02 أكتوبر 2024

مهرجانات السينما الغربية تواجه وضعاً غريباً يضع حرية الرأي في قفص

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مهرجانات السينما الغربية تواجه وضعاً غريباً يضع حرية الرأي في قفص

السينما بانوراما كاشفة عن الفرد، والمجتمع، وحال العالم، ولكي تلعب دورها كاملاً في هذا الشأن عليها أن تبقى مستقلة، وحرّة من الإجهاز السياسي عليها. لكن عوض إلغاء دور الرقابات، ها هي تزداد حضوراً في المهرجانات الغربية.

ثلاث مقالات نقدية، في ثلاث صحف كندية أساسية، ظهرت في الأيام القليلة الماضية، تشيد بفيلم «روسيا في الحرب» (Russians at War) الفيلم الذي خلق بلبلة كبيرة في مهرجان تورنتو الذي انتهت أعماله في منتصف هذا الشهر، بنجاح كبير.

هذه المقالات النقدية كانت أحد سببين رئيسيين دفعت إدارة المهرجان لعرض الفيلم، بعد أن كانت اضطرت لسحبه من برنامجها بناء على تدخّل نائبة رئيس الوزراء كرستيا فريلاند، في كندا، وعلى احتجاجات من قبِل الجالية الأوكرانية، والمتعاطفين معها.

غني عن القول أنه لا المسؤولون، ولا المحتجّون شاهدوا الفيلم المذكور. هم قاموا بالاحتجاج فقط، لأن الفيلم (وهو من إنتاج فرنسي أساساً)، يتحدّث عن الجنود الروس، واعتبروا ذلك دعاية. لكن إدارة المهرجان ردّت حينها على ذلك بالقول إن الفيلم ليس دعائياً لأحد، وإنه عن الحرب ذاتها، من دون تأييد جانب ضد آخر.

تهديدات بالقتل في مهرجان تورنتو

بعد سحب الفيلم من العروض الرسمية، قامت إدارة المهرجان، مشكورة، بعرض الفيلم بعد انتهاء المهرجان، وحضره مديره العام، كاميرون بايلي.

كشف بايلي عن مفاجأة مهمّة، وهي أن بعض الاحتجاجات احتوت على تهديدات بالقتل والاغتصاب، إذا ما تم عرض ذلك الفيلم في المهرجان. لذلك لم يكن من الممكن تعريض موظفي المهرجان، وموظفاته، لمثل هذا التهديد، وآثر الانصياع للتهديد.

أُقيم العرض الخاص بعد يومين من انتهاء دورة المهرجان التاسعة والأربعين، في الخامس عشر من شهر سبتمبر. والمشاهدون خرجوا متفقين مع موقف المهرجان المناوئ لرأي الحكومة، مع التفهم التام لاضطرار المهرجان سحب الفيلم من عروضه التي كانت مبرمجة خلال الدورة.

ما حدث يؤكد أن المهرجانات الغربية باتت محط حصار من أصحاب الحملات ذوي الاتجاهات المختلفة. مهرجان برلين، في مطلع هذا العام، تعرّض لنقد الحكومة، لكونه سمح لعدد من الفائزين بجوائزه بالتعبير عن رفضهم لما يحدث في غزّة.

ما حدث في نهاية الدورة الأخيرة من المهرجان الألماني، أن عدداً كبيراً من الفائزين، وعدداً آخر من أعضاء لجنة التحكيم الرسمية، أعلنوا في حفلة الاختتام تأييدهم لغزّة في صراعها، وندّدوا بالإبادة التي تقوم بها إسرائيل.

فوجئت الحكومة بهذا الموقف وهي المعروفة بموقفها في هذا الصراع، وأصدرت تصريحات عنيفة ضد ما حدث. وحاولت إدارة المهرجان الدفاع عن موقفها بالقول إنها لم تكن على علم بأن هذا الموقف سيقع. لكن هذا الدفاع لم ينجح، وتم الطلب من الإدارة الجديدة التأكيد على أن لا يقع ذلك مرّة أخرى.

مثله في ذلك، إنما من زاوية أخرى، وجد مهرجان فينيسيا الإيطالي نفسه، خلال السنوات القليلة الماضية، يدافع عن حريته في اختيار الأفلام. حدث ذلك عندما اختار قبل عامين فيلماً لوودي ألن، وقبله بعام فيلماً لرومان بولانسكي، وفي العام الماضي فيلماً للفرنسي لوك بيسون. الثلاثة كانوا اتهموا بجنايات أخلاقية، لكن المحكمة في الولايات المتحدة برّأت ألن، وتلك الفرنسية برّأت بولانسكي وبيسون.

ورغم ذلك، سادت احتجاجات واجهها مدير المهرجان ألبرتو باربيرا، بالقول إن المهرجان يفصل بين الفنان وأعماله، وإن الثلاثة لم يُدانوا، وهذا كاف له.

هذا العام، كان هناك احتجاج عربي وغربي مؤيد لفلسطين، بعدما قام المهرجان باختيار ثلاثة أفلام إسرائيلية للعرض في برامجه. لكن مدير المهرجان ذكّر المحتجين بأن هذه الأفلام لا تتطرّق إلى الأحداث، وأكد أنه شخصياً ضد تلك الحرب.