي الدكتورة عايدة محمد العوضي، استشاري طب الأورام في مستشفى توام بأبوظبي، التقيناها لنتعرف إلى طبيعة عملها وإسهاماتها في هذا المجال.

د. عايدة العوضي: أهم تكريم في حياتي هو رضا مريضة سرطان الثدي عني بعد تماثلها للشفاء

حصلت على الزمالة الأمريكية في الطب الباطني، إلا أنك تخصصت في طب الأورام، فما السبب وراء تلك النقلة؟

شغفي بدراسة الطب بدأ في سن مبكرة من حياتي، وقت أن كنت مرافقة لجدتي أثناء زيارتها للطبيب أو مكوثها في المستشفى، ولا أنسى ما كانت تكرره على مسامعي برغبتها في أن أكون طبيبة لما رأته في من خصال تؤهلني لذلك، ساعد ذلك على أن يتولد بداخلي رغبة في أن أحقق لها حلمها وأصبح طبيبة ناجحة، ومنذ التحاقي بكلية الطب حلمت في دراسة تخصص دقيق والتميز فيه كي أفيد المرضى في بلدي، ووجدت ضالتي في طب الأورام، ولعدم توفر هذا التخصص آنذاك، سعيت وبتشجيع من الأهل للذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتم قبولي في جامعة ماساتشوستس في برنامج خاص بالطب الباطني، ودرست لمدة 3 سنوات وكان ذلك طريقي للالتحاق بزمالة طب الأورام، وكان هذا إلزاماً علي لترابط التخصصين ببعضهما بعضاً.

هناك علاجات جديدة غيرت من البروتوكول العلاجي وقللت من العلاج بالكيماوي والإشعاعي

ما الذي جذبك لهذا التخصص تحديداً؟

كونه يختلف عن كثير من التخصصات، ففيه يكون الطبيب بجانب مرضاه في أصعب أوقات حياتهم، ليس هذا فحسب؛ بل وبجانب أهاليهم لمساندتهم ودعمهم طوال رحلة العلاج التي قد تأخذ وقتاً طويلاً، كما يستمر دوره كمتابع بعد انتهاء فترة العلاج والشفاء، هذا إضافة إلى التطور الكبير الذي حدث في هذا المجال، وأصبحت هناك علاجات جديدة غيرت من البروتوكول العلاجي للمرض، وأدت إلى ارتفاع نسب الشفاء مثل العلاجات الموجهة والمناعية والبيولوجية، وكلها ساعدت على التقليل من العلاج الكيماوي والإشعاعي، ولا أخفي سراً عندما أتحدث عن مدى الرضا الذي أشعر به في عيون مريضة بورم في الثدي وهي تتحدث إلى طبيبة وليس طبيباً.

د. عايدة العوضي: أهم تكريم في حياتي هو رضا مريضة سرطان الثدي عني بعد تماثلها للشفاء

هل هناك تفاصيل لمواقف إنسانية زادت من شغفك أكثر بطب الأورام؟

عندما كنت طالبة في السنة الرابعة وبدأنا التدريب الإكلينيكي في المستشفيات، وأخذت شهر تدريب إضافي في الصيف لتحسين مهاراتي، طلب منى الطبيب المشرف أن أرى حالة جديدة لامرأة في بداية الثلاثينات تعاني المرحلة الرابعة من سرطان الثدي وبدأت أتكلم معها عن رحلتها بالخارج، والتي أسفرت عن عدم جدوى العلاج المقدم لها وقرار الأطباء بوقفه وتحويلها إلى العناية التلطيفية، وهو ما دفعها إلى الرجوع للدولة لتكون وسط أهلها، وكم أثرت في تلك الحالة وقرأت عن مرضها في المراجع الطبية بهدف مساعدتها إلا أن القدر لم يمهلها الكثير، وتوفيت رحمها الله بعد أن دار بيني وبينها حديث قالت لي: كنت أتمنى أن أرى طبيبة أورام في منطقتي ذات خبرة، حتى ألجأ إليها ولا أذهب للخارج، والحقيقة أن هذا الموقف أثر في كثيراً وجعلني أرتبط بهذا التخصص.

