28 سبتمبر 2023

خديجة باجابر.. الحضرمية الكينية تلفت الانتباه في سردينيا

كاتبة صحافية

كاتبة صحافية

خديجة بوجابر.. الحضرمية الكينية تلفت الانتباه في سردينيا

لفتت نظري لأنها كانت الوحيدة التي ترتدي الحجاب من بين مئات الحاضرين في الملتقى الثقافي الذي استضافته جزيرة سردينيا الإيطالية. إن عباءتها زاهية وابتسامتها تذيب الحواجز. وكان من الطبيعي أن نتعارف ونتبادل الحديث وأفهم منها أنها كاتبة من كينيا، أصل عائلتها من حضرموت في اليمن، وأنها تحضر الملتقى لأن روايتها الأولى «منزل الصدأ» قد صدرت مترجمة إلى اللغة الإيطالية، بعد أن فازت بجائزتين في إفريقيا.

خديجة في الندوة
خديجة في الندوة

إنها خديجة عبد الله باجابر، الكاتبة الشابة باللغة الانجليزية التي حازت روايتها الأولى على جائزتين مهمتين: «جريوولف أفريكا» و«أورسولا كي لوجوين» للإبداع الروائي. طلبت منها أن تقدم نفسها لقراء وقارئات «كل الأسرة»، فقالت:

خديجة بوجابر.. الحضرمية الكينية تلفت الانتباه في سردينيا

اسمي خديجة وأنا كاتبة من مومباسا، كينية من أصل يمني. أجدادي من أبي وأمي جاؤوا إلى هنا من حضرموت، وهم ينحدرون من مكان يسمى عندل. لا بد أنهم جاؤوا قبل أو أثناء الحرب العالمية الثانية. كان البريطانيون لا يزالون يحتلون كينيا خلال تلك الفترة. لقد مكثوا لفترة في مكان يسمى كيتوي. وكان اسم كل من الجدين علي. لقد فعلا كل ما في وسعهما لمساعدة أسرهم. افتتح جدي لأمي متجراً صغيراً، بينما عمل جدي لأبي في بيع قطع غيار السيارات، حسبما سمعت. وكانا كلاهما منخرط في التجارة وأشياء من هذا القبيل. لقد كانا صديقين قبل أن يصبحا نسيبين. ثم انتقل كل منهما إلى مدينة مومباسا، وعاشا فيها حتى توفيا، لهما الرحمة.

وأنت الحفيدة الكينية العربية، ماذا درست؟

درست الصحافة. لقد كان هذا أقرب شيء يمكنني الحصول عليه للحصول على شهادة في التحرير، بسبب وحدة الطباعة الموجودة في المنهاج الدراسي. ولهذا السبب قمت بدراستها.

أنا أكتب لكي أنمو وأستكشف، لم أعد أكتب لأهرب من الواقع

ماذا كان هدفك عندما بدأت الكتابة الأدبية؟

أعتقد أنني كنت أهرب من الواقع إلى الكتابة. لكن بالنسبة للكتاب كمشروع، فقد كتبته فقط لأثبت لنفسي أخيراً أنني أستطيع إكمال المشروع، ولمحاولة استخلاص شخصية مدينتي التي أحبها.

الآن وأنا أكتب، فإنني أسعى في الغالب إلى ربط جميع الأجزاء العائمة من العالم الذي أعيش فيه، أي عالمي الداخلي. أنا أكتب لكي أنمو وأستكشف، لم أعد أكتب لأهرب من الواقع بل لأرسم إنساناً قريباً من الأشياء المختلفة أو البعيدة عني. إنها طريقتي للتقرب من نفسي وأيضاً للتواصل مع الأشخاص الذين يريدون أن يفهموا أنفسهم من خلال التعبير الفني والكتابة.

جمهور واسع استمع إليها
جمهور واسع استمع إليها

حدثيني عن هذه الرواية الأولى، ماذا أردت أن تقولي لقرائك؟

روايتي الأولى لا علاقة لها بقرائي، بل لم أكن أدرك أنه سيكون لدي قراء. كانت رواية لي فقط. لكن بعد ذلك أدركت أنه سيكون لدي قراء، وهذا يعني أن الرواية لم تتغير بالضرورة، لكن وعيها، أي موضوعها، أصبح أكثر وضوحاً. انتهى بي الأمر برغبة في إخبار القراء أن سرد القصص هو شيء رائع ومترابط، وأنه حتى لو لم تكن القصص التي نرويها جيدة أو مألوفة أو مثيرة للاهتمام بشكل خاص، فإن هناك تفاهماً يحدث بين مقدم القصة ومتلقيها. وهذا يعني أننا نتبادل الكرم مع بعضنا البعض.

