شهد العالم أجمع مؤخرا وقوع الرئيس الأمريكي جون بايدن على أرض المنصة حين جاء يحتفل بدفعة جديدة من خريجي المدرسة العسكرية. السينما قد لا تكون بعيدة إلا ببضع سنوات عن تصوير فيلم يقوم ببطولته أحد ممثليها المناسبين عمراً. كل ما في الأمر هو الانتظار لما بعد نهاية ولايته كما جرت العادة مع رؤساء سابقين.
فيلمان من ايستوود عن الرئيس الأمريكي
في الواقع تتشعب المواضيع التي تدور حول البيت الأبيض أو الرئيس الأمريكي إلى ما لا نهاية ويمكن النظر إليها من زوايا عديدة. هي أفلام سياسية وإنتاجات فنية واستعراضات شخصية وتاريخية، وقبل وبعد كل شيء هي أعمال عن شخصيات حقيقية وإذا لم تسهم الشخصيات الحقيقية في طرح مواضيع الرئاسة وخفايا البيت الأبيض فلم لا يتم اللجوء إلى الخيال بعيداً عن الالتزام بالشخصيات الواقعية أو السير الذاتية؟
على سبيل المثال، لم يضطر رئيس جمهورية أمريكي فعلي لاستخدام مهارات قتالية (إذا ما وجدت) في الأجواء بعدما تسلل إلى طائرته الخاصة فريق من الأشرار. هوليوود وفرت هذا الاحتمال في Air Force One الذي أخرجه الألماني وولفغانغ بيترسون سنة 1997.
كذلك لم يرتكب رئيس جمهورية جريمة قتل من دون عمد يكتشفها لص جاء يسرق مخدعه كما حال فيلم «سلطة مطلقة» (Absolute Power) الذي قام ببطولته وإخراجه، في العام نفسه، كلينت ايستوود ذاته. جين هاكمن في هذا الفيلم كان الرئيس الذي تسبب في خنق ضحيته ويحاول الآن ستر أفعاله طالباً من أقرب الرجال إليه إحكام السرية على الحادث. عندما يكتشف فريق أمن البيت الأبيض أن هناك شاهد عيان (ايستوود) ينطلق في أثره لاغتياله.
قبل هذا الفيلم بخمس سنوات، لعب ايستوود شخصية مستوحاة من الواقع كحارس أمن موكب الرئيس جون كندي في فيلم آخر لبيترسون هو «في خط النار» (1993). الرئيس الذي خلف كندي في ذلك الفيلم مهدد بالقتل بدوره وكلينت ايستوود الذي فشل في حماية الرئيس السابق سيمحي ذلك التقصير وينتصر على شعوره بالذنب عبر التصدي لجون مالكوفيتش الذي ابتدع مسدساً من الخشب يمر به عبر الحواجز الأمنية من دون جرس إنذار. لكن المسدس الخشبي قادر على إطلاق النار والمجرم حذق وذكي ويعرف كل الأساليب التي تجعل مهمة ايستوود لتعقبه و«تحييده» بالغة الصعوبة.
الصورة متباعدة بين «طائرة الرئيس واحد» وبين «سلطة مطلقة» وبينهما و«في خط النار»، على الرغم من أنها أفلام خيالية. هذا لأن الأمر لا يحتاج إلى كثير من الجهد لتأليف حكايات تتعلق بالرئاسة الأمريكية على أكثر من مستوى وفي أكثر من نوع (Genre).
عمليات اغتيال
محاولات اغتيال الرئيس الأمريكي تدخل في صلب الأفلام التشويقية. ها هي كوريا الشمالية تقوم بهجوم كاسح على البيت الأبيض في «أوليمبوس سقط» (أنطوان فوكوا، 2013) وبعده هم إرهابيون عرب الذين يريدون قتله خلال زيارته إلى لندن في «لندن سقطت» (لباباك نجفي، 2016). بعد ثلاث سنوات عادت المخاطر تحيط بالرئيس التي ينبري حارسه الشخصي بانينغ (جيرارد بتلر) لإنقاذه منها في كل مرة. هذا الفيلم الثالث ورد سنة 2019 تحت عنوان «الملاك سقط» وهو الأخير من هذه السلسلة حتى الآن وفيه يقوم بتلر بدوره للدفاع عن الرئيس (مورغن فريمن) ضد الإرهابيين الذين يخططون لخطفه عبر التخلص من حراسه خلال عطلته على شاطئ بحيرة.
