التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل مشهد ريادة الأعمال
بين ريادة الأعمال والتحولات التكنولوجية مسار لا ينفصل، فمن اللافت أن التطورات التكنولوجية لم تغير فقط وجه الأعمال التقليدية، بل كانت الدافع الرئيسي لدخول رواد الأعمال مجالات جديدة، وحتى العاملين في مجالات غير تكنولوجية باتوا مطالبين بتطوير مهاراتهم وتبني عقلية ريادة الأعمال.
فما هي التوجهات المستقبلية في ريادة الأعمال وأي القطاعات تستهدف؟ وما المهارات الواجب تعزيزها لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال؟
الذكاء الاصطناعي سيخترق بقوة مجال ريادة الأعمال
يشير عبد الله العطر، خبير اقتصادي ومستشار تخطيط مالي، إلى أن الذكاء الاصطناعي سيخترق مجال ريادة الأعمال بقوة أكبر في المستقبل «سنشهد نمواً سريعاً للشركات، وسأعطيكم مثالاً على ذلك: إذا نظرنا إلى أكبر عشر شركات تكنولوجية في العالم، نرى أن الفترة الزمنية التي استغرقتها الشركات للوصول إلى مكانتها الكبيرة أصبحت تتقلص مع مرور الوقت»..
موضحاً أن شركة «أمازون» استغرقت حوالي 24 سنة للوصول إلى مكانتها الحالية، في حين أن شركة «مايكروسوفت» استغرقت 13عاماً، متلمساً في هذا السياق، تأثير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة التي تتيح للشركات تحقيق النجاح باستخدام موارد بشرية أقل بكثير مما كان عليه الحال في الماضي.
ثمة تحديات قد تواجه اليد البشرية في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، حيث «لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشري تماماً، لكن التحدي الحقيقي سيواجه فقط المهام التقليدية إذ قد يحل الذكاء الاصطناعي محل بعض التخصصات، مثل المهندسين والمبرمجين والمحللين الماليين، بينما سيظل العمال اليدويون كالبنائين في مأمن من هذه التحديات لفترة أطول».
يتوقف العطر عند التحديات التي تواجه ريادة الأعمال محلياً «عدد المشاريع التي يديرها الشباب المحلي جيد، لكن معظمها يتركز في مجالات مثل المطاعم، الكافيهات، وخدمات الليموزين وغيرها، بينما يظل قطاع التكنولوجيا بعيداً عن اهتمامهم، فالأمر لا يتعلق الأمر باكتساب كل المهارات، بل بمعرفة كيفية استغلال الموارد المتاحة من حولك».
المشاريع التي يديرها الشباب الإماراتي جيدة ولكن يجب أن تتركز أكثر في مجال التكنولوجيا
ويوجه المستشار العطر نصائحه لرواد الأعمال، بـ:
- التركيز على بناء حلول تكنولوجية: الحلول التقنية توفر للشركات القدرة على التوسع بشكل سريع وفعال والبرمجيات هي الوسيلة المثلى لزيادة الكفاءة وتوفير الوقت والجهد.
- تبني الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية: ولكن بواقعية تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الإنسان الأساسية.
- أهمية معرفة القناة الصحيحة لنمو المشاريع: لتوسيع شبكة مشاريعك، توجه إلى المنتديات والمناسبات التي تركز على ريادة الأعمال لتكون في البيئة المناسبة التي تدعم فكرتك.