لم أكن مهتمة بأن أكون بارعة أو أن أصنع أدباً ممتازاً. لم يكن ذلك هو الهدف الذي تنتهي عنده فكرتي. أردت أن أفترض أن الإنسان بداخلي يمكنه التواصل مع الإنسان بداخلك على الرغم من أننا قد لا نفهم بعضنا البعض بشكل كامل، وأن الانفتاح والصدق هدية أو هبة يجب مشاركتها.

خديجة وفرانشيسكا إحدى المضيفات في الملتقى
خديجة وفرانشيسكا إحدى المضيفات في الملتقى

هل تعتقدين أن الكتابة باللغة الإنجليزية تمنحك فرصة أكبر للوصول إلى القراء في العالم؟

الكتابة باللغة الإنجليزية لم يكن لدي خيار فيها. لكنها لم تعد ذلك الشيء الفظيع المؤسف كما كان الكتاب يتحدثون عنه. كانت هناك دعوات لإنهاء الاستعمار في اللغة الإنجليزية وما إلى ذلك من طروحات. أما أنا فأعتقد أنني مرتاحة لواقع لغتي وأقوم بتشكيلها بالطريقة التي تناسبني. من المؤكد أن الكتابة باللغة الإنجليزية لها انتشار أكبر، لكن في الوقت نفسه فإن موضوع الرواية والعالم الذي أكتب منه يبقى غامضاً وغريباً.

هل تكون الغرابة سبباً لأن يقول النقاد في حقي كلمات طيبة؟ ما زلت غير متأكدة من أن طبيعة العمل ستكون في متناول القارئ العام بدرجة كافية. والسبب الطريقة التي أستخدم بها اللغة، فقد تكون صعبة بعض الشيء. ليست قضية لغة إنجليزية أو غير إنجليزية. لكنني ممتنة رغم ذلك لأي شخص يقرأ العمل ويتفاعل معه بإخلاص.

هل تشتغلين حالياً على رواية جديدة؟

نعم! أنا أعمل على حوالي أربع روايات في وقت واحد (أعلم أن هذا أمر سيئ!) جميعها تدور أحداثها من خلال هذه البؤرة الساحلية التي أعيش فيها، على الرغم من أن أحداثها ليست كلها في مومباسا. القاسم المشترك بينها جميعاً هو الطعام والدهشة والخوف والحب والكراهية. أريد الاستمرار في كتابة أبطال غريبين بعض الشيء ويصعب فك خيوطهم وألغازهم. وأنا أتقدم في الكتابة بشكل جيد وأصبحت مجتهدة في الإنتاج خلال الأشهر القليلة الماضية، كما أخطط للتفرغ في العامين المقبلين على أمل الانتهاء من جميع الروايات الأربع.

إن موضوعاتها مختلفة عن روايتي الأولى «منزل الصدأ»، ولكل منها عالمها الخاص. إن ما أكتبه لا يزال غريباً. وهناك من رمى الحصى في اتجاهي. لكن بالنسبة لي كان من المثير استكشاف هذه القصص الآن في عمري، بعد كل التغييرات التي مررت بها. لقد كنت مضطربة للغاية أثناء الجائحة، مثلاً، كان قلبي تائهاً مني. لكنني أشعر الآن كما لو أنني أفهم ما أقصد قوله وما أقصد أن أكونه. أستطيع أن أكتب دون أزمة داخلية، وكان من الرائع أن أقترب من ذلك.

خديجة بوجابر.. الحضرمية الكينية تلفت الانتباه في سردينيا

هل واجهت كامرأة مسلمة مشاكل خاصة مع الحجاب؟

الحمدلله لم يحدث شيء من هذا. لقد كنت قلقة بشأن هذا الأمر في البداية ولكني مرتاحة جداً للحجاب وأعيش الحياة كامرأة محجبة. أنا حذرة وأتخذ الاحتياطات اللازمة عندما أكون في الخارج، ولحسن الحظ فإنني حين أسافر فقد التقيت أشخاصاً كانوا يراعون حجابي واعتنوا بي. المواقف الغريبة الوحيدة التي تحدث هي عندما يكون أحدهم عنصرياً إلى حد ما بشأن عملي أو ممارستي. وهناك بعض المواقف القليلة التي أواجه فيها استغراب المارة في الشوارع أو في الصالات. لكن هؤلاء هم الأشخاص الذين لا أعرفهم ولا يعرفونني، لذلك فإن الأمر لا يزعجني كثيراً. إنها مواقف تجعلني أتذكر فجأة، وللحظات، ما هو العالم الذي يحيط بي.. لكن لم يحدث شيء مزعج بعد. أعتقد أنني عندما كنت أصغر سناً كنت مدركة لاختلافي بشكل أكبر، كما لو كنت مهووسة باحتمال حدوث أشياء سيئة. لكنني الآن أكبر سناً وأكثر استقراراً ووعياً بطبيعتي.

