دينا الشربيني وشريف سلامة في «كامل العدد»
أزمة حقيقية تعيشها الدراما المصرية في السنوات الأخيرة، ليس على مستوى الإنتاج أو الفنيين، من مخرجين أو مصورين، أو حتى على مستوى الأداء التمثيلي، لكن الأزمة الحقيقية في الكتابة للدراما، خصوصاً بعد الاعتماد على «ورش الكتابة» بشكل أساسي، التي باتت تعتمد على نقل فورمات، تركي أو أجنبي، وتقديمه في إطار مصري، أو اللجوء إلى أحد الأفلام السينمائية القديمة، وإعادة تقديمه في صورة مسلسل، وهي حالة تنذر بخطر حقيقي، غير أن الخطر الأهم والأكبر عدم الاعتراف بوجود مشكلة.
يحيى الفخراني في مشهد من مسلسل «عتبات البهجة»
يؤكد عدد من النقاد وبعض صنّاع الدراما، أن هناك محاولة لإصلاح هذا الخطأ، من خلال بعض المحاولات الفردية التي تقدم على استحياء، باللجوء من آنٍ إلى آخر، إلى بعض الروايات الأدبية، مثلما حدث في الموسم الرمضاني الأخير 2024، حيث ظهر عملان مأخوذان عن روايتين، الأولى «عتبات البهجة» للكاتب إبراهيم عبد المجيد، التي قدمت في 15 حلقة، كتب لها السيناريو والحوار مدحت العدل، ومن إخراج مجدي أبو عميرة، والثانية رواية «إمبراطورية ميم» للكاتب الراحل إحسان عبد القدوس، وقدمت في 15 حلقة بالاسم نفسه، كتب لها السيناريو والحوار محمد سليمان عبد المالك، وأخرجه محمد سلامة، وهي الرواية نفسها التي سبق وقدّمها المخرج حسين كمال في عام 1972، عن سيناريو وحوار الأديب العالمي نجيب محفوظ، الذي حول بطل الرواية إلى سيدة، لعبت دورها سيدة الشاشة العربية. ويؤكد الكثيرون، إن هناك تشابهاً إلى حد كبير مع فكرة «كامل العدد»، الذي قدم الموسم الأول منه العام الماضي، والموسم الثاني هذا العام «كامل العدد بلس 1»، بطولة دينا الشربيني، وشريف سلامة، تأليف رنا أبو الريش، ويسر طاهر، وإخراج خالد الحلفاوي.
مصطفى شعبان وعبد العزيز مخيون في مشهد من مسلسل «المعلم»
في الوقت نفسه، كان الفنان مصطفى شعبان، أعلن في وقت سابق، عن تعاقده على بطولة مسلسل «حتى لا يطير الدخان»، عن رائعة الروائي الكبير إحسان عبد القدوس، والتي حوّلها إلى السينما السيناريست مصطفي محرم، والمخرج أحمد يحيى عام 1984، ولعب بطولتها الزعيم عادل إمام، غير أن المشروع توقف واختار شعبان أن يقدم في موسم رمضان الأخير مسلسل «المعلم»، أمام سهر الصايغ، منذر ريحانة، وأحمد فؤاد سليم، تأليف محمد الشواف، وإخراج مرقس عادل، والذي تناول الثيمة نفسها التي سبق تقديمها في فيلم «شادر السمك»، الذي قدمه المخرج علي عبد الخالق عام 1986، عن قصة نبيل نثار، سيناريو وحوار عبد الجواد يوسف، ولعب بطولته النجم الراحل أحمد زكي.
غادة عبد الرازق في مشهد من مسلسل «صيد العقارب»
كذلك مسلسل «صيد العقارب»، الذي كتبه باهر دويدار، وأخرجه أحمد حسن، في إشارة إلى أنه معالجة تلفزيونية لفيلم «عصر القوة»، الذي قدمه المخرج نادر جلال عام 1991، المأخوذ في الأساس عن رواية «العرّاب» للكاتب الأمريكي ماريو بوزو، والتي قدمت في فيلم بعنوان «الأب الروحي»، للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، سيناريو كوبولا وماريو بوزو، ولعب بطولته مارلون براندو، وآل باتشينو، فيما كتب السيناريو والحوار للفيلم المصري «عصر القوة»، السيناريست بشير الديك، ولعبت بطولته الفنانة نادية الجندي.
