22 يناير 2024

9000 مهرجان سينما في العالم.. ماذا حققت في عام 2023؟

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

9000 مهرجان سينما في العالم.. ماذا حققت في عام 2023؟

حسب موقع IMDB المعروف، هناك نحو 9000 مهرجان من كل الأحجام، بما فيها التظاهرات الصغيرة، كمــا المهرجانات الدولية الكبيرة، ومن كل الأحجام أيضاً. هذه نظرة على الأهم منها، وما حققته في العام المنصرم.

9000 مهرجان سينما في العالم.. ماذا حققت في عام 2023؟

تسلسل أهمية مهرجانات السينما في العالم

هناك مهرجانات في كل أنحاء العالم، بل وكثيراً ما نجدها في مدن صغيرة لم نسمع بها من قبل. كل واحد منها يحاول تأدية خدمة ثقافية للجمهور الذي، بصرف النظر عن مكان تواجده، لا يستطيع السفر إلى أي من المهرجانات الكبيرة ليشاهد المعروض فيها.

من هذه الناحية، تؤدي المهرجانات الصغيرة دورها المتميّز جيداً، وتضع على الشاشة أمام الهواة أفضل ما استطاعت استقباله من أفلام.

هذه المهرجانات هي الصف الخامس من الأهمية.

الرابع: هي المهرجانات التي كانت كبيرة يوماً، ثم لم تستطع، لأسباب مادية في الأغلب، الحفاظ على ريادتها، مثل مهرجان شيكاغو، ومهرجان مونتريال، ومهرجان سان فرانسيسكو، ومهرجان نانت الفرنسي، وعشرات سواها.

في المرتبة الثالثة: مهرجانات صغيرة- كبيرة، تعرض أفلاماً جديدة لكنها لا تجاري المهرجانات الكبرى، كحجم وأهمية. من بين هذه المهرجانات ثيسالونيكي، إسطنبول، وبوسان، وطوكيو، والجونا، والقاهرة.

في المرتبة الثانية: تلك التي تلي مباشرة المهرجانات الأولى، متمتعة بحضور كبير، وأفلام جديدة، لكنها لا تستطيع أن تجاري، إعلامياً، تلك الأولى. لدينا هنا مهرجان روتردام، ومهرجان كارلوفي فاري، ولندن، وتورنتو، من بين أخرى.

أما المركز الأول: فهي ثلاثة مهرجانات أساسية، حسب تواريخ إقامتها: برلين (شتاء)، «كان» (ربيعاً)، وفينيسيا (صيفاً). هذه المهرجانات تستقبل كل أنواع الأفلام والعروض الأولى، ويحضرها كبار النجوم.

مشهد من فيلم On the Adamant
مشهد من فيلم On the Adamant

الأفلام التي نالت ذهبيات هذه المهرجانات الثلاثة هي:

  1. الفيلم التسجيلي الفرنسي «إصرار» (On the Adamant) للفرنسينيكولا فيلبيرت، ونال الدب الذهبي من برلين.
  2. «تشريح سقوط» (Anatomy of a Fall) لجوستين تراييه (فرنسا)، ونال السعفة الذهبية في مهرجان «كان».
  3. «أشياء بائسة» (Poor Things) للمخرج اليونانييورغوس لانتيموس الذي خطف السعفة الذهبية في مهرجان فينيسيا.

9000 مهرجان سينما في العالم.. ماذا حققت في عام 2023؟

مهرجان الجونا السينمائي ومهرجان البحر الأحمر السينمائي

كانت آخر حبّة في عنقود المهرجانات في العام الماضي، هي مهرجان «الجونا» في دورته السادسة الذي انطلق في شهر ديسمبر.

لم يكن هذا الموعد هو الاختيار الأول للمهرجان، بل كان سيُقام في غضون الشهر العاشر كما اعتاد، لكن في ذلك الشهر اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة فارتأى إلغاء الدورة، قبل أن يعود فيعلن لها موعداً جديداً. الحقيقة هي إن إلغاء هذه الدورة بالكامل، لم يكن قراراً حكيم،اً لكون الدورة ذاتها كانت ألغيت في العام الماضي أيضاً، ما سيؤثر في مصداقية المهرجان ككل. بالتالي، فإن هذا التاريخ المؤقت في ذلك الشهر هو الحل الأفضل له بالفعل.

في عداد المهرجانات العربية، بات يُحسب للجونا استدامته، وحضوره. هو انطلق مع نزول ستارة مهرجان دبي الذي كان وصل إلى ذروة المساهمات العالمية في هذا الحقل، واستفاد من الاستعداد الإداري والمالي والفني الكبير الذي حُشد له. أريد له أن يولد كبيراً، ويكبر، وإلى حد بعيد فعل ذلك بفضل فريقه.

9000 مهرجان سينما في العالم.. ماذا حققت في عام 2023؟

بالطبع هو ليس المهرجان العربي الوحيد الذي يُنظر إليه بعين التقدير، ويحسب لحضوره ألف حساب. هناك، ومنذ ثلاث سنوات، مهرجان «البحر الأحمر» الذي انتهى من دورته الأخيرة في التاسع من هذا الشهر، بنجاح لافت على صعيدَي الأهمية والحضور، وإن كانت هناك ثغرات إدارية لابد من سدّها في الأعوام المقبلة.