أعتقد أيضاً أنه في بعض الأحيان يمكن أن يكون الناس جاهلين دون قصد، لذلك يكون عليك توضيح الأمر لهم بصبر، مع مراعاة أن كل شخص يقيم في منطقته أو دائرته الخاصة. أعتقد أن الناس في الأغلب يكونون أكثر فضولاً بشأني، لذلك أتفهمهم وأحب المبادلات الودية مع الغرباء. ما أقصد قوله هو أنني لا يحكمني الغضب أو الخوف، وأعرف متى يكون هناك سوء فهم ومتى يكون هناك شيء قاس أو متعمد. وباختصار أقول إنني أستطيع التعامل مع الجانبين، أي حسنو النية وسيئو النية. ويبقى أن الأمر الوحيد المحرج في بعض الأحيان هو أنني لا أصافح أو ألمس الجنس الآخر. لكن الناس يكونون متفهمين حين أشرح لهم الأمر. وحتى الآن تسير الأمور بشكل طيب والجميع يفهم حدودي. كل ما في الأمر أنني ما زلت أتعلم طريقة أفضل لتحية الناس بشكل استباقي دون الاضطرار إلى الخوض في تعقيدات بقاء اليد ممدودة نحوي. أحاول أن أبذل قصارى جهدي لأكون قدوة جيدة من أجل إيماني وبلدي وعائلتي وما إلى ذلك، وهو الأمر الذي كان يمثل ضغطاً كبيراً عذبني في الماضي.

ولكي لا أفقد عقلي صرت أفترض أن مشاكلي تشبه مشاكل أي شخص آخر. شخص يختلف قليلاً في شكله أو مظهره. وهنا أود أن أقول إن اختلافي، أي حجابي، قد جلب لي أيضاً الكثير من اللحظات الرائعة والتواصلية بدلاً من العداء الذي كنت أخشاه. وأنا أتذكر الكثير من اللقاءات الرائعة ومصممة على التحرك عبر العالم كما أنا، مثل نفسي. لقد كان من الصعب الوصول إلى هذه النقطة، وأتوقع أنه لا تزال هناك بعض التحديات في المستقبل، ولكن آمل أن تساعدني هذه التحديات على النمو. أنا ممتنة لكل هذه التجارب.

خديجة بوجابر.. الحضرمية الكينية تلفت الانتباه في سردينيا

«منزل الصدأ»

هذه الرواية هي أول من دشّن جائزة «جرايوولف برس» للخيال الأفريقي. إنها رحلة بحرية خيالية لفتاة تبحث عن والدها. وبطلة الحكاية تشبه المؤلفة في بعض ملامحها. فهي عن فتاة حضرمية من مدينة مومباسا في كينيا، تدعى عائشة، يختفي والدها الصياد فتنطلق إلى البحر على متن قارب سحري مصنوع من هيكل عظمي لإنقاذه. إنها تسترشد بقطة عالمة ناطقة (وسرعان ما يكون للغربان والماعز والحيوانات الأخرى كلمتها أيضاً). وتلتقي عائشة في الرحلة بثلاثة وحوش بحرية مرعبة، وهي تنجح في إنقاذ أباها بعد أن تنجو من المواجهة النهائية مع وبابا، والد جميع أسماك القرش، وتستعد لأن تعود الحياة إلى طبيعتها.

لكن الأمور تصبح غريبة في المنزل. إن جدتها تريد لها أن تتزوج وتعيش سعادتها أما هي فقد تذوقت طعم المغامرة وتريد دخول تجارب جديدة. وفي النهاية تضطر عائشة إلى التوافق مع شاب محلي لطيف لا تريده. ولكن قبل أن تتمكن من شق طريقها نحو الاستقلال يجب عليها أولاً اكتساب الخبرة والمهارات اللازمة للتغلب على ألماسي، حاكم مومباسا الأفعى الشيطاني المسجون.

كتب النقاد «أن قيمة هذه الرواية المنتسبة إلى نوع الواقعية السحرية، هي أنها تُروى من خلال عدسة الثقافة السواحيلية والحضرمية في الشتات في مومباسا. وهي عامرة بالوصف الأخاذ ومكتوبة بيد خيالية وعين حادة للحصول على تفاصيل غير عادية. إنها رواية لا تنسى بصوت جديد».

 

مقالات ذات صلة