12 سبتمبر 2023

ورش التمثيل.. بين البحث عن حلم وبيع الوهم

فريق كل الأسرة

ورش التمثيل.. بين البحث عن حلم وبيع الوهم
إحدى ورش التمثيل في مصر

بات التمثيل حلم يراود الملايين من الشباب، بغض النظر عن كون بعضهم موهوبين يصلحون للتمثيل أم لا، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لما يطلق عليه «ورش التمثيل» لتلبية احتياجات هذا العدد الهائل لتأهيلهم لسوق العمل، ما أدى إلى وجود كيانات وهمية «تبيع الوهم» للكثير من الحالمين بالوقف أمام الكاميرا.

د. خالد جلال يجلس في المنتصف بين المتدربين في ورشة مركز الإبداع
د. خالد جلال يجلس في المنتصف بين المتدربين في ورشة مركز الإبداع

قبل سنوات كانت «ورش التمثيل» محدودة، تتلاءم مع عدد المتقدمين إليها، ونجح بعض خريجيها في أن تكون لهم بصمتهم سواء في السينما أو التلفزيون أو حتى المسرح، وفي مقدمتهم خريجو «مركز الإبداع الفني» التابع لوزارة الثقافة، بقيادة المخرج الكبير خالد جلال، الذي حقق طفرة كبيرة في الحياة الفنية المصرية، واكتشف من خلال ورشة الممثل عدداً كبيراً من المواهب الشابة وقتها، التي حققت النجومية فيما بعد، مثل النجوم، نضال الشافعي، سامح حسين، محمد شاهين، إيمان السيد، محمد سلام، بيومي فؤاد، وياسر الطوبجي، محمد عز، هشام إسماعيل، وحسام داغر وغيرهم، وما زال المركز يواصل عمله في تقديم واكتشاف المواهب.

د. محمد عبد الهادي وسط المتدربين بورشة التمثيل بالمهرجان القومي للمسرح المصري
د. محمد عبد الهادي وسط المتدربين بورشة التمثيل بالمهرجان القومي للمسرح المصري

في مرحلة تالية ظهر عدد من «ورش التمثيل» الجادة التي يقوم عليها مجموعة من الفنانين أو المخرجين المحترفين، مثل الورش المتخصصة التي تقيمها نقابة المهن التمثيلية، تحت رعاية نقيب الممثلين الحالي الدكتور أشرف زكي، وهناك أيضاً ورشة الفنان أحمد كمال، وورشة الفنان الدكتور فريد النقراشي، وكذلك ورشة الدكتور محمد عبد الهادي، ومسرح «أوبرا ملك» التابع لدار الفن والذي يعمل على رعاية الموهوبين، والعديد من الورش الأخرى التي تخرج منها العديدين من الموهوبين؛ بل ويلجأ إليها أحياناً عدد كبير من كبار النجوم للتدريبات على أدوار بعينها، مثلما يفعل كبار نجوم هوليوود مع كل دور جديد، لكن قبل كل هؤلاء وبعدهم يظل قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية القلعة الحصينة لتدريب وتعليم الموهوبين في فن التمثيل والإخراج وتأهيلهم ليصبحوا جاهزين للحياة الفنية بشكل احترافي متقن.

في السنوات القليلة الأخيرة، انتشرت هذه الورش بشكل لافت، ويتصدّر التدريب فيها مجهولون أو أسماء مغمورة في عالم الفن، أو قاربت على الاعتزال، أو غير مرغوبة من المخرجين والمنتجين، كذلك أسعار التدريب تصل أحياناً إلى مبالغ ضخمة، حيث انتشرت هذه الكيانات بشكل لافت، وكل دورها بيع «الوهم» للشباب الباحث عن الشهرة بمبالغ طائلة، حيث تلقت نقابة المهن التمثيلية الكثير جداً من الشكاوى من بعض الشباب الذين أوقعهم حظهم العاثر في كيانات وهمية أوهمتهم بتعليمهم فن التمثيل؛ بل وإيجاد فرص عمل بعد حصولهم على دورات تدريبية داخل ورش مجهولة، واستغلت هذه الكيانات أسماء بعض النجوم في الترويج لما يبيعونه من وهم، دون الحصول على رأي تلك الأسماء، وربما حتى دون معرفتهم.

