30 يوليو 2023

محمد رضا يكتب: علاقة متوترة بين اثنين

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رضا يكتب: علاقة متوترة بين اثنين

العلاقة بين الناقد والمخرج العربيين لم تكن في أي من فصول تاريخها أقل حرارة مما هي الآن. كل منهما يعيش فوق سحابة رقيقة معتقداً أنها باقية ومحفوظة. كل منهما يتوجه بعيداً عن الآخر. الأول يعتبر أنه يستطيع التأثير على المخرج، والثاني يمارس سياسة التجاهل التام.

ليس بالطبع كل النقاد وكل المخرجين، لكن على المستوى العام يكاد الوضع يخرج عن المألوف. والمألوف سابقاً كان اكتراث كل منهما للآخر. النقاد صوب مستقبل المخرجين والمخرجون صوب آراء النقاد بأفلامهم.

المشهد ما زال ماثلاً في خيالي: مخرجون يجلسون مع نقاد لمعرفة آرائهم في الفيلم. وبل نقاد يحملون مقالاتهم المنشورة لمعرفة رأي المخرجين بها. شخصياً كثيراً ما اعترض طريقي مخرجون يريدون معرفة رأيي بالفيلم، وافقوا عليه أو لم يوافقوا. هذا بات من ظلال الماضي.

هناك عدد كبير من المخرجين الذين لا يريدون للناقد مشاهدة أفلامهم. المتطوعون الذين يبعثون للناقد بوسيلة لمشاهدة الفيلم قليلون، والغالبية في المقابل تعتقد أن دور الناقد ليس مهماً وإنهم يفهمون شغلهم أكثر مما يفهمه الناقد، علماً بأن هذا ليس صحيحاً لا على نحو دائم ولا على نحو شامل.

هناك نظرة متعالية من قبل المخرجين صوب النقاد على أساس أنهم مثل الأعشاب التي تنمو على الجدران. قد تعلو لكنها ما زالت أعشاباً. بعض النقاد يبادلون المخرجين هذا الشعور. بالنسبة لهم المخرجون متعالون ومعظمهم فاشل.

وهناك الشللية، يرتاح المخرج لمجموعة قليلة من النقاد (الجيدين منهم والمتطفلين) لأنهم مرتبطون معه بحلقة واحدة، «سأبعث لك اللينك لتشاهده بشرط عدم الكتابة عنه إذا لم ينل إعجابك». وهناك من يرضى بذلك فيغدق على الفيلم آيات إعجابه حتى وإن ارتأى، في قرارة نفسه، غير ذلك.

بحث الناقد عن فيلم عربي لمشاهدته مسألة صعبة تتطلب علاقات عادة مقطوعة وثقة غالباً مفقودة.

مهرجانات السينما العربية لا تستطيع أن تفيد الناقد الذي لا يحضرها. هناك، وهذا مفهوم ومقبول، حقوق توزيع وملكية على المهرجان الموافقة عليها وعدم تسريب الفيلم إلى أحد.

بالنسبة للناقد الذي يستحق اللقب، فإنه من غير المقبول لديه لا التوسل من المخرج لكي يشاهد فيلمه ولا التسول عبر اتصالاته وقنواته. ما يعني أن معظم ما سيكتب عنه سيبقى مناطاً بالأفلام التي يشاهدها في صالات السينما أو عبر اشتراكاته في بعض المنصات مدفوعة الثمن.

الحال هذه، لابد أن يشد الرحال إلى المهرجانات العربية كلها ليؤلف ذخيرة عربية لنفسه ولكي يلبي طلب الجمهور الذي من حقه أن يقرأ عنها ما يكتبه ناقده المفضل.

كان الحلم السابق هو بناء جسر من الثقة بين صانعي الأفلام وبين النقاد، لكن هذا لم يتم ولا يبدو أنه سيتم. الناقد تمر عليه تجارب أكثر ويشاهد أفلاماً أكثر ويستوعب العمل على نحو أفضل. وحقيقة الأمر أن المخرج يحتاج إلى النقد ليتأكد من خطواته.

في شتى الأحوال، قلما يستلم الناقد كلمة شكر من المخرج إذا ما كتب عن فيلمه إيجاباً، وكثيراً ما يستلم جام غضبه إذا كتب سلباً. الناقد لا يكتب لكي يتقرب أو يشكر، لكنه بالتأكيد كذلك لا يكتب ليكسب عداوة.