د. سلامة الرحومي: التنمر ظاهرة تستدعي الإبلاغ والمواجهة والاحتضان
بين المتنمر والمتنمَر عليه، والأسرة والمدرسة، حلقة وصل لا يمكن قطعها؛ لكون ظاهرة التنمر ترخي بثقلها، نفسياً واجتماعياً وأكاديمياً، على واقع الطالب المدرسي وتقوده إلى جملة آثار سلبية تترتب على أدائه الأكاديمي والسلوكي..
ولعل الخطوات المتتالية التي تطلقها الجهات الرسمية في الدولة سواء جهات تربوية أو أسرية أو اجتماعية، هي نتاج تجربة رائدة في محاربة التنمر بكافة أشكاله.
د. سلامة الرحومي
وفي هذا الصدد، تؤكد الدكتورة سلامة الرحومي، أستاذ مساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة، وهي عميدة شؤون الطالبات، على أهمية البرامج التوعوية التي تستهدف كافة أطراف معادلة التنمر وأهمية التشريعات المواكبة للتنمر الإلكتروني.
وكانت د. الرحومي أحد المشاركين في دراسة مع مجموعة من الأكاديميين حول «دراسة التنمر لدى طلبة المدارس في إمارة الشارقة»..
ويسلط حوارنا معها الضوء على أبعاد التنمر وأشكاله وتداعياته السلبية على الطالب والمجتمع المدرسي:
ما الدوافع الرئيسية التي يمكن أن تقود أكاديميين لتخصيص دراسة عن التنمر في مدارس الإمارات؟
تعتبر ظاهرة التنمر ظاهرة عالمية وقد انتشرت في جميع المجتمعات، كما زادت معدلاتها في مجتمع الإمارات بين طلاب المدارس، وكذلك ظهر التنمر الإلكتروني.
وبالتالي، فإنّ هذه الظاهرة تتطلب إجراء دراسة ترصد واقع التنمر في المجتمع المدرسي؛ لتعزيز الوعي حول تلك القضية ورصد تأثيراتها السلبية على الطلاب والمجتمع المدرسي..
كما إيراد الحلول على صعيد تحسين البيئة المدرسية والتعليمية عبر البرامج والقوانين التي تحكم فئة المتنمرين، دون إغفال إيلاء الاهتمام لدعم الطلاب المتضررين من التنمر.
ومن المهم إيراد أن النسب التي أفرزتها الدراسة (دراسة التنمر لدى طلبة المدارس في إمارة الشارقة) تلمست عمق المشكلة حيث تبين أن ثلث الطلبة 33.3% كانوا طرفاً في واقعة تنمر، وهذا الثلث توزع على 14.2% وهي نسبة الطرف المتسبب في التنمر، في حين يتلقى 19.1% من الطلبة فعل التنمر.
وبالفعل، نصّت توصيات الدراسة التي أجراها كل من الدكتور أحمد فلاح العموش، أستاذ علم الاجتماع التطبيقي في جامعة الشارقة، والدكتورة موضي الشامسي، رئيس إدارة مراكز التنمية الأسرية، وأميمة العاني، من إدارة الدراسات والمعرفة في إدارة مراكز التنمية الأسرية، على إيلاء ظاهرة التنمر اهتماماً أكبر..
تكثيف الرقابة في المرافق العامة للمدرسة وساحات المدارس والممرات خلال استراحة الطلاب، إلى تفعيل دور الإرشاد التربوي في المدارس وتدعيم الجانب التوعوي بكافة السبل، إلى غيرها من التوصيات التي تضع الإصبع على تحديد العوامل المؤدية للتنمر واتخاذ الإجراءات الوقائية لمعالجة هذه الظاهرة والحد من تفاقمها.
مشكلات نفسية ودراسية بسبب التنمر
كيف يؤثّر التنمر على التحصيل الدراسي والصحة النفسية للطلاب؟
التنمر يُولّد لدى الطلاب الكثير من المشكلات النفسية التي تؤثر على تحصيلهم العلمي والدراسي، فقد يُسبِّب التنمر للطالب الشعور بالقلق والتوتر، ما يؤثر على تركيزه داخل المدرسة..
كما أن بعض الطلاب قد يكون معرضاً للاكتئاب، وهي حالة تستدعي تدخلاً في مجال الدعم النفسي والطبي، وكذلك يميل الطلاب الذين يتعرّضون للتنمر، في غالب الأحيان، إلى العزلة والابتعاد عن إقامة صداقات مع أقرانهم في المدرسة.
