19 ديسمبر 2023

ما هي القدرات الحقيقة للأطفال الرضّع؟ وماذا نعرف عنها؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

ما هي القدرات الحقيقة للأطفال الرضّع؟ وماذا نعرف عنها؟

اكتشف العلماء أنّ الرضيع، مع بداية أشهره الأولى، يتخيّل، ويتوقّع، ويصنِّف، ويحسب، كما أنه يدرك قوانين الفيزياء، ويتمتع بحسّ اجتماعي. يرجع فضل هذه الاكتشافات إلى تقنيات الاختبار الجديدة التي غيّرت نظرتنا إلى قدرات البشر المعرفية.

على امتداد فترات طويلة، كان العلماء يكتفون بملاحظة أفعال الرضّع من أجل التوصل إلى فهمهم. وتحدَّث أهمهم عن المرحلة «الحسية-الحركية» للدلالة على الأطفال بين سنّ الولادة والسنة الثانية من العمر. أما دراسة المفاهيم والمبادئ المعرفية فقد كانت محصورة بالأطفال الأكبر سناً. وبما أن أفعال الرضّع تتسم، في أغلب الأحيان، بقلة المهارة، فقد صار من المعترف به اليوم أن قياس الذكاء بواسطة هذا النوع من المراقبة غير ممكن. لذا، وفي سبيل القيام بهذه العملية اهتم العلماء بنظرة الرضيع، وعينيه، أي بردة فعله البصرية إزاء المحفِّزات التي تقدم له.

وبفضل وسائل تقنية، كالفيديو والحاسوب، صار من الممكن تسجيل وقياس ردّات الفعل البصرية هذه بدقة كبيرة. وهكذا تم اكتشاف ما سمّيت بـ«ديمومة الأشياء» منذ الشهر الرابع، أو الخامس، أي قدرة الرضيع على تخيّل استمرار وجود الشيء، حتى عندما يختفي من أمام ناظريه، في حين أن البحث عن الشيء المختفي يبدأ في الشهر الثامن.

ويظهر الرضيع في الشهرين، الرابع أو الخامس، قدرات رقمية لم يكن يشك أحد في وجودها لديه حتى ذلك الحين. فهو قادر على حساب 1+1=2، أو 2-1=1.

كما أثبت العلماء، بواسطة هذه التقنيات القدرة التي يمتلكها الرضع منذ شهرهم الخامس العشر، باستنتاج حالات ذهنية لدى الآخرين، أي معتقداتهم الصحيحة، أو الخاطئة، وهذا ما يدعو إلى القول إنهم يمتلكون حسّاً اجتماعياً. وهذا يعني أن كل هذه الكفايات تبدأ في سنّ مبكرة، حتى قبل ظهور اللغة الملفوظة في السنة الثانية من العمر.

رُضّع وعلماء فيزياء

أكثر الأعمال اللافتة للانتباه في هذا المجال كشفت وجود عدد من المبادئ المعرفية الأساسية حول عالم الأشياء، وهي مبادئ معتبرة بمثابة «نواة فطرية» في الدماغ البشري. وقد ثبت، بواسطة ردّات الفعل البصرية إزاء حوادث مستحيلة، أو غير متوقعة، أن الرضّع منذ السنة الأولى من حياتهم، يشعرون بالمفاجأة، أي ينظرون لمدة أطول، حين لا يتم احترام وحدة الشيء المخبّأ. مثلاً، قضيب يتم إخفاء وسطه بواسطة علبة، ومتى أزيلت هذه العلبة يظهر لهم على شكل جزأين منفصلين، بدل أن يظهر على شكل شيء واحد.

كما أننا نعرف اليوم أن الرضع على دراية تامة ببعض المبادئ الفيزيائية، وهي:

مبدأ الملامسة: حين يتحرك مكعب خشبي كان ثابتاً في مكانه قبل أن يلمسه مكعب ثانٍ يتحرك باتجاهه.

مبدأ الاستمرارية: حين تتدحرج كرة خلف شاشة وتخرج من خلف شاشة أخرى من دون أن تقطع المسافة التي تفصل بين الشاشتين.

مبدأ التماسك: حين يبدو أن كرة تتحرك بحسب مسارين مختلفين.

كما يعلم الرضع أن بعض هذه المبادئ تنطبق على الأشياء الجامدة فقط، ولا يبدون أي دهشة، مثلاً، حين يتحرك إنسان كان ثابتاً في مكانه قبل أن يدخل في اتصال مع إنسان آخر يتوجه ناحيته. ويعرفون في هذه الحالة أن السببية الفيزيائية ليست مطلوبة، بل إن النوايا الذهنية تكفي.

الأطفال الرضّع «مبرمجون» ليتعلموا

قادت مجمل هذه الملاحظات بعض الباحثين إلى القول إن هذه «المعارف النواتية» فطرية، وإنها تظهر منذ السنة الأولى من الحياة بوصفها إطاراً أولياً لفهم العالم الملموس. ويظن علماء نفس آخرون، أن هذا عبارة عن مقدرة التعلّم بواسطة الإدراك، وبالأخصّ الإدراك البصري، وهي مقدرة فطرية، أي أن الرضّع «مبرمجون» ليتعلموا. وبحسب هذه المقولة، تكون معلومات الرضيع الفيزيائية غير فطرية، بل تنبني بشكل مبكر بواسطة آليات تصنيف الوضعيات التي يتم إدراكها وعقلنة المتغيّرات التي تميزها.

حين يواجه الرضيع نتائج غير متوقعة، يتعرف إلى متغيرات الأوضاع الفيزيائية، ويعمق فهمه للعالم. وهذا ما يسمى بتكذيب التوقعات. فحين يضع الرضيع نفسه الأشياء على ركائز، بعد الشهر السادس، ويلاحظ بدقة أن هذه الأشياء تبقى أحياناً ثابتة كما بإمكانها أن تقع في أحيانٍ أخرى، يستخلص أنها ناجمة عن عمله. ويظن العلماء أنه من المفيد إجراء «تجارب تعليمية» عملية صغيرة مع الرضّع تقودهم إلى فهم المبادئ الأساسية للفيزياء منذ السنة الأولى من حياتهم.

وخلاصة الأمر، أنه حتى لو امتلك الرضيع معرفة فيزيائية مبكرة، وقد تكون فطرية، فإن تعميقها يحتاج إلى عملية تعلُّم بواسطة الإدراك والعمل. ونعلم اليوم أن هذه العملية التعليمية تتعزز بفضل قدرات الاستنتاج التي تمكِّن الرضيع من فهم وتوقع الأحداث التي يدركها، تماماً كعالِم صغير.

اقرأ أيضاً:
- ماذا يقول الطفل الرضيع حين يبكي؟
- كيف تبني علاقة جيدة مع طفلك الرضيع؟

 

مقالات ذات صلة