خلال حفل التخرج من زمالة الأورام في الولايات المتحدة
خلال حفل التخرج من زمالة الأورام في الولايات المتحدة

تعدين أول طبيبة تلتحق وتتخرج في برنامج الزمالة و«البورد الأمريكي» لطب الأورام والدم، حدثينا عن رحلتك تلك وأوجه الاستفادة منها.

كانت رحلة شيقة وممتعة على الرغم من صعوبتها وتحدياتها، فقد وفقت للقبول في أفضل مركز للأورام في جامعة تكساس أم دي أندرسون كانسرسنتر بالولايات المتحدة الأمريكية، ويرجع الفضل بعد الله سبحانه وتعالى إلى حكومتنا الرشيدة التي مكنتني من الالتحاق ببرنامج الأطباء الإماراتيين المتميزين التابع لمؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية؛ إذ تدربت على أيدي أكبر الأساتذة والخبراء العالميين في علاج الأورام وتعلمت أحدث العلاجات المعتمدة والتجريبية والتقنيات الحديثة المستخدمة.

يعد سرطان الثدي من الأكثر شيوعاً، فهل يرجع ذلك إلى ارتباطه بجينات وراثية، أم هناك عوامل أخرى؟

دائماً أصادف حالات قلق تتملك أفراد الأسرة عندما تشخص إحدى فتياتها بسرطان الثدي، خوفاً من أن تكون باقي نساء العائلة عرضة للإصابة به أيضاً، لكن معظم الحالات تحدث لأسباب غير معروفة ولا تكون معظمها مرتبطة بطفرات في الجينات الوراثية والتي قد تكون بنسبة من 5 إلى 10% فقط، فهناك عوامل تزيد من خطورة الإصابة أهمها التقدم في العمر، والسمنة، وبداية الدورة في سن مبكرة، وانقطاعها في سن متأخرة، وإنجاب الطفل الأول في سن متأخرة أو عدم الإنجاب من الأساس، واستخدام العلاجات الهرمونية، بجانب التاريخ العائلي للمرض حتى وإن لم يكن هناك وجود للطفرات الوراثية.

قمنا بعمل دراسة تعد الأولى من نوعها في الإمارات عن سرطان الثدي لدى الرجال والذي بلغت نسبته 0.75%

ما زالت النظرة لسرطان الثدي باعتباره مقتصراً على النساء، فهل هناك نسبة إصابة معلنة خاصة بالرجال؟

سرطان الثدي ليس مقتصراً على النساء فقط، حيث للرجال نصيب أيضاً، لكن نسبة الإصابة لديهم نادرة جداً لا تتجاوز 1٪؜ من كل الحالات؛ إذ قمنا بعمل دراسة تعد الأولى من نوعها في الإمارات عن سرطان الثدي لدى الرجال وتوصلنا إلى أن نسبة الإصابة كانت 0.75% من كل حالات سرطان الثدي، التي خضعت للعلاج أو ترددت على مركزنا خلال الـ 20 سنة الماضية.

حضور لافت في أحد المؤتمرات الطبية
حضور لافت في أحد المؤتمرات الطبية

ما العمر الذي لابد أن تنتبه فيه المرأة لأي تغير يحدث في جسدها، وكيف تحمي نفسها من فرص التعرض للإصابة بالأورام؟

أنصح من عمر العشرين عاماً بالفحص الذاتي العام للثدي؛ إذ يساعد هذا على إدراك أي تغيير غير طبيعي يحدث سواء في اللون أو الحجم أو الملمس أو وجود تكتلات وغير ذلك، أما عن كيفية التقليل من خطر الإصابة فيكون بممارسة الرياضة المنتظمة، والمحافظة على الوزن الصحي، وتجنب الكحول، والرضاعة الطبيعية، والابتعاد عن الحبوب المحتوية على هرمونات الاستروجين والبروجسترون التي تستخدم للتخلص من أعراض سن اليأس، وبالنسبة لحاملات الطفرة الوراثية، هناك أمور أخرى ممكن اتباعها لتقليل التعرض للإصابة يجب استشارة الطبيب فيها.

