في سِن الثالثة والثمانين، يعود آل باتشينو إلى الواجهة، ليس عبر فيلم، بل عبر تصرّف. على ذلك، يبدو أكثر اهتماماً اليوم بمواصلة مهنته من التوقــف عند حادث استقبل قبـل أيام باستهجان.
أثار تصرف آل باتشينو ليلة توزيع جوائز الأوسكار في الحادي عشر من هذا الشهر اندهاش الجميع ما أدّى إلى حالة استهجان بين الحضور، ولاحقاً، على مستوى التعليقات العامّة.
الذي حدث أن الممثل المخضرم اختير لكي يعلن جوائز الحفل في نطاق مسابقة أفضل فيلم. وهي المسابقة التي ترد نتائجها في نهاية المطاف كنوع من مسك الختام، والتي على المقدّم، أو المعلن، أن يذكر أسماء كل الأفلام المتسابقة (عددها عشرة)، قبل أن يذكر عنوان الفيلم الفائز.
لكن باتشينو، لسبب غير واضح تماماً، اختصر الطريق مباشرة إلى إعلان الفيلم الفائز «أوبنهايمر» متجاهلاً ذكر الترشيحات الأخرى وتقاليد الحفل المتوارثة منذ 96 سنة.
قليلون وجدوا تبريراً ما، يبرّرون به هفوة الممثل (83 سنة). بين التبريرات القليلة التي ترددت هي أن الممثل أراد ترك بصمة حضور مختلفة، وتمكّن من ذلك عبر الوقوف على المنصّة لأقل وقت ممكن، وتجاهل عناوين الأفلام الأخرى المتسابقة.
العرّاب
آل باتشينو.. صور سينمائية لا تخبو
غالباً، ومهما كانت الأسباب التي دفعت بباتشينو إلى هذا الفعل، سيمرّ الحادث ليدخل بين دفتي كتب التاريخ، ولا يعود إلى الواجهة سوى من باب التندّر. كذلك فإن قيمة هذا الممثل الفنية هي من النوع الذي لا يبقى في الذاكرة طويلاً، حيال أدواره وأعماله السينمائية، طوال خمسة عقود.
ترعرعنا على أفلامه، وانطبعت في أذهاننا تلك الصور السينمائية الأولى له: الشاب القلق الباحث عن مستقر نفسي في عالم متقلّب، كما في «ذعر في نيدل بارك» Panic in Needle Park و«الفزاعة» Scarecrow، والمنتقل من المراهقة إلى النضج، ومن الضعف إلى القوّة، في الجزأين الأوّلين من «العرّاب».، ثم هو التحرّي غير الممتثل لقانون زملائه في «سربيكو» Serpico، والمجرم المكسيكي اللاجئ في «الوجه المشوّه» Scarface، وهذا كلّه، وسواه العديد، في غضون سنواته الخمس عشرة الأولى على الشاشة.
تاجر البندقية
أربعة أفلام وأربعة مشاريع جديدة لآل باتشينو
باتشينو اليوم لا يقل انشغالاً عما كان عليه في تلك الفترة، أو في أي فترة لاحقة.
حالياً، لديه أربعة أفلام سيقوم بتمثيلها هذا العام، وأربعة مشاريع لاحقة، معروضة عليه للعام المقبل. هذا يعني أنه أهل للثقة والممثل الذي خبِر كل شيء: الأدوار البطولية والأدوار الشريرة، الأفلام الرائعة والأفلام الرديئة، الشخصيات السينمائية الخالدة، وتلك التي تمر سريعاً، كما أفلام الدراما والعنف، لجانب الأفلام الاجتماعية، والعاطفية، والكوميدية. وفي معظم كل هذه الأفلام كان الوهج الذي يضيء عتمة الصالة فعلاً.
أكثر من ذلك، أن خبرته المسرحية لم تضمحل بسبب سنوات الشهرة، والنشاط على الشاشة الكبيرة، بل لا تزال متأصلة في أعماله: بعد «تاجر البندقية»، وفيلمين من إخراجه يبحثان في أوسكار وايلد وليام شكسبير، يعود إلى المسرح قريباً، وعلى نحو مفاجئ كما يذكر في هذا الحديث الخاص.
حرارة
شخصية كوميدية داخل التراجيدية
معظم أفلامه كانت دراميات عديدة الأوجه والمزايا، وهناك أفلام قليلة من النوع الكوميدي. لكن ما هو درامي لدينا قد يكون كوميدياً لدى الممثل الذي نشأ على حب أعمال وليام شكسبير. ففي رأيه، أن العديد من الأفلام الدرامية التي مثّلها هي كوميدية في طياتها. قال لهذا الناقد في لقاء تم في نيويورك سنة 2005:
«أعتقد أن العديد من الشخصيات التراجيدية التي مثّـلتها كانت الكوميديا مجبولة فيها على نحو عميق. حتى شخصية مايكل كارليوني في «العرّاب»، هذه شخصية تراجيدية تماماً لكن تستطيع أن تنظر إليها لتجدها تكاد تسخر من نفسها، أو بالتأكيد تعكس قدراً من السخرية».
مفهوم باتشينو يستند إلى منهج من الأعمال الخالدة التي سبق وقدّمها على المسرح خلال الثمانينات وإلى اليوم:
«دائماً يسألونني ما النصيحة التي يمكن لي أن أقدّمها لممثل جديد، ودائماً ما أقول للسائل إنه إذا ما أراد صقل موهبته، ومعرفة عمق ما يستطيع تشخيصه من حالات وأدوار، عليه أن يمثل للمسرح، ومن الأفضل أن يتعلم تمثيل شخصيات شكسبيرية، لأنها تضم كل شيء. من يجيد شكسبير لن يحتاج بعد ذلك لتعلّم أي شيء آخر».
في ذلك الحين، عندما تم لقاء باتشينو، كان بدأ يقبل على أفلام لا يتمناها المرء له، مثل Gigli وThe Recruit وRighteous Kill. لكنه في الوقت ذاته لم يقل لا، لأفلام ذات قيمة فنية ودرامية عالية مثل «تاجر البندقية» (The Merchant of Venice) و«سالومي» (Salomi) الذي قام بإخراجه بنفسه.
بعد تلك الفترة داوم على التنويع بين الجيد والرديء، من دون أن يخسر تلك الكاريزما التي تميّزه لليوم. وحين ذكر اسمه علناً، فإن الصورة الماثلة في البال هي أدواره في أجزاء فيلم «العرّاب» الثلاثة، ودوره في فيلم Heat مع روبرت دي نيرو و«طريقة كارليتو» لبريان دي بالما، وسواها الكثير.