يمكن للظلم أن يتحوّل من الشعور بالألم والحرقة إلى الوحشيّة، وأن يحوّل الإنسان من كائن مسالم إلى كائن عدواني يسعى للانتقام.
لقد استطاعت الدراما التركيّة «حرب الورود» ونسختها العربية «كريستال» نقل تأثير الظلم بمسلسل أبدعت فيه بطلتاه، وصوّرتا ولادة وحش حاقد أشدّ ظلماً وعدوانيّة ممن قتل براءته.
وبشكّل رائع صهر الظلم «فاي» ابنة الحارس وإعادة قولبتها لتصبح وحشاً يشعر بالمهانة والعجز والخوف، بحيث لا تحسب حساباً لردّة فعلها بعد أن انتهكت «علياء» حقوقها التي لم تكن تملك القوّة للدفاع عنها.
وبمرور الوقت، تتراكم المشاعر السلبيّة متحوّلة إلى دوافع عدوانيّة يتجاوز تأثيرها اضطرابات الاكتئاب والقلق وصعوبة النوم إلى رغبة في الانتقام.
ورغم أن أقلّ ما تحدثه حالات التوتّر المستمرّ أمراضاً، مثل ارتفاع ضغط الدم و مشاكل القلب وغيرها، كان أخطرها التحوّل المرعب الذي حفّز إنساناً مسالماً وبريئاً للسعي للانتقام بأي وسيلة ممكنة وتحقيق العدالة بنفسه بغض النظر عن الوسائل المستخدمة.
كان صراع البطلتين (فاي وعلياء) صراعاً غير متكافئ طبقيّاً، فهو بين «فاي» ابنة الحارس التي تقيم مع أبيها المستضعف وأخواتها الثلاث وزوج شقيقتها الكبيرة في كوخ في حديقة القصر الذي تسكنه علياء ويعملون جميعهم في خدمتها.
كانت علياء هي الابنة الوحيدة والوريثة -التي رغم مقاسمة ثروتها الفاحشة مع شقيقها- الأقوى والمسيطرة؛ بسبب إصابته بأمراض التلعثم وبطء الكلام وصعوبته، ولم تكن قادرة على مجرد التفكير بأن «فاي» ابنة الحارس يمكن أن تفوقها في موهبة تصميم الأزياء أو حتى في اقتناص أحبائها والإيقاع بهم.
أكملت «فاي» تعليمها الجامعي في تصميم الأزياء بمنحة من والد «علياء»؛ آملة بأن تحتضنها «علياء» وتأخذ بيدها..
لكن الأخيرة عرّضتها لأبشع أنواع الظلم والمهانة بشكل متكرّر جعلها لا تستطيع الفرار من شعورها بالعجز والضعف، زاده وقوع رفيق طفولة «علياء» الدكتور «جواد» في غرام «فاي» الخادمة المستضعفة؛ لتنقلب الحياة بين الاثنتين إلى معركة مؤامرات وخطط ومواقف مخجلة.
ونزعت «فاي» عن كتفيها معطف البراءة والتفتت ناحية «علياء» بروح وحش للانتقام، تنهش لحمها بقسوة وتنبش في ماضيها لتدفن نجاحها في مقبرة الظلم.
ومن إعجاب إلى رغبة في الانتقام، دافعت «فاي» عن حقوقها المنتهكة لاستعادة كرامتها وسعت جاهدة لسحق «علياء» ولتسقطها من قمة عرشها بلا رحمة.
لم تكن دراما «حرب الورود» مجرّد مسلسل للتسليّة لكنّه انعكاس لمجموعة من القضايا الاجتماعيّة والثقافيّة، مثل الصراع الطبقي والظلم و الطموح والانتقام..
هي موضوعات يتردّد صداها في المجتمعات وتفتح باب النقاش حولها وتشجع المشاهدين على التفكير في تأثير الصراعات الطبقيّة والطموحات الشخصيّة والانتهاكات الظالمة على الأفراد والمجتمع ككل.
ورغم أن التحوّلات الشخصيّة كانت أحيانًا مفاجئة وغير مبرّرة بشكل كافٍ في سياق القصّة، لكنّ الحبكة المعقّدة والشخصيّات المتعدّدة الأبعاد والأداء التمثيلي القويّ والإخراج المبتكر جعلوا من هذا المسلسل تجربة مشاهدة ممتعة ومثيرة وعملاً يستحقّ المتابعة والتحليل؛ كونه لا يعكس قضايا اجتماعيّة وثقافيّة مهمّة فقط..
بل يشجع على التفكير في تأثير الظلم والصراعات الطبقيّة والطموحات الشخصيّة على الأفراد والمجتمع، ومدى تأثير الظلم الفاحش على الأفراد وقدرته على إشعال النيران التي لا يخبو لهيبها أبداً.