نضال الشافعي في مشهد من مسلسل «جري الوحوش»
أيضاً قدم خلال موسم رمضان مسلسل «جري الوحوش»، وهو مأخوذ عن الفيلم الشهير بالاسم نفسه، الذي قدمه الكاتب الراحل محمود أبو زيد، والمخرج الراحل علي عبد الخالق، في عام 1987، ولعب بطولته النجوم الكبار، نور الشريف، محمود عبد العزيز، وحسين فهمي، ليتم تقديمه في 30 حلقة خلال موسم الدراما الأخير خلال شهر رمضان، عن سيناريو وحوار أحمد صبحي عبد الخالق، وقام بإخراجه عبد العزيز حشاد، من بطولة نضال الشافعي، محمود حجازي، ومحمود عبد المغني.
ظاهرة محفوفة بالمخاطر ومجازفة
الظاهرة ليست جديدة، فقد قُدمت على مدار السنوات الماضية العديد من المسلسلات المأخوذة عن قصص أفلام سينمائية، مثل «الباطنية، سمارة، العار، الكيف، الزوجة الثانية، ردّ قلبي، ونحن لا نزرع الشوك، الطوفان، لا تطفئ الشمس...»، وجميعها كانت في الأصل أفلاماً وتحوّلت إلى مسلسلات، غير أنها لم تحقق النجاح الذي حققته الأفلام السينمائية، ورغم ذلك لم يكن هذا سبباً في التراجع عن هذه الظاهرة، حتى باتت تمثل خطراً حقيقياً على صناعة الدراما.
الأمر يؤكد فقر الأفكار في النصوص الدرامية، وهناك حالة من الاستسهال في الدرام
في هذا الشأن، يقول المخرج محمد النقلي، إن إعادة تقديم الأفلام القديمة ليس أمراً جديداً في مصر، وإن كان دائماً محفوفاً بالمخاطر، وفيه مجازفة، لأنه غالباً ما يتعرض لانتقادات كبيرة، ويضيف «أنا شخصياً قمت بعمل هذه التجربة في تحويل بعض الأعمال السينمائية إلى أعمال تلفزيونية، منها فيلم «الباطنية» للفنانة نادية الجندي، والذي قدمته تلفزيونياً الفنانة غادة عبد الرازق، وأيضاً فيلم «الإخوة الأعداء» الذي عرض عام 2012 للنجم صلاح السعدني، وأحمد رزق، وفتحي عبد الوهاب، وهو مأخوذ عن رواية «الأخوة كارامازوف»، والتي قدمت للسينما في فيلم «الإخوة الأعداء». أيضاً قدمت مسلسل «سمارة» عام 2011 للفنانة غادة عبد الرازق تأليف مصطفى محرم، والمأخوذ عن فيلم سمارة للفنانة تحية كاريوكا، الذي جاءت معالجته الدرامية مغايرة بشكل كبير لأحداث الفيلم.. هذه المسلسلات لم تكرر نجاح الأفلام السينمائية نفسه، لكنها صنعت لنفسها نجاحاً جديداً بمعالجات مختلفة».
وفي رأي الناقد والسيناريست سمير الجمل، أن إعادة الأفلام السينمائية إلى مسلسلات درامية لم تنجح على مرّ السنين، فلا توجد أي تجربة أثبتت أنها قدمت أفضل من العمل الأصلي، ودائماً ما تكون باهتة، وتعتمد مثل هذه التجارب على كونها فكرة تجارية بحتة، فالتلفزيون أصبح له جاذبية بشكل جديد، ومختلف، ما جعل أصحاب هذه التجارب يعتقدون أن نجاح الفيلم، قد يحقق النجاح مسبقاً، جاذبية العمل الأصلي.