قبل ذلك، في 1995، استيقظ العالم على غزو فضائي من قبل مخلوقات خضراء لا يمكن قهرها. يحاول رئيس الجمهورية (جاك نيكولسون) التفاوض مع الغزاة بالحسنى، لكن أحدهم يوجه بندقية اللايزر صوبه ويقتله.
لولا أن «المريخ يهاجم» لتيم بيرتون كان فيلماً من الخيال العلمي الجانح ربما لوجد البعض صورة الرئيس الأمريكي سلبية وتثير الامتعاض. لكن لعبة ذلك الفيلم (ولعبة فيلم «سلطة مطلقة») هي عدم تحديد ما إذا كان الرئيس من الجمهوريين أو من الديمقراطيين.
وهذه أيضاً حال آخر فيلم وصلنا حول الرئاسة وهو Don't Look Up لآدم مكاي في هذا الفيلم الكوميدي الهادف، نجد الرئيس (ميريل ستريب) صورة باهتة لشخصية الرئيس. تستهين بالخطر المحدق عندما يكتشف العلم اقتراب نيزك كاف لتدمير كوكب الأرض. تمضي أيام الرئاسة مستمتعة بمنصبها أكثر مما تقوم بواجباتها حيال المواطنين وتبقي ابنها المدلع قريباً منها رغم ضحالة معلوماته وشخصيته معاً.
لم تكن ميريل ستريب أول ممثلة تؤدي شخصية رئيس الجمهورية فقد سبقتها سيلا وورد في «يوم الاستقلال: انبعاث» (Indpendence Day: Resurgence). في ذلك الفيلم (رولاند إميريش، 2016) غزو آخر من الفضاء وعلى الجميع حماية أمريكا والبيت الأبيض ورئيسته وسوف يتم ذلك تبعاً لضرورة النهايات السعيدة.
آدم كان تعامل مع البيت الأبيض في فيلم سياسي آخر عنوانه Vice. مثل «لا تنظر لفوق» هو جاد في نقده للرئاسة الأمريكية أيام جورج دبليو. بوش عبر الحديث عن حياة ديك تشيني منذ أن خطا خطواته الأولى في المعترك السياسي. على عكس فيلمه اللاحق، كان فيلماً بلا أنياب، إذ تحاشى أن ينتقد تشيني بحدة وآثر الاكتفاء بوضع النقاط على الحروف.
فيلمان عن نيكسون المنتكس
هناك عدة أفلام على ذات المستوى الجاد أهمها، في السبعينات، «كل رجال الرئيس» لألان ج باكولا سنة 1976 المستوحى من فضيحة ووترغيت خلال فترة حكم رتشارد نيكسون. اتخذ هذا الفيلم طابع التحقيقات الصحفية من دون أن يلغي المظلة السياسية ويتحول إلى فيلم تشويقي. يشعر المشاهد بأهمية الطرح وبالخطر المحدق من خلال الأجواء التي بناها المخرج جيداً.
من بينها أيضاً «شرف سري» (Secret Honor) هو فيلم آخر عن ووترغيت والرئيس نيكسون حققه الراحل روبرت ألتمن سنة 1984. المميز في هذا الفيلم هو أن الأحداث (والكلمة فضفاضة هنا) تدور داخل غرفة الرئيس نيكسون (يؤديه فيليبا بايكر هول) ومن دون أي ممثل آخر في الفيلم. ساعة ونصف لممثل واحد يواجه عاصفة ووترغيت في أحد أيامه الأخيرة فوق كرسي الرئاسة. يتصل هاتفياً مستطلعاً أو يرد على اتصالات تطلعه على ما يحدث تبعاً لأشرطة التجسس التي أدت إلى عزله لاحقاً.