26 سبتمبر 2024

أوزان ثقيلة ومظهر مفاجئ للمجتمع.. من هنّ اليابانيّات اللواتي يمارسن رياضة "السومو"؟

كاتبة صحافية

كاتبة صحافية

أوزان ثقيلة ومظهر مفاجئ للمجتمع.. من هنّ اليابانيّات اللواتي يمارسن رياضة "السومو"؟

هل أنا امرأة طبيعية؟ تطرح لاعبة «السومو» على نفسها هذا السؤال، لأن ما تقوم به يخالف حلم كل امرأة بأن تكون رشيقة، وجذابة، ومرغوبة. لكن تزايد أعداد لاعبات هذه المصارعة اليابانية يكشف عن ثورة اجتماعية صامتة.

لماذا يحق للرجال الممتلئين ممارسة فن قتالي عريق، وتاريخي، ومتجذر في ثقافة البلاد، بينما تحرم الفتيات ممارسة تلك الرياضة؟

يقل فوميهيكو نارا، رئيس الاتحاد الياباني لرياضة «السومو»، إن الشابة ريو جاءته تطلب الانضمام إلى أحد نوادي اللعبة، فاضطر لأن يؤسس لها غرفة خاصة بها لاستبدال الملابس، معزولة عن غرف اللاعبين الرجال.

كانت تلك مقصورة صغيرة ذات باب معدني ينفتح مباشرة على «الدوهيو»، وهو اسم حلبة المصارعة المستديرة التي يبلغ قطرها 4.5 متر، في دائرة محددة بالطباشير.

أوزان ثقيلة ومظهر مفاجئ للمجتمع.. من هنّ اليابانيّات اللواتي يمارسن رياضة "السومو"؟

«الانتباه.. التقنية.. القوة الجسمانية»

مفتاح السّر في هذه الرياضة يتألف من ثلاث كلمات: «الانتباه. التقنية. القوة الجسمانية». عبارة نقرأها معلقة على الحائط بالخط الياباني. وفي وسط الحلبة نساء يتصارعن، وقد تضمخت بدلاتهنّ وأحزمتهنّ بالعرق.

ففي «السومو» لا يرتدي اللاعب بدلة بيضاء مثل تلك التي يرتديها لاعب الجودو، بل يكون شبه عارٍ، يلف وسطه بخرقة بسيطة.

تصعد إلى حلبة المصارعة فتيات بأوزان تتخطى المئة كيلوغرام. يبدأن بتمارين الإحماء. ينحنين، ويقرفصن، وينهضن بخفة ومرونة، لا تناسب ضخامة أجسامهن.

وهناك نوع من ثني الركبتين يسمى «الشيكو»، والهدف منه المحافظة على التوازن من خلال جعل مركز ثقل الجسم قريباً من الأرض. وعلى لاعبة «السومو» أن تبقي قدميها راسختين على الحلبة ولا تسمح لغريمتها بطرحها أرضاً.

تعتبر هذه الرياضة واحدة من الرياضات القتالية التاريخية في اليابان. ويسمى هذا النوع من الممارسات في عصرنا الحديث رياضة دفاعية، وهي تعتمد على ثقل كتلة الجسم، وقوته، ويقظة الفكر..

وكذلك المناورة في الانقضاض على الخصم. إنها ليست في رشاقة «الجودو»، ولا سرعة «الكاراتيه»، بل يكسب فيها من يستطيع زعزعة ثبات الخصم ودفعه خارج الحلبة. وللشاعر الفرنسي جان كوكتو عبارة جميلة يقول فيها: «السومو هو معجزة التوازن».

أوزان ثقيلة ومظهر مفاجئ للمجتمع.. من هنّ اليابانيّات اللواتي يمارسن رياضة "السومو"؟

ريو.. أول شابة يابانية في حلبات السومو

تقول المشرفة على تدريب النساء، إن الجسد الضخم ليس أكثر من كتلة عضلات تتحرك بسرعة مع قليل من الشحوم. تقف اللاعبة ريو هاسيجاوا على الحلبة، وتنحني مؤدية التحية التقليدية، مع ضم القبضتين.