قطاعات جديدة أمام رواد الأعمال
كيف يمكن تلمس تأثير التحولات في مجال الذكاء الاصطناعي على التوجهات المستقبلية في ريادة الأعمال؟ وهل ستبرز صناعات ومجالات جديدة لم تكن موجودة من قبل؟
يجيب الخبير في الذكاء الاصطناعي طارق جاسر «كرائد أعمال يتطلع إلى مستقبل الصناعات والابتكار، يمكنني ملاحظة كيف أن التحولات في مجال الذكاء الاصطناعي تُعيد تشكيل المشهد الريادي بطرق جذرية، التكنولوجيا لا تقود فقط إلى تحسين العمليات ولكنها تفتح الباب أمام قطاعات جديدة لم تكن موجودة من قبل، ومن بين هذه الصناعات، نجد الصحة الرقمية، والأمن السيبراني المعزز بالذكاء الاصطناعي، وتطوير الواقع الافتراضي والمعزز لتجارب تفاعلية وتعليمية غامرة».
فالذكاء الاصطناعي يعزز الابتكار في ريادة الأعمال، بحسب جاسر «من خلال تمكين الشركات من تحليل البيانات بسرعة ودقة أكبر، ما يساعد على اتخاذ قرارات أكثر استنارة وتحسين الخدمات أو المنتجات، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي إلى إعادة تعريف الصناعات التقليدية مثل الإعلام والترفيه، من خلال تقديم محتوى مخصص ومؤثرين افتراضيين يمكنهم جذب جماهير ضخمة دون الحاجة للتفاعلات البشرية المباشرة».
سيكون للذكاء الاصطناعي دور كبير في تعزيز استدامة الشركات عبر تقنيات تقلل استهلاك الطاقة وتحسّن إدارة الموارد
من هنا، تتجلى التحديات عند رواد الأعمال لمواكبة هذه التحولات، يشرح الخبير في الذكاء الاصطناعي «لا بد من الفهم العميق لتقنيات الذكاء الاصطناعي وكيفية تطبيقها في مجال عملهم كما القدرة على التعامل مع البيانات الكبيرة وتحليلها، إلى جانب مهارات في التفكير النقدي والإبداعي لتصميم حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات المتغيرة للسوق».
وحول الاتجاهات المستقبلية في ريادة الأعمال التي ستحركها ديناميكية الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة، يتوقع جاسر ظهور مفاهيم جديدة في إدارة الأعمال تعتمد بشكل كبير على الكفاءة الذكية «سيكون هناك تركيز متزايد على تطوير أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمات شخصية بشكل متزايد في الصناعات مثل البنوك والتأمين والخدمات اللوجستية.
بين ريادة الأعمال والتحولات التكنولوجية مسار لا ينفصل، فمن اللافت أن التحولات التكنولوجية لم تغير فقط وجه الأعمال التقليدية، بل كانت الدافع الرئيسي لدخول رواد الأعمال مجالات جديدة، وحتى العاملين في مجالات غير تكنولوجية باتوا مطالبين بتطوير مهاراتهم وتبنَي عقلية ريادة الأعمال.
فما هي التوجهات المستقبلية في ريادة الأعمال وأي القطاعات تستهدف؟ وما المهارات الواجب تعزيزها لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال؟
تؤكد بشاير يتيم، رائدة أعمال إماراتية وعضو في مؤسسة «رواد»، أن «التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، قد أثرت بشكل كبير على تطوير الأعمال وسهلت التسويق من خلال تحليل البيانات وتوجيه الحملات إلى الفئات المستهدفة بشكل أكثر دقة».
كما تتغير طبيعة التحديات مع كل مشروع وحالة «التحديات ليست ثابتة، ولكن يمكن أن تكون فرصاً للتطور، وهذا يتطلب من رواد الأعمال أن يكونوا دائمًا على استعداد، مع أفكار وخطط واضحة لتحويل هذه التحديات إلى فرص ذهبية لتطوير الأعمال بحيث تتوفر العديد من الأدوات والبرامج التي تسهم في تحسين أداء المشاريع، بما في ذلك التطبيقات المجانية».
مع ذلك، لا يخلو المشهد من بعض الصعوبات «فهم التحدي هو ما يساعدنا على التطور والتكيف مع هذا التطور بحيث يلزم رواد الأعمال على توظيف التكنولوجيا للمنافسة بأفكار وخطط استراتيجية ويتعين على الشركات أن تبقى مرنة وتواكب التغيرات المستمرة في السوق لتظل في دائرة المنافسة».
