لم تكن مجرّد جريمة قتل بشعة شهدتها إحدى المناطق بوسط القاهرة، لكنّها كانت صفعة وطعنة غدر من أقرب الناس، السند والحماية، أيّاً كانت المبرّرات أو الحجج التي تعلّل بها المتهم، فلا يوجد مبرّر منطقيّ من الممكن أن يدفع زوجاً وأباً لارتكاب جريمة بشعة بسبب الخلافات الأسريّة مع زوجته..
قلب هذا الزوج لم يكن من الحجارة أو الحديد، لكنّه كان بلا قلب من الأساس، تجرّد من كلّ معاني الرحمة والإنسانيّة.. لينتهي كلّ شيء في دقائق معدودات.
كان زواجها منه نقمة على حياتها، لم تتخيّل يوماً أن تتحوّل إلى جثة هامدة وتنتهي زهرة شبابها على يد زوجها وحبيبها التي ضحّت من أجله بالغالي والنفيس للفوز به. تلطّخت يد زوجها بالدماء بعد قتلها والمبرّرات كانت واهية..
حياة الزوجة الجميلة انتهت بأسرع ممّا توقعت، لم تشعر بعد العام الأول من الزواج بالسعادة، اكتشفت العروس سوء طباع زوجها وجشعه، واكتشف بمرور الوقت أنه تزوّجها ليكمل الشكل الاجتماعي، رغم أنها كانت بجانبه في كل خطوة من خطوات حياته..
كان الزوج يعتمد بشكل كبير على حبّ زوجته له، وثق فيها بشكل كبير، كان يأمر وينهي ويتحكم في كل شيء وهو يثق تماماً أنها لن تتركه مهما فعل، حياة صعبة عاشتها الزوجة حتى ثارت الزوجة لكرامتها بعد معاناتها مع زوجها.
فتش عن أصدقاء السوء
كانت حياتهما معاً تسير بشكل طبيعي، أثمر زواجهما عن وجود طفلين في منتهى الجمال والبراءة، لكن يبدو أن حياة الترف والرفاهية التي عاشها الزوج مع زوجة تلبّي له كل طلباته، جعلته ينسى الأيام الصعبة التي مرّا بها في بداية الزواج إلى أن تمكّنوا من تجاوز كل المطبّات الصعبة التي واجهتهم ووصلت بهما إلى شاطئ الأمان..
تعرف إلى مجموعة من أصدقاء السوء، نجحوا في تغيّير حياته إلى الأسوأ، أدمن المخدرات والخمر وسهرات الفرفشة، كان عنده من اليقين والاطمئنان لأحوال بيته وزوجته ما جعله يتمادى في أخطائه وتجاوزاته، إلى أن بدأت أحواله في التغيّر وأصبحت تجارته في خسارة دائمة بعد أن أهملها وتفرّغ لسهرات المزاج.
شعرت الزوجة رويداً رويداً أن زوجها لم يعد هو نفس الرجل الذي أحبّته وتزوّجته، سلوكياته تغيّرت كثيراً، ابتعد عنها، شعرت بحسّ الأنثى أنه أصبح لا يبالي بالبيت ولا بأطفاله، حاولت كثيراً أن تثنيه عمّا يفعله، حاولت أن تبعده عن طريق الحرام..
لكن يبدو أن الشيطان والمخدرات وأصدقاء السوء اتفقوا على إبادته تماماً، لم يستمع لنداء العقل، حتى عندما كان يعد زوجته بالتغيير لا يلبث سوى أيام قليلة، بعدها سرعان ما يعود إلى سهرات المزاج.
خراب البيت بسبب المخدّرات
قسا الزوج على زوجته كثيراً، كانت تشعر أنّها في مرتبة متأخرة في الترتيب بعد سهراته الصاخبة، شعرت أنها تحوّلت إلى مربيّة فقط لا غير وليست زوجة بالمعنى المعروف، المخدّرات تلاعبت برأسه، ولأول مرة امتدّت يده لضرب زوجته عندما طلبت منه مالاً للإنفاق على البيت وعلى طفليهما..
