كل زمن ولى هو زمن جميل بالنسبة للناس عموماً. في الستينات وأنا فتى كنت أسمع والديّ يشيدان بالأربعينات. وأكاد أجزم أني سمعت جدتي (رحمهم الله جميعاً) وهي تتذكر الماضي بحنان كبير وتقول كيف كان العالم أفضل حالاً والناس أحلى خلقاً.
وعن والدتي: «كانت هناك حروب ووالداي عاشا مرارة الحرب لكن الناس كانت أكثر ألفة وصدقاً مما هي عليه اليوم».
في التسعينات بدأ التقدير الكبير لما كانت عليه السينما في عصرها الذهبي (الخمسينات والستينات والسبعينات). الآن يتحدثون عن تلك الآونة بتقدير كبير وبعضهم يعتبر أن الثمانينات كذلك كانت جزءاً من الزمن الجميل.
فهل كل ماض جميل؟ هل سينظر أبناء جيل المستقبل إلى أيامنا هذه على أساس إنها «كانت أياماً جميلة؟» بينما نحن نجدها ملأى بالمصاعب والأزمات والحروب؟ ربما.
واحدة من المشاكل التي يختلف عليها الأحياء اليوم هي تقييم المنجزات التقنية الحديثة. هناك من يراها تقدماً حضارياً هائلاً يستدعي الاحتفاء به، وآخرون يرونه نقمة لابد منها. ككل شيء آخر في الحياة هناك ما هو سلبي وما هو إيجابي.
يجادل البعض بأن التقنيات الحديثة صنعت لخدمة الإنسان وأن هذه الخدمة تشمل عشرات المجالات ومئات السبل والأنواع والطرق. وهناك ألوف وبل مئات الألوف من الوسائط التقنية الحديثة التي تجعل عالمنا أكثر قدرة على التواصل وتمنحه أبعاداً متوالية من الخيال والقدرات غير المطروقة من قبل.
في عملنا الصحافي نعيش هذه النعمة. قبل أربعين وثلاثين سنة كنا لا نزال نستخدم الخدمات البريدية. ثم صار بالإمكان إرسال المواد عبر الفاكس بينما بقي إرسال الصور من نصيب البريد العادي. ثم دخلنا عصر الإلكترونيات الحديثة وصار بالإمكان أن تكون متواجداً في مقهى جزيرة دانغار في إندونيسيا (أحد أصغر الجزر في العالم) وتضغط على الزر فيصل مقالك والصور المصاحبة له إلى حيث تريد قبل أن تمد يدك الأخرى صوب فنجان الشاي.
لكن بالطبع هناك انتكاسات كبيرة حيال كل هذا التقدم. القائمة بدورها كبيرة وفي المقدمة النشاطات الثقافية ذاتها. في السينما مثلاً بات وجود نوادي السينما عملية محدودة تبحث عن مواقعها بالمكبر. انحسر الاهتمام السابق بالصالات التي كانت تعرض أفلاماً غير أميركية أو غير تجارية. النقد السينمائي انتشر شرقاً وغرباً لكنه تحول إلى انعكاسات فردية وآراء ووجهات نظر.
في الستينات كانت هناك عشرات المجلات السينمائية في كل بلد يصنع أفلاماً. فرنسا وحدها كانت تحفل بنحو 30 مجلة. بريطانيا كانت تصدر 12 مجلة شهرية ودورية. الولايات المتحدة كانت تطبع قرابة 20 مجلة شهرية وعدد من الدوريات. كندا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وروسيا واليونان وألمانيا (الشرقية والغربية) كان لديها الكثير من المجلات السينمائية أيضاً.
انحسر كل شيء أو معظمه. قليل ما زال واقفاً على قدميه يجهد في سبيل البقاء على ظهر الواقع. غالبية المجلات توقفت تماماً. بعضها تحول إلى الإنترنت من دون التوقف عن النشر. نعم هو عالم متغير. التكنولوجيا لها حسناتها ومساوؤها أيضاً.