هناك رهبة عند البعض من الحديث عن أورام الثدي، وهو ما قد يضيع عليهن فرص النجاة، فهل ما زلتم تعانون تلك المشكلة؟

المشكلة موجودة، لكن هناك تحسن واضح في نسبة زيارة الطبيب لفحص التغيرات وإقبال أكثر على الكشف المبكر من خلال الماموجرام، فجهود الدولة والمؤسسات الحكومية والخاصة والفردية حثيثة في تنظيم الحملات التوعوية المكثفة، وصارت النساء أكثر إقبالاً على الكشف المبكر، وبكل تأكيد، فإن كلمة سرطان ليست هي السبب الجذري للخوف فحسب، لكن تبعات المرض والخوف من المشكلات المرتبطة بالعلاج مثل استئصال الثدي الكامل والآثار الجانبية للأدوية واحتمالية عودة المرض بعد العلاج الكامل قد تكون أكثر فتكاً بالمريض، لكن دائماً ما أذكر بأن الكشف المبكر للورم يؤدي إلى علاجات أقل صعوبة ويقلل من التعرض للعلاجات الكيماوية الكثيفة واستئصال كامل للثدي.

أصبح لدينا أدوية حديثة تستخدم بفاعلية كبيرة وتسيطر على المرض, ويمكن لمريضة سرطان الثدي أن تعيش لفترة طويلة

دائماً ما ينظر للسرطان في المرحلة الرابعة بأنه صعب العلاج، في حين تصفيه بأن علاجه كالأمراض المزمنة، حدثينا عن تلك الطفرة في العلاجات؟

المرحلة الرابعة من سرطان الثدي ينتشر فيها المرض خارجه، فيصل إلى أعضاء مختلفة في الجسم مثل العظم، والكبد، والرئة، وغيرها، وهذه المرحلة لا توجد فيها علاجات شافية، ومع ذلك هناك أدوية تستخدم للسيطرة على المرض واحتوائه وتبطيء نموه، ما يؤدي إلى الحد من الأعراض وتحسين جودة الحياة، وبشكل عام، فإن المريضة تظل على علاجات طويلة مدى الحياة، ومع تطور العلم والدراسات أصبح لدينا أدوية حديثة هرمونية وموجهة وبيولوجية تستخدم بفاعلية كبيرة وتسيطر على المرض لمدة طويلة، ويمكن لصاحبته أن تعيش لفترة طويلة بالأخص في نوع سرطان الثدي الهرموني والإيجابي لبروتين الـHER2، فهناك من عالجتهن من المرحلة الرابعة وأكملن فوق خمس سنوات على نفس العلاج، فالأمل كبير والعلم يستمر في التطور وكل عام نسمع عن أدوية جديدة لعلاج مرض الثدي في المرحلة الرابعة اعتمدتها «إف دي أي».

د. عايدة العوضي: أهم تكريم في حياتي هو رضا مريضة سرطان الثدي عني بعد تماثلها للشفاء

ما أكثر اللحظات التي تحملين همها عند التأكد من إصابة إحدى المريضات؟

أنظر للمريضة كإنسانة يمكن أن تكون واحدة من أهلي أو معارفي، فأحاول من أول يوم لقائي بها تقديم الشرح المبسط لتفاصيل المرض وطرق العلاج حسب القدرة الاستيعابية لها، وغالباً ما أرى نظرات خوف وارتباك وهو شيء أحمل همه بكل تأكيد، إلا أنني أحاول أن أشجعها وأذكرها أن هناك من تعرضن لنفس التجربة وأصبحن من الناجيات، والحمد لله دائماً ما أرى ارتفاعاً ملحوظاً لمعنويات المريضات في الزيارة التي تليها وتكون لديهن العزيمة والاستعداد لمكافحة ومواجهة المرض، خاصة إذا وجدن الدعم من الأهل، وأكثر ما يزعجني عندما أرى مريضة وحيدة طوال رحلة علاجها، ودائماً ما أنصح مثل تلك الحالات بإخبار أسرها لتكون معها خلال خوض تلك التجربة.