شعرها ملموم في ذيل حصان، وهي تنحني متحفزة ومستعدة لمواجهة خصمها. إن الخصم ليس امرأة، بل واحد من اللاعبين الرجال. تدور حركات الاثنين بسرعة البرق. إنها مصارعة كتلتين ثقيلتين، يتلاحم فيها الجسدان بقوة.

وخلال بضع ثوان تنجح ريو في طرد خصمها خارج الدائرة. وبعد الجولة السريعة يتبادلان التحية مجدّداً.

تبلغ ريو من العمر 20 عاماً، وهي حالياً معلمة في النادي العريق لرياضة «السومو»، في جامعة كايو. عمر النادي يزيد على المئة عام، وهو من أشهر نوادي الرياضات القتالية في اليابان، وكانت ريو أول شابة تجرأت على طرق باب النادي. وتقول مدرّبتها: «كان علينا الانتظار 103 سنوات لنرى امرأة في هذه اللعبة».

وريو هي التي رعت هذه الثورة في الحرم الجامعي الواقع في حي أزابوجوبان الصغير في طوكيو. وطبعاً فإن قبول اللاعبة المتدربة أحدث هزة لدى عدد من الأعضاء. إنهم ورثة ممارسة يزيد عمرها على ألف عام، ولا يرضيهم أن يروا مراهقات من جيل القرن الحادي والعشرين يتنافسن معهم.

أوزان ثقيلة ومظهر مفاجئ للمجتمع.. من هنّ اليابانيّات اللواتي يمارسن رياضة "السومو"؟

«هل أنا بنت طبيعية؟»

لا تختلف ريو عن بنات جيلها. لقد ذهبت إلى صالون التجميل لعمل تسريحة جديدة مع خصلات ملونة بالبنفسجي. كما لم تتردّد في تجربة أحمر الشفاه بعد انتهاء الجولات وخروجها من النادي، والمناسبة هي احتفالها ببلوغها 20 عاماً.

تبتسم الشابة السمينة بخجل، ويلتمع البريق في عينيها وهي تؤكد أن لون شعرها يمنحها قوة، وتضيف: «أكره الخسارة». لقد اكتشفت «السومو» وهي طفلة، عندما كانت تتصارع مع أشقائها الكبار. لقد امتلكت روح المنافسة منذ الصغر، وكان هدفها المعلن أن تصبح بطلة العالم.

ولم تفارقها تلك «الجرثومة» رغم المصاعب التي واجهتها في سِن المراهقة. الكل كان يريد تثبيط عزيمتها، خصوصاً أن المجتمع الياباني يرى أن دور المرأة ينحصر في البيت. وبلغ من سخرية رفاق المدرسة منها أنها راحت تتساءل: هل أنا بنت طبيعية؟ وبسبب تلك السخرية راحت تتمرن في الخفاء كأنها تقوم بعمل معيب.

بل إنها اضطرت للتوقف تماماً في فترة من الفترات، بسبب قلق والديها، وتساؤلاتهما حول سلامة ابنتهما. وكانت النتيجة مرورها بنوبة من الكآبة والانطواء. لكنها استعادت طبعها القتالي وعادت إلى الحلبة.

أوزان ثقيلة ومظهر مفاجئ للمجتمع.. من هنّ اليابانيّات اللواتي يمارسن رياضة "السومو"؟
لحماية القدمين من الجروح

اختراق النساء لِلعبة السومو

تشعر ريو بأن توقفها عن «السومو» هو نوع من تخلّيها عن نفسها. واصلت كفاحها، وتعبت كثيراً، وتألمت، وعرقت لتكون لاعبة معترفاً بها في مجتمع يقسم المهام سلفاً بين الرجال والنساء. أرادت أن تثبت أن في مقدور الشابات كسر التصورات المسبقة، والكليشيهات التي تعوق حركتهن.