أشرف زكي: ما يقرب من 90% من هذه الورش ما هي إلا «بيزنس» رديء

هذا الأمر سبب أزمة كبيرة في رأي الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية في مصر، مؤكداً «ثمة عدد من المخرجين أو حتى الممثلين الذين فشلوا في إثبات ذاتهم، يقومون ببيع الوهم للشباب الباحثين عن فرصة، وبمبالغ ضخمة بحجة تدريبهم في ورش التمثيل وإيجاد فرص عمل لهم، ويقومون بخداع هذه المواهب التي تبحث عن فرصة».

ويضيف زكي «الأمر المؤكد أن ما يقرب من 90% من هذه الورش ما هي إلا «بيزنس» رديء، لذا أطالب كل شخص يرى أنه يمتلك موهبة حقيقية، أن يتقدم للدراسة الأكاديمية بالمعهد، إذا كان عمره مناسب، أو يتقدم إلى الورش التي تعقدها نقابة المهن التمثيلية، وسيجد احتضاناً لا يمكن أن يتخيله، كذلك بعض مكاتب «الكاستينج» والورش المعروفة والمتميزة في عملها، والتي تدرّب الشباب ولا غبار عليها، لأن المواهب الحقيقية سواء في الكتابة أو التمثيل أو الغناء هي هدفنا الأول. بخلاف الكثير من الورش المنتشرة التي لا ترخيص لها، وكل هدفها بيع الوهم لشبابنا وسرقة أحلامهم وأموالهم، والنقابة لا تعترف بها، ووجهنا نصائح لهم من خلال بيانات صحفية وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، وسبق وأرسلنا خطابات إلى شركات الإنتاج بضرورة عدم قبول أي فرد ليس له موقف نقابي، وإلا ستتخذ النقابة إجراءات قانونية ضده، كما قمنا بعمل مشروع قانون للحد من انتشار تلك المكاتب ليكون عملها من خلال ترخيص من الجهات المعنية، باعتبارها مخالفة للقانون، ونناشد أعضاء مجلس النواب النظر في مشروع القانون المقدم من النقابة».

د. فريد النقراشي في إحدى محاضرات ورشته الإبداعية للتمثيل
د. فريد النقراشي في إحدى محاضرات ورشته الإبداعية للتمثيل

محمد صبحي: كل الشباب الذين يتجهون إلى مثل هذه الورش للأسف يتم النصب عليهم

من جانبه أكد النجم الكبير محمد صبحي، أن الكثير جداً من ورش التمثيل المنتشرة حالياً مسألة نصب، هدفها الوحيد الربح المادي وليست مفيدة على الإطلاق، لأن الجهة الوحيدة المرخصة لتعليم التمثيل في مصر هي معهد التمثيل بأكاديمية الفنون.

وأكد صبحي «أنا عملت مسابقة من عدد من المتقدمين للاستعانة بهم في مهرجان «المسرح للجميع»، وحصل 30 شخصاً على «ورشة تمثيل» دون مقابل، وسط دهشة المتدربين من هذا الأسلوب الذي لم يجدوا مثله في أي مكان ذهبوا إليه، كل الشباب الذين يتجهون إلى مثل هذه الورش للأسف يتم النصب عليهم، لأن مثل هذه الجهات تحصل منهم على أموال طائلة، ويتم إيهامهم بأن هذا هو التمثيل، ويخرج المتدرب من هذه الورش دون أن يتعلم شيئاً حقيقياً عن فن التمثيل، وأعتقد بأن النقابة يجب أن يكون لها دور حاسم تجاه هذه الورش لأنها من اختصاص معهد التمثيل بأكاديمية الفنون».

