لمن لا يعرفه، حسن فتحي هو معماري مصري مبدع ولد في الإسكندرية عام 1900 وتوفي عام 1989. انطلق إلى العالمية في منتصف القرن الماضي بفضل براعته المذهلة في إيجاد نقطة التقاء بين فن العمارة والجذور الثقافية واحترام البيئة. وهو مؤسس نظرية «عمارة الفقراء» التي اعتمدت استخدام الموارد الطبيعية المحلية المتاحة في بناء منازل مستدامة، وذلك قبل تطور فكرة الاستدامة التي نعرفها الآن بعقود طويلة، ولذلك كان يعتبر سابقاً لعصره بأشواط.
ومن ضمن القصور التي بناها حسن فتحي في الخارج هو قصر «ألفا بيانكا» في جزيرة مايوركا بإسبانيا، وهو أحد القصور رائعة الجمال ذات التصميم المستوحى من الثقافتين الأندلسية والعربية.
بني القصر عام 1979 على مساحة 50 فداناً
قام المهندس حسن فتحي بتصميم وبناء قصر «ألفا بيانكا» بطلب من الزوجين «يانيك فو» و«بن إياكوبر»، اللذين كانا فنانين يتخصصان في الرسم والنحت، وكانا يرغبان في بناء منزل لهما في جزيرة مايوركا على الساحل الشرقي لإسبانيا على الطراز المغربي، وتحديداً قصور مدينة الرباط. وبالفعل، تم بناء القصر وفقاً لرغبتهما عام 1979 على مساحة 50 فداناً، باستخدام الطوب والخشب كعناصر أساسية في البناء.
تم اعتماد الطراز المغربي الأندلسي في تصميم القصر
لقرون عديدة، توقف تصميم مثل هذا الطراز من القصور في العالم العربي، ولكنه كان منتشراً في إسبانيا بسبب تأثير الثقافة المغربية، خاصة في مايوركا وفي شمال إفريقيا. وكانت فكرة مالكي المنزل تعتمد على وجود شرفة مستطيلة أمام المنزل يتم بناؤها على مستويات أرضية متدرجة مختلفة لتحقيق تأثير العمارة المغربية. وقد نفذ فتحي التصميم الداخلي للمنزل وفقاً لاختلاف مساحات المعيشة ووظائفها، وقام بتصميم الشكل الخارجي للقصر محققاً شكلاً جمالياً رائعاً بفضل تباين ارتفاعات الأسقف.
وعلى الرغم من أن التصميم الأصلي قد خضع لبعض التغييرات أثناء عملية البناء، إلا أن المبادئ الرئيسية لتصميم حسن فتحي لم تتغير. ولا يزال قصر «ألفا بيانكا» حتى الآن مثالاً مميزاً على براعة فتحي في موازنة عناصر التصميم والبناء المختلفة، وقدرته المذهلة على تطبيق نوع من التصاميم لا يتوافق إلا مع القصور الضخمة على قصر صغير الحجم.
المشربية العربية جزء أساسي في التصميم
قام حسن فتحي بتوظيف المشربية العربية على نطاق واسع في قصر «ألفا بيانكا»، فجميع الغرف تطل على الفناء الداخلي من خلال مشربيات خشبية واسعة، أما النوافذ الخارجية فكانت صغيرة نسبياً وتتسم بتصميم أندلسي يدخل فيه الخشب كعنصر أساسي. وهنالك أيضاً عدة عناصر أخرى مستوحاة من الطراز العربي، مثل الأبواب الخشبية والأسقف المزخرفة بزخارف عربية والقباب الخارجية للقصر.
تفاصيل خاصة بتصميم القصر
يتكون القصر من طابقين، وينقسم الطابق الأرضي إلى جزأين يصل بينهما رواق طويل ويطلان على فناء كبير تبلغ مساحته 425 متراً مربعاً. ويضم الطابق الأرضي حديقة رائعة لا تزال محتفظة بنباتاتها، ومسبحاً مستطيلاً تحيط به نافورتين جميلتين. أما الطابق الأول فيضم غرف النوم ومنطقة المعيشة وغرفة مكتب تحتوي على مكتبة عملاقة، بالإضافة إلى غرفة استقبال ضخمة على الطراز المغربي، ومطبخ كبير على مقربة من غرفة الطعام وكلاهما يطل على الفناء الداخلي للقصر. كما توجد بالطابق الأول شرفة كبيرة تطل على الفناء تم تزيينها بدرابزين خشبي رائع.
الفصل الأخير في حياة المبدع حسن فتحي
تمثل حقبة الثمانينيات الفصل الأخير في حياة المهندس المبدع حسن فتحي ومسيرته المهنية الطويلة التي نجح فيها في بناء الكثير من المنازل والمباني والقصور ذات التصاميم المعمارية الاستثنائية المستوحاة من تراث العصرين المملوكي والعثماني والعمارة الريفية النوبية.
كما نجح فتحي نجاحاً باهراً في توظيف رؤيته الشخصية وخبرته الطويلة في خدمة صناعة البناء بأسلوب معاصر يراعي البعد البيئي والثقافي والاجتماعي للسكان. وقد حصد فتحي العديد من الجوائز الكبرى اعترافاً بمساهمته في إحياء العمارة الإسلامية والعربية وخدمة مجتمعه من خلال تنفيذ مشاريع إسكان لمحدودي الدخل.
جدير بالذكر أنه قد تم تحويل قصر «ألفا بيانكا» إلى متحف للفن في الوقت الحالي، كما تمت إضافة مساحة إضافية إلى قاعات العرض تم بناؤها تحت الأرض احتراماً لتصميم المبنى الأصلي وعدم التأثير فيه.