وهي ليست ضد النساء الكُثر اللواتي يمشين حسب التقاليد، فلكل واحدة حرية الاختيار. لقد حلمت ريو بأن تكون «سوموتوري»، أي لاعبة «سومو»، وحققت حلمها. ورغم سنوات جائحة «كورونا» فإنها كانت تتدرب بإصرار وعناد، بحيث حققت نتائج طيبة في المنافسات، المحلية والعالمية.

ففي ألمانيا مثلاً، انتشرت اللعبة بين النساء رغم أن البلد بعيد عن اليابان. وحال وصولها إلى سن البلوغ أصبحت ريو بطلة للعالم للهواة عام 2019.

تسعى لاعبات أخريات لكسر السقف الزجاجي الذي يهيمن على اللعبة في اليابان، ويعرقل تقدمهنّ من خلال تجاهلهنّ، أو محاربة المحافظين لهن.

ويرى فوجيو كاريا، المعلق الرياضي التلفزيوني، أن اختراق النساء لهذه اللعب يعني أنْ لا شيء مستحيلاً. يحدث هذا في اليابان الذي جاء في المرتبة 125 من مجموع 146 بلداً في قائمة أوضاع المساواة بين الجنسين، وفق منتدى دافوس الاقتصادي.

ورغم أنها مجرد رياضة، فإن هؤلاء اللاعبات يخرقن محرمات، بعضها ديني، وبعضها اجتماعي. فدائرة «الدوهيو»، أي حلبة «السومو» كانت محظورة على النساء حسب رؤية المتشدّدين.

والسبب هو أنها مكان لممارسة مقدسة، في حين أن المرأة تفتقر إلى الطهارة. وللسبب نفسه تحرم النساء، حتى اليوم، من الاقتراب من حلبة «ريوكوجو كوكوجيكان»، وهو الملعب الوطني في طوكيو، حيث يجتمع 10 آلاف متفرج من الرجال في المباريات الكبرى..

وبحسب المعتقدات الشعبية فإن وجود النساء في الملعب يتسبب بإثارة غيرة «الإلهات الراعيات للمكان».

ماذا تعني سومو؟

تعني كلمة «سومو» حرفياً «الضرب المتبادل». وهي مصارعة تعود للقرن السابع، وكانت في القديم تنتهي بموت أحد اللاعبين. مورست ضمن طقوس لاستدرار المطر، ونمو المحاصيل.

واستمرت الملاعب ممنوعة على النساء حتى القرن الجاري، وشهدت أحداثاً شهيرة، منها إصابة ريوزو تاتامي، عمدة مدينة في شمال كيوتو، بسكتة قلبية بينما كان يرعى مباراة رسمية عام 2018.

لقد تقدمت من المنصة ممرضة من فريق الإسعافات الأولية، لكنهم منعوها من الاقتراب، وصاح المعلق في مكبر الصوت «أبعدوا المرأة عن الحلقة المقدسة»، بينما كان العمدة يصارع الموت.

وبعد نجاته دار جدل حول الموضوع، وعلت أصوات تطالب بالتوقف عن حرمان النساء من حلبات «السومو» التي تعتبر الرياضة الوطنية للجزر اليابانية.

اليوم زاد عدد الفتيات اللواتي يمارسن اللعبة. ونتيجة لذلك، تغيّر الزي التقليدي للاعبين الذي كان عبارة عن خرقة تخفي ما بين الساقين.

فاللاعبات يرتدين ما يحفظ لهن حشمتهن من دون أن يعيق الحركة. مع هذا، فإن الانتشار محدود بسبب حاجة اللاعبة إلى قوة جسدية لا تتوفر سوى في الوزن الثقيل. والوزن عدو المرأة المعاصرة، وحتى الرجل.

اقرأ أيضاً: مريم فريد وخديجة حجازي: تحدينا نقد البعض لممارستنا رياضة الجري بالحجاب

 

مقالات ذات صلة