وعندما وصلت الحياة بينهما لطريق مسدود وساءت الأحوال الماليّة للزوج، لم تحتمل الزوجة رؤية زوجها وهو مخمور كل يوم وقرّرت التمرّد على زوجها، تبدّلت أحوال عش الزوجيّة الهادئ من سيّئ إلى أسوأ، وتبدلت حياة السعادة التي كانت ترفرف على بيت الزوجية إلى حياة قاسية لا تخلو من النكد والخلافات الزوجيّة العنيفة.
الليلة الأخيرة قبل المأساة
عاد الزوج في إحدى الليالي المظلمة وطلب من زوجته أن تُقرضه بعض الأموال من ميراثها من والدها بعدما ساءت أحواله الماليّة كثيراً، لكنّها رفضت بشدة هذا الكلام شكلاً ومضموناً، وما زاد الأمور تعقيداً قيام الزوجة بحزم حقائبها..
مؤكّدة أنها ستذهب إلى منزل عائلتها وفي انتظار ورقة طلاقها، رفض الزوج هذا الكلام وهدّد زوجته أنه لن ينفّذ لها طلباتها، المشادة بين الطرفين تطوّرت بقوّة ما دفع الزوجة لتهديد زوجها بأنها ستقيم دعوى خُلع ضدّه للضرر، مؤكّدة أنها ستقدّم للمحكمة ما يفيد أنه أصبح عاجزاً وغير قادر على أداء واجباته الزوجية.
بالإضافة إلى أنّها ستطالب بعمل تحليل مخدّرات له، كانت كلمات وتهديدات الزوجة واضحة وصريحة، إمّا الطلاق في هدوء بعد استحالة العِشرة بينهما، أو الخلع والفضيحة أمام كل الناس والعائلة والأقارب.
حرق الأخضر واليابس
انتابت الزوج لحظات هستيريّة، قام بضرب زوجته بشدّة وتقييدها بالحبال وسط صراخ الأطفال، ثم قام بإشعال النيران في منزل الزوجيّة بالكامل وفي داخله الأطفال، ثم خرج مسرعاً من المنزل وترك زوجته وأطفاله يواجهون مصيرهم المحتوم.
تجمّع الأهالي بعد انبعاث رائحة الدخان من شقة جارهم ثم ما لبث أن شاهدوا ألسنة اللّهب تتصاعد من داخل الشقة، حاول الأهالي التدخّل لكنّ شدّة النيران حال دون تدخلهم، ما دفعهم لطلب كل من شرطة النجدة ورجال الإسعاف ورجال الحماية المدنية.
حاول رجال الإنقاذ التدخل للحيلولة دون وقوع إصابات بين أفراد الأسرة الصغيرة، لكن بعد فوات الأوان، فعندما تمّت السيطرة على الحريق كانت الزوجة وطفلاها قد فارقوا الحياة بسبب الاختناق الشديد.
تم تحرير محضر بالواقعة، وأثبتت التحرّيات أن الزوج هو المتّهم الأول في هذه الجريمة، كما تبيّن أن الوفاة ليست طبيعيّة أو قضاء وقدر، تمّ إعداد مأموريّة أمنيّة لسرعة القبض على الزوج، الذي اختفى بعد ارتكابه الجريمة إلى أن تمّ العثور عليه مختبئاً في شقة أحد أصدقائه.
أثناء القبض عليه لم يبدِ أيّ مقاومة تذكر، فقط كان يبكي بشدة وهو يردّد إن أصدقاء السوء وراء ما حدث له، مؤكّداً أن المخدّرات لعبت برأسه ولم يشعر بنفسه بعدما فقد كل شيء وسيطر الشيطان على أفعاله.
تم إحالة المتّهم إلى النيابة العامة التي وجّهت له تهمة القتل العمد ومحاولة تضليل العدالة، حيث أمرت النيابة بحبسة 4 أيام على ذمة التحقيقات الجارية معه وانتظار تقرير الطب الشرعي بعد تشريح جثث المجني عليهم، تمهيداً لإحالته إلى محكمة الجنايات.
إعداد: كريم سليمان
اقرأ أيضاً: جريمة بشعة.. شاب يقتل والديه بسبب المخدّرات