ميزات عدة يتمتع بها «مهرجان البحر الأحمر»، وأهمها استعداد الحكومة السعودية لبذل كل ما يمكن بذله لجعل هذا المهرجان جسراً فنياً وإعلامياً بين المملكة والعالم، في اتجاهين متواليين. هناك إطلالة السعودية على العالم عبره، وإطلالة العالم على السعودية من خلاله أيضاً. النسخة الأخيرة من المهرجان حققت خطوات عدة إلى الأمام، مقارنة بالدورتين السابقتين، وإذا ما استمر هذا التقدم فإن النجاح، المحلي والعالمي، سيستمر على منوال ثابت.

ومع مهرجانات القاهرة ومراكش وقرطاج فإن «البحر الأحمر» و«الجونا» هي الصف الأول عربياً، يليها عدد كبير من المهرجانات الصغيرة، بعضها حسن التنظيم، وبعضها الآخر يعاني سوء إدارته، أو حدود ميزانيّته، بحيث ما زال يدور في مكانه منذ إنشائه.

9000 مهرجان سينما في العالم.. ماذا حققت في عام 2023؟

ما الذي يجعل المهرجان السينمائي ناجحاً؟

هناك أكثر من مستوى واحد من العالمية، أهمها اثنان: الأول، هو أن يجلب المهرجان الأفلام والضيوف، ويؤسس وجوده كأفضل ما يمكن له أن يكون في منطقته الجغرافية.

المستوى الثاني، هو الأصعب والأعلى: أن يختاره المنتجون الغربيون لعروض أفلامهم قبل عروضها في أي مهرجان عالمي آخر. وسبب صعوبة تحقيق هذا المستوى يعود إلى عوامل خارج إرادة المهرجان العربي (وفي ذلك يمكن ضم عشرات المهرجانات الكبيرة حول العالم)، من بينها أن المنتج عليه أن يرى ما الذي سيعود عليه من جراء اختيار فيلمه كعرض أول «برميير»، في أي مهرجان.

لهذا امتلكت ثلاثة مهرجانات عالمية الصدارة، وزمام الموقف. المنتجون والمخرجون، وشركات التوزيع وهي «كان» و«فينيسيا» و«برلين». بعدها هناك روتردام، ولوكارنو، وكارلوفي فاري، وصندانس، وتورنتو، وسان سابستيان.

وفي العام 2023 زادت حدّة المنافسة بين «فينيسيا» و«كان» وكاد مهرجان برلين أن يخرج من الاهتمامات العالمية الأولى، بسبب إدارته التي لم تستطع أن تجلب ما يجعل من الدورة امتداداً طبيعياً لدوراته الناجحة السابقة.

وكان تم الإعلان عن تغيير إداري جديد استلمت تريسيا تاتل إدارته بدءاً من نهاية الدورة الرابعة والسبعين في فبراير المقبل. تاتل أمريكية عملت سابقاً ضمن فريق إدارة جوائز البافتا. ولسبب غير معلوم تماماً، ما زال المهرجان الألماني يبحث عن مدير ألماني للمهمّة.

فالإدارة السابقة مباشرة، ومن عام 2019 استلمها كل من الهولندية مارييت ريزنبيك، والإيطالي كارلو شاتريان. وفي عام 2020 بدأ انتشار الوباء، وفي دورة 2021 تم عرض أفلامه على النت، ثم عاد في العام الماضي بكتلة من المشاكل، من بينها افتقاده أفلاماً من المستوى ذاته المتاحة للمهرجانين الآخرين فينيسيا، وكان.

«كان» (السادس والسبعون) انطلق تحت قيادة المخرج السويدي روبن أوستلند، ومنح جائزته الأولى لفيلم جوستين ترايت «تشريح سقوط»، وحفل بعدد كبير من الأفلام الجيدة في المسابقة وخارجها من بينها «أوراق شجر متسابقة» لآكي كيورسماكي (فنلند)، و«أسترويد سيتي» لوس أندرسن (الولايات المتحدة) و«أيام تامّة» لفيم فندرز (ألماني/ ياباني)، و«السنديان القديم» لكن لوتش (بريطانيا).

منافسه الأول، فينيسيا، احتفل بدورته الثمانين، وترأسها مخرج آخر هو الأمريكي داميان شازال الذي منح الجائزة الأولى لفيلم أوروبي آخر، هو «أشياء بائسة» لليوناني يورغوس لانتيموس.

كلا الفيلمين يقود الهجوم الأوروبي على جوائز الغولدن غلوب، والأوسكار. والفيلم الذي سيفوز بذهبية إحدى هاتين المناسبتين كأفضل فيلم عالمي سيعزز من مكانة المهرجان الذي عرض الفيلم الفائز فيه.

اقرأ أيضاً: السينما السعودية والعربية تنتعش في دورة مهرجان «البحر الأحمر» الثالثة