توجّهت بعثة الحج الرسمية للدولة إلى الأراضي المقدسة بجاهزية تامة، تضمن جودة ونوعية الخدمة المقدمة لجميع الحجاج.
وفي هذا السياق، يندرج ملتقى «حجاج الإمارات» الذي نظّمه مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بالتعاون مع الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف تحت شعار «معاً.. نروي محطات الحج الإيمانية»، ضمن أهداف تعزيز وعي الحجاج بالأحكام والفتاوى، ذات الصلة بمناسك وشعائر الحج والعمرة، والتجليّات السامية لهذه الرحلة المباركة.
وإذ تتنوع تجليّات الحج بين الروحي والاجتماعي، فإن هذه الفريضة الواجبة على كل مسلم مقتدر، تشكل تجربة إيمانية للتقرب إلى الله عز وجل، من ناحية، كما تمثل فرصة لتلاقي المسلمين من أقطار العالم، ومن مختلف الأعراق والجنسيات، وتجسد تحت لوائها روح المساواة، والتواضع.
جانب من ملتقى «حجاج الإمارات»
وكان الملتقى الذي زخر بشخصيات دينية جليلة قد تطرق إلى محطات ومسارات هذه الرحلة المباركة، حيث توقف الدكتور عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة، عند «محطات الحج»، وهي:
المحطة الأولى: مطايا الخيرات والقربات
وتتم بالتزود الإيماني لأداء هذه الفريضة، وإعمار الأوقات بأعمال الطاعات، لتحقيق معاني العبودية المقصودة من المناسك. فالصلاة في تلك الأماكن مضاعفة، ومن استطاع الصيام فليصُم، ومن استطاع التصدق فليُكثر من ذلك عبر وسائله الرسمية في الدولة، وليكن المصحف الرفيق المؤنس في الحِلّ والترحال، كما الإكثار من الأدعية والأذكار.
المحطة الثانية: مرافئ الالتزام والانضباط
أساس نجاح هذه الرحلة الإيمانية ووصولها إلى بَر الأمان والسلام، هو الالتزام بالتنظيمات والتعليمات، والتنسيق مع الفرق المسؤولة المشرفة، من الأطقم الإدارية والحملات، وتنظيم التفويج، منذ الانطلاق في المرحلة الأولى من المطار، وركوب الطائرة، والإحرام من الميقات، والنزول في المكان المخصّص للحجيج بمكة، والشروع في الطواف والسعي، والتفويج في اليوم الثامن يوم التروية إلى منى، والنزول في مخيمات الدولة، والذهاب صبيحة اليوم التاسع إلى عرفة، والرجوع ليلاً إلى مزدلفة للمبيت فيها، وصولاً إلى يوم الحج الأكبر، وما يختص به هذا اليوم المبارك من رمي الجمرة الكبرى في منى، والحلق والهدي، وطواف الإفاضة بمكة، ثم التحلل من الإحرام بارتداء اللباس العادي، والرجوع إلى منى للمبيت فيها أيام التشريق، ورمي الجمرات: (فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتقى)، ثم ختم هذه المحطة بطواف الوداع.
المحطة الثالثة: رواحل المعرفة المتوفرة
لجهة توافر فريق كامل مجهز لتلبية طلبات الحجاج، والإجابة عن استفساراتهم وخدمتهم، وتوفير جميع المعلومات المطلوبة إذ يرافق مكتب شؤون حجاج الدولة فريق شرعي من العلماء، وفريق صحي مكون من الأطباء، وفريق آخر خاص لخدمة الحجاج ومتابعة أمورهم.
نجاح هذه الرحلة الإيمانية يرتكز على الالتزام بالتعليمات وتجسيد أخلاقنا وقيمنا، والتمسك بأشرعة التيسير والسماحة، ليكون الحاج سفيراً لبلده
المحطة الرابعة: سفن القيم
فكل شخص منا سفير لوطنه، وفي موسم الحج يجب أن تظهر هذه القيمة المتمثلة في أخلاقنا، ومعاملاتنا، مع بعضنا بعضاً، ومع جميع الحجاج الآخرين، فنحرص على التحلّي بالصّبر، والتحمّل، والتسامح، والرفق، وتجنّب الغضب، والانزعاج، وغضّ الطرف عن بعض التقصير إن حدث، والابتعاد عن الخلاف والجدال: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).
المحطة الخامسة: مراكب الصّعاب والطّباق
يتم ذلك بتوطين النفس على بعض ما قد يحدث من الصعوبات والمشاق، فالترفّه والتوسع والكماليات في المركب، والملبس، والنوم، ليس هذا موطنها، بل هذا مكان العبادة. فقد يواجه الحاج زحمة، وقد تتأخر عنه وجبة، وقد يمشي على أرجله مسافة، وهذا المعنى قد غرسه النبي، صلّى الله عليه وسلّم، في صحابته، وعلّمه زوجه سيدتنا عائشة في رحلة الحج حين قال لها: (ولكنها -أي العمرة- على قدر نفقتك أو نصبك).
