على الرغم من كل ما تحمله عملية استئصال الثدي للناجيات من السرطان من ألم، إلا أن فقدان الإحساس بهذا الجزء الذي يعتبر أبرز مقومات أنوثة المرأة وما يصاحبه من وجع نفسي جراء ما تتركه من آثار وندبات هو من أصعب ما يمكن أن تواجهه الناجية من المرض، رغم أنه يجعل من خيار عمليات التجميل باختلاف أنواعها المنفذ الذي يمكن أن يعيد للمرأة إحساسها بالأنوثة والثقة بالنفس.
وتزامناً مع شهر أكتوبر، شهر التوعية من سرطان الثدي ، سلطت «كل الأسرة» الضوء على عمليات الثدي التجميلية والتقت عدداً من الأخصائيين في مجال التجميل والجراحة العامة وطب الأورام وعلم النفس للتعرف إلى أنواع عمليات تجميل الثدي والوقت المناسب لإجرائها.
كانت البداية مع الناجية الأربعينية «أم خالد» التي أخذ منها قرار ترميم الثدي وقتاً طويلاً للتفكير، تقول «على الرغم من مرور وقت طويل على إجراء عملية الاستئصال إلا أن إحساس الألم بفقدان جزء من جسدي وعدم تقبل المظهر الجديد مشاعر لازمتني باستمرار، حتى أني انقطعت عن التواصل مع العالم الخارجي واخترت العزلة خوفاً من نظرة الاستغراب والعطف والشفقة. وبعد مرور أربعة أعوام من التفكير والبحث عن أنواع عمليات التجميل وآثارها قررت اتخاذ الخطوة رغم مخاوف احتمالية عودة انتشار الورم وتكلفتها الباهظة، وبتشجيع من زوجي والأهل أجريت العملية برفع جزء من عضلة الفخذ وربط الأنسجة والأوردة التي أعادت لي الإحساس بالمنطقة والشعور بالراحة والثقة بالنفس مرة أخرى».
أهمية عمليات ترميم الثدي للناجيات
يبين الدكتور رمزي معماري، أخصائي الجراحة التجميلية، أهمية عمليات الترميم «تعد عملية تجميل الثدي من الجراحات التي تلجأ لها نسبة غير قليلة من النساء، حيث تتيح عملية بناء الثدي فرصة للحصول على أفضل نتائج ممكنة عن الشكل المناسب الذي يعد من أوليات المريضة، بينما يحجم عنها البعض خوفاً من مضاعفات مستقبلية نتيجة تطور الورم».
إجراءات ما قبل الترميم
تستلزم عملية الترميم جملة من الإجراءات التي يجب أن تتم بين المريضة والطبيب، يوضحها د. معماري «على الطبيب الأخذ بالاعتبار طريقة الترميم التي تفضلها المريضة وتلبي طموحها وذلك بعد الانتهاء من عملية الاستئصال الكلي أو الجزئي واستكمال جميع العلاجات المطلوبة».
أنواع جراحات الثدي الترميمية
ويشرح د. معماري «جراحات الثدي الترميمية هي نوعان، منها جراحة ترميم الثدي بالأنسجة الذاتية وهو الخيار الأكثر قبولاً لدى المريضات بسبب استخدامه أنسجة يتم استئصالها من جزء آخر من جسم المريضة ليتم بها إعادة تشكيل الثدي الجديد، بينما تعتمد الطريقة الثانية على ترميم الثدي باستخدام حشوات سليكونية وهو إجراء مطول يحتاج لأكثر من عملية قبل التمكن من الوصول للنتيجة المرغوبة».
