صفعة واحدة فقط، من صديق لصديقه المُقرّب، أدّت إلى أن يفقد جزءاً من عظام منطقة الرأس، وأن يُدخل غرفة العمليات لتبدأ الإجراءات الجراحية العاجلة التي انتهت بإنقاذ حياته، فيما خلّفت «الصفعة» تشوّهات، وعاهة مُستديمة لدى المجني عليه.
«كل الأسرة» اطّلعت على «قصة هذه الصفعة» وسببها، وما حدث من وقائع أدّت إليها، ومصير الصديقين، من تفاصيل القضية التي نظرتها المحكمتان، الابتدائية، ثم الاستئناف، في دبي.
تعود تفاصيل القصة إلى أن الصديقين يعملان سوية في الشركة نفسها، ويعرف الكثير من العاملين معهما مدى قربهما من بعضهما بعضاً لدرجة أنهما يقضيان معظم وقتيهما معاً.
في يوم الواقعة، انتهى الاثنان من عملها اليومي، وخرجا ليتجوّلا في المنطقة التي يقطنان فيها، ثم عرض أحدهما على الآخر فكرة شراء مشروبات كحولية ليتناولاها قبل عودتهما إلى مقر سكنهما.
بالفعل، اشترى الاثنان الكحول، وعادا سيراً على الأقدام إلى مقر سكنهما في إحدى المجمعات السكنية، وعند اقترابهما من البوابة الرئيسية، جلسا يشربان ما اشترياه من كحول، فيما كان حارس البوابة يشاهدهما عن كثب.
اندلاع مشادة كلامية بين الصديقين
بشكل مفاجئ، اندلعت مشادة كلامية بين الصديقين وارتفع صوتهما ليقدِم أحدهما على الوقوف وصفع الآخر على وجهه حتى سقط على الأرض، فيما حضرت سيارة الإسعاف مُسرعة نحو المكان، وأخذت الصديق الذي تعرّض للصفع بشكل عاجل إلى المستشفى.
كان هذا الصديق في حالة خطرة، فقد أكد تقرير الطب الشرعي الذي فحصه «إنه تعرض إلى ندبة جراحية في يسار فروة الرأس مع فقد للعظم في منطقة الرأس، وشق جراحي أسفل منطقة العنق».
يؤكد التقرير أن «إصابة المجني عليه ذات طبيعة رضية تحدث من المصادمة بجسم، أو أجسام صلبة راضّة، وتتوافق حدوثها نتيجة اعتداء، وأنها مما يُشفى في أكثر من عشرين يوماً، وقد تخلّف عاهة مستديمة».
المجني عليه: فقدت الوعي ولا أتذكّر شيئاً
المجني عليه الذي استفاق بعد العملية الجراحية، قال في إفادته في التحقيقات حول ما يتذكره «إنه وصديقه اشتريا الكحول، ثم رجعا إلى مقر سكنهما، وقبل أن يدخلا إليه، جلسا بالقرب من السكن، وقاما باحتساء المشروبات الكحولية بحضور شخصين آخرين»، مُضيفاً: «بعد ذلك كنت أرغب في الدخول إلى السكن، فرفض حارس الأمن إدخالي، وبعدها تعرّضت لضربة على رأسي، ومن ثم فقدت الوعي، ولم أعرف ما حدث».
حارس السكن: صديقه صفعه وهرب
وفق روايته، لم يكن المجني عليه على معرفة بمن أقدم على صفعه، لكن حارس مقر السكن الذي كان قريباً شاهد صديق المجني عليه وهو يصفعه، وقدم بلاغاً إلى الشرطة وطلب سيارة الإسعاف.
يروي الحارس ما حدث قائلاً «أبصرت الجاني وهو يقوم بصفع المجني عليه على وجهه، فسقط الأخير على الأرض، وتعرّض لإصابة بليغة في منطقة رأسه، وعندها هرب المتهم من المكان، وترك صديقه على الأرض».
الجاني: ضربته لأنه احتسى كل الخمور
بعد بلاغ الحارس، ونقل المجني عليه إلى المستشفى، تمكنت الجهات الشرطية من إلقاء القبض على الصديق الجاني حيث روى ما حدث فعلاً بينه وبين صديقه المجني عليه، فقال «كنّا نحتسي الخمر، ولأنه قام باحتساء كامل كمية الخمور التي كانت بحوزتنا، حصلت مشادة كلامية بيننا، قُمت على إثرها بتوجيه صفعة على وجهه فسقط أرضاً، وارتطم رأسه بحجر صلب (إنترلوك)، ما تسبب بإصابته البليغة وخروج الدماء من رأس، وعندها فررت هارباً».
يشدد الصديق الجاني على أنه لم يكن يقصد من خلال صفعه لصديقه أن تحدث هذه النتيجة الكارثية، والإصابة الصعبة التي كادت أن تُفقده حياته.
10 سنوات سجناً
رفعت النيابة العامة في دبي لائحة اتهام بحق الصديق الجاني إلى المحكمة الابتدائية في دبي، بتهمة «الاعتداء على سلامة جسم المجني عليه، وذلك بقيامه بصفعه على وجهه ليسقط، ويرتطم رأسه الأرض، ويفضي الاعتداء إلى إصابته بإصابات خلفت عاهة مُستديمة من دون أن يقصد إحداثها، وكان ذلك تحت تأثير حالة السّكر».
طالبت النيابة العامة بمعاقبة الصديق الجاني عملاً بالمادة 389 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 31 لسنة 2021 بإصدار قانون الجرائم والعقوبات، والتي تنصّ على أنه: «يعاقب بالسجن المؤقت مدة لا تزيد على 5 سنوات من اعتدى على سلامة جسم غيره، بأية وسيلة، وأفضى الاعتداء إلى عاهة مستديمة من دون أن يقصد إحداثها، وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تزيد على 10 سنوات... إذا كان الجاني تحت تأثير حالة سكر، أو تخدير».
الضحية يُنقذ «الجاني»
بناء على هذا الاتهام، قد ينال الجاني عقوبة تصل إلى السجن 10 سنوات، إلى جانب الإبعاد عن الدولة لتورطه في قضية جنائية، لكن صديقه «المجني عليه» أسهم، رغم ما تعرض له أذى، في إنقاذه من العقوبة حيث قدم تنازلاً موثقاً من كاتب العدل عن القضية.
أخذت المحكمة الابتدائية الجاني بالرأفة والرحمة في ظل ظروف وملابسات القضية، وفي ظل تنازل المجني عليه عن القضية نتيجة الصداقة المُقرّبة، وقضت بتغريمه مبلغ 5 آلاف درهم، وأيّدت محكمة الاستئناف الحكم وقررت إيقاف تنفيذه لمدة 3 سنوات، فيما كادت «صفعة واحدة» أن تغيّر مصير الصديقي للأبد، لو حدثت وفاة للمجني عليه جرّاءها.