31 مايو 2023

محمد رضا يكتب: سينما عربية بدعم دولها

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رضا يكتب: سينما عربية بدعم دولها

شهد مهرجان «كان» عجقة غير عادية خلال أيامه الإحدى عشر الماضية. السبب هو حضور سعودي قوي عبر مؤسسات وهيئات السينما والإنتاج في المملكة استوطنت مركزاً تجارياً كبيراً في قرية المهرجان (حيث تصطف المراكز والمنصات الدولية) وأقامت فيه نشاطاتها.

من عروض أفلام إلى ندوات ومن بحث وطرح مشاريع مشتركة إلى مؤتمرات وتبادل زيارات، شملت تلك المؤسسات النشطة في المملكة والتي من بينها «هيئة الأفلام» و«مهرجان البحر الأحمر» و«مركز إثراء» من بين أخرى.

أحد تلك النشاطات قيام مؤسسة «الملك عبدالعزيز العالمي للثقافة» المعروف باسم «إثراء» بتوجيه الدعوة لكل الجهات العربية والدولية للتقدم بطلب منح إنتاجية تمولها «إثراء» في تسويق يخدم مصلحة المنتجين وصانعي السينما، كما يؤكد حضور السعودية كموقع متميز جغرافياً كما إنتاجياً يمد يده للتعاون عالمياً.

يشمل العرض الذي أشاع ارتياحاً وبهجة بين أطراف عديدين استعداد المؤسسة لتمويل خمسة مشاريع سنوياً. ويتوخى تأكيد دور السعودية ومؤسساتها في تنمية العمل السينمائي لا في داخل المملكة فقط بل كموقع ثابت تستطيع شركات السينما العالمية التوجه إليه لطرح المشاريع التي تبحث عن تمويل أو دعم لها.

وكانت أجهزة المملكة الرسمية المتمثلة بـ «هيئة الأفلام» أعلنت، خلال الأيام الأولى من المهرجان، عن اعتماد منح تصل إلى 40 بالمئة من ميزانية كل فيلم غير سعودي يتم تصويره في المملكة.. طريقة التنفيذ بسيطة وواضحة: يستطيع المنتج استرداد 40 بالمئة من ميزانيته إذا ما صور فيلمه في المملكة.

ليس أن نظام «الإسترداد» (The Rebate) ليس منتشراً اليوم في بلاد آسيوية وأوروبية وفي ولايات معينة من الولايات المتحدة الأميركية، لكن النسبة التي توفرها السعودية لقاء تصوير أفلام غير سعودية في البلاد هي الأعلى (تتراوح النسب الأخرى ما بين 25 و35 بالمئة).

أنقل هذه الصورة من زاوية أن النشاط السينمائي الصحيح والأكبر تأثيرا يقع حالياً في المملكة بينما تتراجع المؤسسات العربية الأخرى عن تلبية الحاجة التي من أجلها تم إنشاؤها في الأصل.

في الماضي تم تأسيس مؤسسات سينمائية في مصر والعراق وسوريا للنهوض بصناعة السينما خلال الستينات والسبعينات. التجربة الأكثر ازدهاراً كانت تلك المصرية بسبب الخبرة وتكادس المواهب وديناميكية العمل. لكن في حين التزمت المؤسسة العامة في سوريا بإنتاجات محدودة قامت المؤسسة العراقية (اسمها الكامل «مؤسسة المسرح والسينما») بفرض توجه سياسي ولو أنها في الوقت ذاته حاولت جهدها التقدم في هذا المضمار.

كنت ذكرت سابقاً أن فشل مؤسسات الأمس لا يعني إنها ليست ضرورية. على العكس، الدعم الحكومي هو الوحيد الذي يمكن له أن يجعل كل عاصمة عربية تفوح بالإنتاجات شرط أن يتولاها أصحاب الخبرة وليس أصحاب الشللية والمصالح الذاتية. لعل وعسى...