05 يوليو 2023

إنعام كجه جي تكتب: عالم مجنون بالعنف

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

الطفل فارس
الطفل فارس

إذا أردنا أن نضع عنواناً لشهر حزيران (يونيو) 2023 في فرنسا فيمكن، بكل صدق، وصفه بأنه شهر تعنيف الطفولة. وهو عنف مجاني لا يستثني ذوي الاحتياجات الخاصة، كأن هناك براميلاً من الغل في نفوس أفراد مرضى، من أعمار مختلفة، لا يجدون وسيلة لتفريغها سوى على رؤوس الأبرياء.

تبحث الشرطة الفرنسية عن زوج قتل زوجته تحت أعين أطفاله الأربعة وترك الثلاثة الصغار في البيت مع القتيلة. هرب وأخذ معه البنت الكبرى التي ولدت من زواج سابق. اسمها ملك، وصورتها وصورة أبيها في كل نشرات الأخبار وعلى جدران المقاهي. وهناك حملة وطنية للعثور عليها سالمة وتخليصها من براثن أب مجرم. والإعلان يقول محذراً: «إذا رأيت الطفلة في مكان عام أو صادفت من تشتبه في أنه أبوها فلا تحاول التدخل لإنقاذها. الرجل مسلح. اتصل بالشرطة وحدد المكان».

تأتي الحادثة بعد يوم من استقبال بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي، لأهالي طفلة تعرضت للتنمر في المدرسة بحيث إنها وضعت حداً لحياتها. وبعد موت الطفلة استلم المتنمرون رفيقتها وراحوا يهددونها. أما المدير فلم يتدخل لأنه، حسب قوله، ليس مسؤولاً عما يحدث خارج المدرسة.

كنزو طفل مصاب بسرطان في الدماغ. تعرض قبل أيام لهجوم أثناء مباراة لكرة القدم بين مرسيليا، فريقه المفضل، وبين فريق كورسيكا. وتعاطفاً مع كنزو الذي ترك المرض آثاره على وجهه، وجه لاعبو مرسيليا دعوة مجانية له ولوالديه لحضور مباراة في مدينة أجاكسيو، في كورسيكا، والجلوس في منصة الشرف وأهدوه قميص الفريق. وحال انتهاء المباراة هجم عدد من مشجعي كورسيكا على المنصة وأوقعوا الطفل أرضاً ونزعوا قميصه وأحرقوه وضربوا والده وبصقوا على لفائف الطعام التي أعدتها أمه.

اعتذر عمدة مدينة أجاكسيو. لكن ماذا يفيد الاعتذار بعد الصدمة النفسية المروعة؟

وقبل كنزو نال الطفل فارس نصيبه من الضرب والتنمر في المدرسة. كان هدفا لمجموعة من قليلي التربية، يلحقون به إلى دورة المياه ويوسعونه لكمات. وفي إحدى المرات تلقى ضربة على العين وكاد يفقد بصره.

كل يوم تطلع الصحف بحكاية جديدة. وجاء في استطلاع للرأي أن 70 ألف طفل يتعرضون للتنمر في المدارس الفرنسية. من أين يتعلم الصغار العنف؟ في السابق كنا نقول من أفلام الجريمة في التلفزيون. واليوم صار العالم كله من حولنا شاشة مجنونة. نزاعات تنحر فيها الرؤوس وحروب تقصف الجسور وتغرق القرى وتنسف بيوت الآمنين وترسل طائرات مسيرة لتقوم بالمهمات القذرة.

وأنا أكتب هذه الكلمات ورد خبر على الشاشة يقول إن رجلاً هاجم بالسكين أطفالاً في حديقة عامة بمدينة آنسي السياحية الفرنسية، منهم أربعة بين الحياة والموت. سترك يا رب!