العلاقة بين الحالة النفسية لمريضة سرطان الثدي ونوع عملية الترميم
يتحدث الدكتور سدير الراوي، مدير قسم الجراحة والأورام السرطانية في مستشفيات برجيل، عن تأثير الحالة النفسية لمريضة سرطان الثدي على اختيارها لنوع عملية الترميم، موضحاً مزاياها المختلفة «تمتاز عملية الترميم الموضعي المستخدمة في استئصال الأورام الجزئية «غدة وحيدة» بتحوير الثدي ليصبح مشابهاً للثدي الآخر وعدم ترك آثار وندوب أو تغيير في الشكل الذي يمكن أن يتسبب في ألم نفسي ناجم عن فقدان المريضة لجزء من الجسم ويمنحها قناعة نفسية وتقبلاً للتغيير وسرعة مغادرة المستشفى باستخدام جزء من الأنسجة الجانبية لسد الثغرة الناجمة عن عملية الاستئصال.
أما في حال تجريد الغدد اللمفاوية ورفع الثدي بالكامل يكون الترميم إما بشكل مباشر باستخدام السليكون بعد تحديد القياسات قبل إجراء عملية الاستئصال واستخدام الشبكة أو بعد الانتهاء من جميع العلاجات التي تتبع العملية»، يوضح «يشكل عدم تناسق الثدي وبقاء جلد زائد من أكبر التحديات التي تواجه المريضة وتفضيلها عملية الترميم التام بنقل نسيج جلدي من مناطق محددة، وفي حالات قليلة جداً تستخدم أجزاء من عضلات البطن أو الفخذ في عملية ترميم الثدي حيث يتم ربط الأوردة ليتم تغذية الثدي وإعادة إحيائه من جديد».
يكشف د. الراوي عن أسباب عدم رضى بعض مريضات أورام الثدي عن النتائج «إن عملية رفع الثدي واستبداله بالحشوة أو الثدي الصناعي يضعف أو يفقد المنطقة الإحساس، والترميم باستخدام نسيج أو عضلة يمنحها بعض الأحاسيس لكنها بالتأكيد لا يمكن أن تعود لسابق عهدها».
من جانبه، يبين الدكتور محمد البسيوني، أخصائي طب وجراحة الأورام، أهمية تكامل أدوار العلاج لمريضات سرطان الثدي للوصول إلى أفضل النتائج، حيث تشير جميع الأبحاث إلى أن 90% من أورام الثدي بحاجة إلى علاج يسبق عملية استئصال الثدي «لا شك أن العلاج الجراحي بأنواعه، الكيميائي والمناعي أو الموجه، له فوائد كثيرة في عملية الاستئصال والترميم، حيث يمكن أن تغني العلاجات عن استئصال الثدي بالكامل وذلك بعد إجراء الاختبارات الحية على الأنسجة للكشف عن مدى درجة تقبل الورم للعلاج ومدى استجابته، وبالتالي يمكن تحديد عملية الاستئصال إما أن يكون بشكل جزئي أو كلي مما يسهل العملية».
الوقت المناسب لإجراء عملية ترميم الثدي
وعن الوقت المناسب لإجراء عملية الترميم، يشير د. البسيوني «يمكن الخضوع لعملية الترميم بعد إجراء جراحة استئصال الثدي بستة أشهر، وهو الإجراء الأكثر عملاً به، أو يمكن إجراء عملية الاستئصال والترميم معاً في نفس الوقت، وفي جميع الحالات هناك عدة عوامل من المهم الأخذ بها بعين الاعتبار قبل اتخاذ قرار الترميم، من بينها مدى تطور الورم والعلاجات اللاحقة والوضع الصحي العام للمريضة وقدرتها على تجاوز الألم والتعافـي وحجم الثدي، وخاصة ما إذا كانت عملية الترميم ستجرى على ثدي واحد أو كليهما»
*ينوه البسيوني «في حالة استمرار العلاج الكيميائي أو الإشعاعي بعد الخضوع لعملية استئصال الثدي نتيجة وجود ورم، لا يمكن القيام بعملية الترميم ويصبح الانتظار حتى الشفاء الكامل من الورم أمراً ضرورياً في هذه الحالات».