15 أكتوبر 2024

ألفرد هيتشكوك.. سيّد التشويق ودراما الألغاز المخيفة

ناقد ومؤرخ سينمائي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

ألفرد هيتشكوك.. سيّد التشويق ودراما الألغاز المخيفة

تعرض منصّة نتفليكس، قريباً، فيلمين متميّزين من أفلام المخرج ألفرد هيتشكوك الذي لم يوازِه أحد بعد في مجال الرعب، والتشويق، واللعب على الغموض. الفيلمان هما: «سايكو» (1960)، و«الطيور» (1963)، وهما من خيرة أفلام المخرج في السنوات العشرين الأخيرة.

بعد مرور 90 سنة على أول فيلم نقل ألفرد هيتشكوك إلى الاهتمام العالمي، وهو The 39 Steps (سنة 1935)، ما زالت القيمة الفنية لأعماله كافّة تتحدّث عن نفسها بوضوح. هيتشكوك كان بالفعل سيد من أتقن التشويق، لكن التشويق نفسه، وإتقانه، ليسا فعلاً سريّاً يدركه سينمائي واحد، ويمتنع عن آخرين. ما أضافه المخرج هو الوسيلة التي تجعل من المُشاهد شريكاً في ما يدور. يشعر بالخطر، ويتلصّص على شخصيات الأفلام، كما لو أنه يراقبها في الحياة العادية.

ألفرد هيتشكوك.. سيّد التشويق ودراما الألغاز المخيفة

ما جعل هيتشكوك منفرداً ومميّزاً هو الكيفية الخالصة التي عالج بها المخرج ذلك التشويق، وما احتوته أفلامه من مفادات ومضامين لم يوفّرها آخرون على نحو عميق، ومتواصل، خلال سنوات عمله الممتدة ما بين 1922 (عندما كان في الثالثة والعشرين من العمر)، و1976 (قبل أربع سنوات من وفاته).

لم تكن تلك القيمة ظاهرة للعديد، إلى أن تدخّل نقاد فرنسيون اكتشفوا في أفلام هيتشكوك ميزات لا يمكن نكرانها.

انتبه إلى هذه الميزات في البداية المنظّر أندريه بازان، في عام 1951، عندما بدأ يُعاين أعمال هيتشكوك من وجهة نظره. لم يكن بازان معجباً بكل ما شاهده من أفلامه حتى ذلك الحين، لكنه مِن أوائل مَن انتبهوا إلى فاعلية أسلوبه التشويقي، ومنحاه في استخراج ما هو أكثر من المشهد الماثل.

التبنّي النقدي الكامل لسينما هيتشكوك تم عندما أعلن كل من فرنسوا تروفو، وكلود شابرول، وإريك رومير، إعجابهم غير المنقوص بأفلام المخرج، من منتصف الخمسينات، وبذلك ضمّوا هيتشكوك إلى سينما المؤلّفين قبل سواهم.

ألفرد هيتشكوك.. سيّد التشويق ودراما الألغاز المخيفة

النبرة الساخرة في فيلم «سايكو»

اختيار «سايكو»، و«الطيور»، لعروض «نتفليكس» سيهضم حق فيلمه الثالث بين أعماله الأهم، وهو «فرتيغو». لكنه سيكون فرصة للتعرّف، من جديد أو للمرّة الأولى، إلى إبداعات مخرج قلّ نظيره، من حيث إنه صاغ من كل فيلم له حالة دامجة من الرعب والتشويق والملاحظات الإنسانية. «سايكو» بحد ذاته يحمل في طيّاته العميقة سخرية يدركها البعض منا، لكوننا واجهنا هذه النبرة الساخرة في العديد من أفلامه.

ألفرد هيتشكوك.. سيّد التشويق ودراما الألغاز المخيفة

«سايكو» في الوقت ذاته فيلم رعب نفسي داكن. هذا أكثر أفلام المخرج عنفاً، والكثير نُشر عن مشهد القتل في الحمّام.. كيف تم تصويره، وتوليفه، بحيث لا ظهور للعري كاملاً، ولا للطعنات تدخل الجسد، ولا دماء تنزف منه؟ بعض المحللين كتبوا أن هذا المشهد لم يكن من إخراج هيتشكوك، بل من إخراج سواه (وفي فيلم Hitchcock لساشا جرفازي، 2012) ادّعاء آخر بأن زوجة هيتشكوك، ألما رَفيل، هي التي أخرجت هذا المشهد فعلاً. إنه كما لو أن هيتشكوك وقف حائراً كيف سينجزه، واعتمد على آخرين ليدلّوه، أو يحققوه عوضاً عنه.!

لكن المهم هنا هو التدرّج صوب المفاجأة. مادلين تبتسم لنفسها، وقد قررت أن تعود صباح يوم غد وتعيد الثروة المسروقة. تخلع ثيابها وتدخل الحمّام. فجأة شبح امرأة عجوز تقتحم الشقة (وكان نورمَن اقترحها على مادلين لأنه يستطيع التلصّص عليها من ثقب في الجدار) وفي يدها سكين، وتبدأ بطعن مادلين.

ألفرد هيتشكوك.. سيّد التشويق ودراما الألغاز المخيفة

طيور الجريمة.. إبداع في المؤثرات البصرية

أما «الطيور» فهو نوع مختلف من أفلام الرعب، ومختلف بالنسبة إلى ما سبق أن حققه هيتشكوك قبل ذلك. مثل «سايكو» استمد هيتشكوك هذا الفيلم من حادثة حقيقية وقعت في عام 1961، عندما هاجمت طيور النورس أهالي بلدة سانتا كروز في كاليفورنيا. ما زال السبب لهذا الهجوم غامضاً، لكن هيتشكوك اطّلع على الحادثة برواية للكاتبة البوليسية دافني دو مورييه، التي كانت وضعتها قبل تلك الحادثة ببضع سنوات، وقرأها هيتشكوك وأعجب بها.

ألفرد هيتشكوك.. سيّد التشويق ودراما الألغاز المخيفة

شاشة هذا الفيلم تترجم لحظات ذلك الهجوم بقوّة غير منظورة. هناك مؤثرات بصرية لا ريب، لكنها لا تُقاس بما وصلت إليه حالياً. على ذلك، مشاهد هجوم الطيور على تيبي هدرن، ورود تايلور، وعدد كبير من الأولاد والبنات الصغار، لا يُفوّت، كذلك مشهد هجوم أكبر التقطه هيتشكوك من الجو للطيور البيضاء والسوداء وهي تغير على المدينة متسببة بحريق هائل.

لكن لا «سايكو» ولا «الطيور» كانا فيلمَي رعب فقط. في عمق كل منهما ناحية حرص المخرج على توفيرها أكثر من مرّة، وهي الجانب العائلي، وتحديداً العلاقة بين الرجل والأم.

في «سايكو» المجرم قتل والدته التي كانت تسيطر عليه، لكنه احتفظ بجثتها محنّطة ووجد نفسه، بلا وعي، يقوم بدورها، لكونها كانت تمنعه من التعرّف إلى أنثى سواها.

في «الطيور» نجد الأم (جسيكا تاندي) تحرص على إفساد علاقة ابنها (رود تايلور)، في أي مناسبة غرامية متوقعة بسبب خوفها من خروج ابنها من حياتها، وبقائها وحيدة.

 

مقالات ذات صلة