د. مدحت الكاشف: المعهد العالي للفنون المسرحية يساعد على تنمية وتطوير الموهبة، لكنه لا يقبل سوى الموهوبين بالفعل

وأشار د. مدحت الكاشف، العميد السابق لمعهد الفنون المسرحية، إلى أهمية الدراسة والتعلم بالنسبة للممثل من خلال المعهد، أو ورشة متخصصة معترف بها من قبل نقابة المهن التمثيلية، قائلاً «فكرة ارتباط الممثل بدراسة منهج علمي مهم جداً، لكن تعليم الإبداع متغير وأساليبه متعددة وليست له قواعد ثابتة لكيفية تجهيز الممثل للاحتراف، والمعهد العالي للفنون المسرحية يساعد على تنمية وتطوير الموهبة، لكنه لا يقبل سوى الموهوبين بالفعل، أو من لديهم بذرة الموهبة، ويعمل المعهد على تنميتها بالعلم وليس بالوهم».

مسرح الشباب يستقبل طلبات الدفعة الخامسة من ورشة
مسرح الشباب يستقبل طلبات الدفعة الخامسة من ورشة "إبدأ حلمك"

الناقد طارق الشناوي: هذه النوعية من ورش التمثيل فساد لأجيال من الممثلين

الناقد السينمائي طارق الشناوي، يرى أن هناك ورشاً هدفها الربح فحسب، لكن مقابل ذلك هناك ورش عديدة جادة ومخلصة لهدفها، مشيراً إلى ورشة الفنان أحمد كمال، إحدى أبرز الورش الفنية كونه في الأساس أستاذاً في فن التمثيل وفناناً مبدعاً، الذي نجح في أن تكون له بصمته الخاصة على الساحة على الرغم من قلة أعماله.

ويضيف الشناوي «لابد أن يكون القائم على هذه الورش لديه القدرة والموهبة على إيصال المعلومة للمتدرب، وليس شرطاً أن يكون قامة تمثيلية كبيرة، لأنه من الممكن أن يكون معلماً جيداً، وليس له حظ في الحصول على فرص في النجومية، لكن الأمر المؤكد أن مثل هذه النوعية من الورش التي تبيع الوهم، وتهدف فقط إلى الربح المادي، هي نوع من الفساد، تماماً مثل الأفلام والأغاني السيئة التي تفسد الذوق العام، لكن الأخطر هنا أنها تفسد أجيالاً من الممثلين».

محمد سلام.. من اكتشافات ورش التمثيل الحقيقية
محمد سلام.. من اكتشافات ورش التمثيل الحقيقية

الناقد نادر عدلي: محاربة هذه الورش الوهمية مسؤولية الجميع

ويرى الناقد نادر عدلي، أنه من الجيد قيام نقابة المهن التمثيلية بإنشاء ورش للتمثيل، فهي بذلك تعمل على حماية أعضائها ورعايتهم وتحاول قدر الإمكان تشغيلهم، لكن في الوقت نفسه نجد أن هناك مخرجين ومكاتب إنتاج وغيرهم، يقومون بتسيير أعمالهم بالطرق التي يريدونها وتشغيل من يريدونه بأساليب ملتويه.

ويضيف «بالتأكيد معهد التمثيل والورش التابعة للنقابة لن يستطيعوا استيعاب هذا العدد الهائل من المتقدمين، وهو الباب الذي نفذت من خلاله تلك الورش الوهمية، وراحت تجذب أعداداً كبيرة من المتقدمين وتجعلهم يأملون في المشاركة في الأعمال الفنية، في الوقت الذي يجلس فيه عدد كبير من النقابيين دون عمل».

وأنهى عدلي كلامه بالتأكيد أن ملاحقة الكيانات الوهمية هو مسؤولية الجميع، حتى لو وصل الأمر إلى ملاحقة قضائية، وخلق قدراً من التوعية، ليس من النقابة فحسب؛ بل إنه دور وسائل الإعلام أيضاً، حتى يدرك الشباب مدى خطورة هذا الأمر، لتكون الأمور واضحة جلية أمام الجميع.

القاهرة: نادية سليمان