المحطة السادسة: أشرعة التيسير والسماحة
فالتيسير ورفع الحرج أصل أصيل في أحكام الحج، فلا تشدّدوا على أنفسكم بالبحث عن آراء شاذة، وفتاوى مبتورة، (فلن يشادّ الدين أحد إلا غلبه)، عليكم بالنظر إلى مختلف الاعتبارات، فصحة الأبدان مقدمة على كل نسك، فالتوكيل والنيابة أمر مشروع، و(افعل ولا حرج)، مبدأ النسك والحج، حرصاً على موافقة الهدي النبوي، والعمل بمقاصد الشرع.
ولكون الحج ركناً جامعاً من أركان الإسلام، وطريقاً إلى الجنان، فقد تطرّق الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى أبوظبي للسلم، إلى حِكَم الحج، وأحكامه، وفضائله، لافتاً إلى:
أولاً: مظهر العالمية الذي يتجلى بأنصع صوره، إذ تتجمع أعداد هائلة تقدّر بالملايين من كل الجنسيات، تتكلّم كل اللغات، وتمثل كل الأعراق والألوان، لا يجمعها إلا رباط الإيمان، وهدي الإسلام.
ثانياً: مظهر الألفة والوحدة التي تتجاوز العصبيات القومية، والخلافات المذهبية، والاختلافات الثقافية.
إنها وحدة تتمظهر في وحدة الشعور، والشعار، والمشاعر، والشعائر. إنها ألفاظ أربعة مشتقة من جذر واحد هو جذر «شعر».
فما هو مرادنا بهذه الألفاظ «المصطلحات» وما علاقتها بالحج؟
ثالثاً: المساواة التي تذوب فيها الامتيازات؛ إن هذه المعاني تعمّق لدى المسلم الشعور بالتضامن والتعاون مع إخوانه، ولكنها تنطبع في ذهنه أيضاً صورة للوحدة الإنسانية على حقيقتها، فيعود بشخصية إيمانية ملؤها التواضع، وحب الخير للآخرين.
هناك مفسدات تبطل الحج لأنها منافية للصحة ومفسدات لا تنافي الصحة ولكنها تنافي القبول
ويوجز رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بالقول: «فالحج فُرض مرة واحدة في العمر، ولذلك، فإن المسلم وهو يؤدي هذه العبادة يجب أن يكون حريصاً على سلامتها من الشوائب، والمنغصّات، والمفسدات والمُبطلات».
والمفسدات على نوعين: «مفسدات تفسد الحج وتبطُله؛ لأنها منافية للصحة. ومفسدات لا تنافي الصحة لكنها تنافي القبول، لأن الصحة لا تستلزم دائماً القبول».
وليضمن الحاج السلامة من المفسدات، عليه:
ويبقى القول إن الحج يمثل رحلة إيمانية وروحانية تذكّر الإنسان بالتقرب إلى الله، مع تواجده في نفس الأماكن التي سار فيها النبي محمد، صلّى الله عليه وسلمّ.
ولكون الحج يمثل فريضة واجبة على كل مسلم قادر مادياً، فإن جانباً مضيئاً آخر من المسيرة يتجلى مع إتاحة الفرصة لبعض الحجاج من ذوي الدخل المحدود، لأداء مناسك الحج.
واستهدفت جمعية الشارقة الخيرية، لهذا العام، 108 أشخاص من داخل الدولة، وخارجها، من ذوي الدخل المحدود، ضمن حملة تيسير حاج التي تستند إلى دعم المتبرعين، والمحسنين، وفاعلي الخير.
وقال محمد سُليم المنعي مدير إدارة المساعدات الداخلية، إن اللجنة العليا لحملة عيد الأضحى قد أقرت إيفاد 108 حاج من ذوي الدخل المحدود، لأداء فريضة الحج للمرة الأولى، في حياتهم، بواقع 61 شخصاً من داخل دولة الإمارات، إلى جانب 47 آخرين من مواطني كمبوديا، وبوركينافاسو، والفلبين، وإثيوبيا، وسيراليون، وإندونيسيا، وملاوي، وبنغلاديش، من خلال مكاتب الجمعية الإقليمية، وبالتنسيق والتعاون مع سفارات الدولة، لافتاً إلى أن كلفة الحاج الواحد تصل إلى نحو 20 ألف درهم، والسفر إلى الديار المقدسة سيكون كما في كل عام، من خلال الرحلات الجوية، تسهيلاً وتيسيراً على المشاركين في الحملة، وتوفير أماكن إقامة الحجاج في فنادق قريبة من الحرم المكّي.