بالإضافة إلى كون بعض حالات التنمر قد تترافق مع اضطرابات في النوم والطعام لدى فئة من الطلبة، وكل تلك المشكلات تؤدي إلى تراجع الأداء الأكاديمي للطلاب وعدم انخراطهم في الأنشطة المدرسية.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الأسرة في مكافحة ظاهرة التنمر في المدارس؟
دور الأسرة يكمن في غرس الثقة عند الأبناء وجعل شخصيتهم قوية وتعزيز تقديرهم لذاتهم، أن يكون الآباء قريبين جداً من أبنائهم، كما يجب توعيتهم بما يجب عليهم القيام به عند تعرضهم للتنمر.
فمن الضروري جداً توعية أطفالنا بمخاطر التنمر وتعليمهم كيفية التصدي له بالطرق السلمية البعيدة عن العنف، وتحذيرهم من إخفاء أمر تعرضهم للتنمر خوفاً من المتنمرين.
وكذلك حثهم على التحدث مع الأهل والمعلمين عند تعرضهم لأي شكل من أشكال التنمر، وكل هذه الخطوات كفيلة في الحد من التنمر وإيجاد بيئة تعليمية آمنة.
الإفصاح عن التعرض للتنمر واجب والإبلاغ عن المتنمرين خطوة باتجاه الحل
ولكن ما الاستراتيجيات الواجب اتباعها للحد من ظاهرة التنمر في مدارس الدولة؟
أولاً، لا بد من التعرف على حالات التنمر وتوعية الطلاب بضرورة الإفصاح عن تعرضهم للتنمر وإعداد محاضرات أسبوعية للطلاب..
وأيضاً رصد ومتابعة التغيرات السلوكية على بعض الطلاب أو أدائهم الأكاديمي لكون تلك المؤشرات قد تدّل على تعرضهم للتنمر، ومتابعة الأهل لأي اضطرابات في النوم والأكل خطوة ضرورية ومحورية.
أما الاستراتيجيات للحد من ظاهرة التنمر، فتتبدى على أكثر من صعيد، منها:
- الإبلاغ من قبل الطلاب المتنمر عليهم.
- معاقبة الطالب المتنمر وإبلاغ ولي أمره ودراسة حالته الاجتماعية التي أدّت به إلى هذا السلوك.
- مراقبة الطلاب خلال اليوم الدراسي سواء داخل الفصل أو أثناء الفسحة وزيادة الأنشطة والفعاليات لتقويم السلوك وتفريغ الطاقة لدى الطلاب.
كما يمكن للجهات الحكومية والمؤسسات التعليمية دعم جهود مكافحة التنمر في المدارس من خلال زيادة الفعاليات والأنشطة الرياضية، تنظيم الدورات والمحاضرات المجتمعية، تواصل الحملات الإعلامية لمكافحة التنمر في جميع مؤسسات الدولة وتنظيم المسابقات الثقافية والإبداعية.
ما أبرز حالات التنمر التي نصادفها في المدارس؟ وما الأسباب الكامنة وراءها؟
هناك تنمر جسدي ولفظي يستخدم فيه الضرب والإيذاء البدني وتوجيه الألفاظ المستهزئة بالآخرين، وقد يصل التنمر إلى حد التهديد والابتزاز في سياق التنمر الإلكتروني، حيث أظهرت الدراسة التي أجريت عام 2018 أن التنمر اللفظي سواء بالألقاب المسيئة أو الشتائم شكّلَ ما نسبته 54% من حالات التنمر في مدارس الشارقة..
في حين بلغت نسبة التنمر السيبراني (عبر الإنترنت) كما أسلفت سابقاً 14.4% من الطلبة، إلى أشكال أخرى منها الدفع أو التسبب في التعثر والوقوع أو الركل والضرب 10.4%، التهديد 9.6%، التجاهل أو الاستبعاد 5.6% وسرقة الممتلكات 4%.
إذاً، ثمة علاقة بين استخدام التكنولوجيا والتنمر بين الطلاب؟
هناك علاقة قوية بين استخدام التكنولوجيا، ليس فقط في مجتمع الإمارات ولكن في المجتمعات الأخرى، فكلما زاد استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي زاد التنمر..
لهذا أوصت الدراسة مسبقاً بإجراء دراسة متخصصة بالتنمر السيبراني أو الإلكتروني؛ لكون الدراسة أظهرت وجود هذا النمط من التنمر وتعرض له ما نسبته 14.4% من الطلبة كما أسلفت..
ومن الضروري توعية الطلاب من كافة الشرائح العمرية وكذلك أولياء الأمور والكادر التعليمي بمخاطر التنمر عبر الإنترنت وتشجيع الطلبة على الإبلاغ عن تلك الحالات ومعاقبة المتنمرين والأهم تعليم الطلبة على الاستخدام الآمن والإيجابي للتقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.
* تصوير: السيد رمضان