وتدعو يتيم كل رائد أعمال إلى:
- فهم الذات والدوافع لبدء مشروعك، إذا كنت تعمل بحب وشغف، فإن مشروعك سيتطور باستمرار.
- تجاوز الخوف من المنافسة: من المفيد أن تكون على دراية بما يحدث في السوق، ولكن الأهم هو أن تركز على يميز مشروعك وقدرتك على تقديم شيء مختلف.
- لا تقلّل من أهمية أي عنصر في مشروعك، حتى في مراحله الأولى في حال كان يتطلب عدداً من الموظفين أو نظاماً مالياً محدداً، مع مراجعة خططك بانتظام وتنفيذها بسرعة لتعزيز قدرتك على التنافس في سوق سريع التغير.
إذاً، يمكن القول إن التكنولوجيا تفتح آفاقاً جديدة للابتكار والإبداع، بينما تشكّل ريادة الأعمال البيئة الخصبة لاستثمار هذه الابتكارات في مواجهة التطورات المتسارعة في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، تؤكد إيمان عبد الفتاح، رائدة أعمال ومؤسسة مجتمع «She Empowers» لدعم رواد الأعمال من النساء، أنّه «في ظل التطور السريع الذي يشهده العالم، أصبحت التكنولوجيا محركاً أساسياً لريادة الأعمال..
حيث باتت مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، والتقنيات النظيفة تفتح آفاقاً جديدة للمبدعين ورواد الأعمال لمواجهة التحديات العالمية»، موضحة أنّ «التحدي الأبرز الذي يواجهه رواد الأعمال اليوم ليس فقط في الاحتكار أو المنافسة، بل في التكيف السريع مع هذه التكنولوجيا المتغيرة وتوظيف التكنولوجيا لتحسين العمليات والمنتجات والخدمات».
فهل يواكب رواد الأعمال هذه التطورات؟
تجيب عبد الفتاح «تسعى دولة الإمارات لأن تكون سبّاقة في تطبيق كل ما هو جديد وحديث في مجالات الأعمال والتكنولوجيا، فرواد الأعمال في الإمارات، سواء رجالاً أو نساءً، يدركون أهمية هذا التحول التكنولوجي ويسعون لتعزيز مهاراتهم وتطوير قدراتهم لمواكبة التطورات السريعة وتوظيف التقنيات في تطوير مشاريعهم، ورغم ذلك، لا يزال هناك بعض التحديات مقارنة بالدول المتقدمة مثل أوروبا أو أمريكا».
لا يقتصر هذا الوعي على الأفراد فقط، بل تحظى الشركات ورواد الأعمال بدعم حكومي متكامل لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال عبر توفير منصات تمويل وبرامج تمكين متخصصة، بحيث «أنّ هذا التمكين يعزّز الإمارات كبيئة خصبة وجاذبة للابتكارات».
ولمواكبة هذا التحول الرقمي الكبير، من الضروري أن يكتسب الشباب مجموعة من المهارات الأساسية:
- اطلاع دائم بالتطورات التكنولوجية الحديثة من خلال حضور الدورات التدريبية والفعاليات المختصة بريادة الأعمال والتكنولوجيا.
- استخدام الشباب هذه الأدوات لتطوير أعمالهم وتحقيق النجاح في عالم ريادة الأعمال وتحسين المنتجات والخدمات التي يقدمونها، ما يميّز العلامة التجارية لأي رائد أعمال.
- الابتعاد عن النماذج التقليدية والاعتماد على الابتكار والتكنولوجيا لتقديم حلول جديدة ومختلفة.
- فهم التكنولوجيا بشكل شامل وتحليل الاتجاهات الكبرى التي تؤثر على السوق، مثل التوجهات نحو الاستدامة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.