ويوضح «البعض يعتقد أن هذه الأعمال ستنال إعجاب الجمهور، لكن في واقع الأمر أنه عندما تحدث المقارنة غالباً ما تكون في مصلحة العمل الأصلي، ولا أستطيع تذكّر استثناءات نجح فيها المسلسل عن الفيلم، أو حتى النجاح نفسه، فالأمر خطر، ويؤكد فقر الأفكار في النصوص الدرامية، وهناك حالة من الاستسهال في الدراما، والقفز على أعمال سابقة حققت نجاحات راسخة، ولابدّ من وقفة من صنّاع الدراما ومراجعة الذات».
ريهام حجاج في «صدفة»
ثلاثة عناصر للنجاح
أما السيناريست أيمن سلامة، الذي قدم في الموسم الرمضاني مسلسل «صدفة» للفنانة ريهام حجاج، وحقق نجاحاً كبيراً، فيرى من وجهة نظره أن نجاح، أو فشل عملية إعادة إنتاج الأفلام السينمائية الناجحة، يعتمد على ثلاثة عناصر، أولاً حرفية الكاتب ومدى تمكّنه من أدواته وقدرته على تطوير الأفكار، وتناولها من زوايا جديدة، مع ضرورة عدم الوقوع في أسر العمل الأصلي، مهما كان ناجحاً، ثم يأتي ثانياً، قدرة المخرج على الإبداع في تقديم عمل بنكهة مختلفة عن العمل الأساسي، ثم أخيراً موهبة الممثلين، وخبراتهم، ومدى قدرتهم على عدم السقوط في فخ تقليد الفنانين الذين قدموا العمل من قبل، وأن تكون لهم بصمتهم الخاصة. لكن من المهم جداً البحث عن أفكار جديدة لمشاكل وهموم معاصرة موجودة في المجتمع، لأنه من المهم جداً أن يستشعر المؤلف نبض الشارع، ويعرف احتياجاته.
خالد النبوي في مشهد من مسلسل «إمبراطورية م»
إعادة الأفلام القديمة «إفلاس فكري»
وترى الناقدة خيرية البشلاوي، أن فكرة إعادة تصنيع الأفلام القديمة وتحويلها إلى مسلسلات عملية «فاشلة»، وتندرج تحت مسمى «الإفلاس الفكري»، وفقر الخيال، وتضيف «هذا الأمر نوع من الاستسهال في الكتابة، وغياب للرسالة المهمة الموجهة للجمهور في كل بيت، لأن هذه الأعمال تدخل كل البيوت، فالحياة حولنا مملوءة بالموضوعات، والقضايا، والمشاكل المعاصرة، فضلاً عن أن لدينا كمّاً كبيراً جداً من الأعمال الأدبية لكبار الروائيين، وأغلبها صالحة لتقديمها في أعمال درامية، ولدينا تجارب ناجحة ومهمة تؤكد ذلك».
وتواصل «للأسف، هناك نوع من الاستهتار بعقول المشاهدين واحتياجاتهم، فالمجتمع مملوء بالتحديات والقضايا المهمة التي تحتاج إلى معاجلة درامية، فالمواطن المصري يحتاج إلى تقويم وملء للعقول، بدلاً من الفراغ والتسطيح، لكن ما يحدث نوع من تخلّي الكتّاب عن مسؤولياتهم في طرح قضايا مهمة للجمهور. وهناك تراجع وتفريط في حق الدراما المصرية، رغم وجود كتاب مهمين لديهم مشروعهم الدرامي المهم، ومخرجين على مستوى عال جداً، إلا أن هناك خللاً واضحاً، لأن العمل أصبح يبدأ بالممثل النجم، فضلاً عن الاعتماد بشكل أساسي على فكرة «ورش الكتاب» حتى يسهل تحكم النجم في كتاب الورش، ما يجعل بصمة الكاتب مفقودة. لذلك لا بديل عن عودة دور الكاتب، كأهم بداية في تقديم عمل درامي مميز».
* إعداد: نادية سليمان