تمر عليك كثير من المواقف الصعبة التي تستلزم ثبات الانفعال والقدرة على المواجهة، فما المقومات التي تساعدك على تجاوز ذلك؟

مع مرور الوقت وتعرضنا لكثير من الحالات نكتسب الخبرة التي تؤهلنا وتعلمنا كيفية إعطاء المريض المجال للتنفيس عن حالة الغضب والخوف التي يعتريه من مجرد الحديث عن مرضه، فنسعى بكل جهد لدينا للإنصات والاستماع لمخاوفه بصبر وثبات، كونهما عاملين مهمين لمعرفة سبب الموقف ومعالجته بطريقة فعالة.

هناك أسباب أدت إلى عزوف الإماراتيات عن التخصص في الأورام العلاجية

هناك قلة في عدد الطبيبات الإماراتيات في تخصص الأورام العلاجية، فهل ذلك لصعوبته أم هناك أسباب أخرى؟

هناك أسباب عدة للعزوف عن هذا التخصص، منها عدم القدرة على إدارة التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها مرضى السرطان؛ إذ يتطلب ذلك من الطبيب تدريباً مكثفاً وممارسة مستمرة، كما أن هناك من يرى فقط الجانب السلبي للتخصص ويعتبرونه مرهقاً نفسياً، وكلها أمور يمكن الاعتياد عليها وتجاوزها مع الوقت.

تكريم د. عادة العوضي من قبل جمعية الأورام الإماراتية في عام 2021
تكريم د. عادة العوضي من قبل جمعية الأورام الإماراتية في عام 2021

حصلت على عدة جوائز، هل لك أن تطلعينا على وقع هذه التكريمات عليك؟

تشرفت بالحصول على جائزة أفضل طبيبة أورام في الإمارات عام 2022 بعد أن تم انتخابي من جمعية الأورام الطبية، كما تم تكريمي كأفضل عضو في الجمعية وذلك تقديراً لنشاطي في إلقاء المحاضرات والتنسيق والمشاركة الفعالة في عام 2021، وحصلت على أفضل بحث لحالة أثناء تدريبي في الولايات المتحدة وتم اختياره ضمن 10 كأفضل أبحاث على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، كما تم تكريمي من قبل الكلية الأمريكية للأطباء في عام 2016، وكرمت أثناء برنامج الإقامة في الطب الباطني كأفضل طبيبة مقيمة في رعاية المرضى عام 2015، وأهم تكريم في حياتي هو رضا مريضة بسرطان الثدي عني بعد تماثلها للشفاء.

ما الإضافة التي تبحثين عنها في طب سرطان الثدي وهي حالياً غير متوفرة؟

قطعنا شوطاً كبيراً في توفير العلاجات والتقنيات، وهناك اهتمام خاص بالذكاء الاصطناعي في هذا المجال وسنراه أكثر في المستقبل، وأتمنى أن أرى الإمارات على خريطة الأبحاث السريرية والتجريبية في علاج الأورام بكافة مراحلها والتعاون مع مراكز الأورام الكبيرة عالمياً في مجال البحث العلمي، وحالياً أعمل على أبحاث كثيرة في مجال جينوم الأورام وتعاونت مع مؤسسات أكاديمية مختلفة في الدولة.

ما الذي تسعين دائماً للوصول إليه؟

أسعى دائماً لكسب ثقة المرضى وتقديم أفضل الخبرات العلاجية لهم، والتي تجنبهم السفر للخارج، فلدينا كافة الإمكانيات والخبرات التي تجعل الإمارات في الصدارة في المجال الطبي.