29 مايو 2023

كيف يخطط الرجل لمرحلة التقاعد؟ وماذا يفعل ليجعلها مصدر بهجة؟

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

كيف يخطط الرجل لمرحلة التقاعد؟ وماذا يفعل ليجعلها مصدر بهجة؟

عندما يصل الرجل إلى سن التقاعد ويبدأ مرحلة جديدة عنوانها حياة بلا مسؤولية، يصطدم فيها بأزمة الشعور بالملل، الأمر الذي يجعله غير راض عن نفسه، إلا أن هناك من يعتبر تلك المرحلة نقلة جديدة تحتاج إلى ترتيب أولويات كي تصبح ملأى بالشغف والرغبة في عيش الحياة، فيبحث لنفسه عن اهتمامات يملأ بها أوقات فراغه، كأن ينشغل أكثر بحياة الأبناء والأحفاد، أو يتفرغ للعبادة، أو يسرع للحاق بقطار المرح واستكشاف العالم من جديد، من خلال ترتيب الخطط وتنظيم الرحلات بصحبة رفيقة دربه، وغيرها من الأمور التي تجعل للحياة معنى وهدفاً.

وبحثاً عن خلاصة القول سوف نتعرف، من خلال المختصين، إلى طريقة جعل مرحلة التقاعد مصدر بهجة وسعادة لصاحبها ولمن حوله:

كيف يخطط الرجل لمرحلة التقاعد؟ وماذا يفعل ليجعلها مصدر بهجة؟

حمود العودة، كوتش سعادة واستشاري حياة وأعمال، يقول «يتحدث الكثيرون عن حالة الاكتئاب التي يشعر بها بعض الرجال بعد التقاعد، التي لطالما كانت كابوساً عند البعض، فالرجل بطبيعة الحال يحب أن يشعر بأهميته وهو أمر فطري لديه، فيسعد وهو يقوم بأعمال يحتاجها الآخرون سواء في البيت أو داخل بيئة العمل، وبمجرد أن يستشعر استغناء هؤلاء عن خدماته يحس بأن أهميته بدأت تتقزم وتتضاءل، وهؤلاء بكل تأكيد من السهل أن يصابوا بالاكتئاب وربما يصل الأمر إلى عدم رغبتهم في الحياة أو بمعنى أدق زهدها، على الجانب الآخر هناك نوع من الرجال اختاروا لأنفسهم درباً آخر وحولوا ذلك الكابوس إلى حلم سعيد».

الإنتاجية وعمل أشياء يدوية تزيد الرغبة في تخطي كابوس التقاعد

يضيف حمود العودة، مسلطاً الضوء على نموذج من يحول كابوس التقاعد إلى حلم جديد، «السر يكمن في الإنتاجية والشغف»:

  • أما الأولى فهي بعمل أشياء يدوية أو فكرية بأي مجال يحبه الرجل، وإن لم يجد فيجرب أشياء متنوعة إلى أن يجد متعته ومهارته في شيء محدد، فالإنتاجية تجعل الشخص يشعر بالأهمية، والإيجابية، والجاذبية، كما تزيد ثقته بنفسه، وغيرها الكثير مما يحسن من علاقات الرجل بمن حوله ويجعله راغباً في التواصل معهم ودائم الانشغال بما يحبه.
  • والشغف وهو أمر نتعلمه من الأطفال دائمي البحث عن اكتشاف كل ما هو جديد يعد مصدراً للسعادة لنا جميعاً، فهو يجعل الإنسان أكثر فضولاً وبحثاً عن المعلومات من الكتب ومن وسائل التواصل المختلفة، كما يرفع معدل الإنصات الحقيقي لديه، وأيضاً الرغبة في تجربة أشياء جديدة، مما يؤدي إلى تنوع الفكر، والمرونة، والمتعة، والرغبة في الحياة، بجانب الشعور الداخلي بروح الشباب».

يقدم حمود العودة بعض النصائح الحياتية المفيدة، التي تسهم في تجاوز الشخص إحساسه بالتهميش:

  • على المتقاعد اتباع نظام تغذية مفيد بحيث يكون تناول الطعام حسب الحاجة وليس حسب الرغبة.
  • يجب عليه الحركة باستمرار وفق المقدرة مع استشارة المختصين لزيادة مرونة وقوة الجسم.
  • العمل على تحفيز وتنمية المواهب والهوايات إن وجدت، وجعل القراءة والكتابة عادة.
  • ممارسة تمارين التنفس والتأمل البسيطة وتجربة جديدة وزيارة أماكن لم يذهب إليها من قبل.

كل هذه الأشياء تسهم في تخفيف حدة التوتر، التي تتواجد بمجرد انقضاء فترة الراحة التي تعقب مرحلة التقاعد.

كيف يخطط الرجل لمرحلة التقاعد؟ وماذا يفعل ليجعلها مصدر بهجة؟

يعقوب الحمادي، أخصائي اجتماعي، يروي تجربته الشخصية، ويقول «التقاعد سنة الحياة وشيء لابد منه خاصة بعد فترة عمل طويلة ربما تكون شاقة أو ممتعة، والبعض منا لا يحب التقاعد لاعتياده على نمط حياة معين فيرغب بالاستمرار فيه حتى وإن كان ثقيلاً عليه، أو قد تدفعه متطلبات الحياة الكثيرة والتي تزداد مع ازدياد العمر إلى البحث عن بدائل تعينه وتساعده على متطلبات الحياة، والبعض الآخر يبحث عن التقاعد بأسرع وقت ممكن بحثاً عن الراحة، فيتقبل تلك المرحلة بصدر رحب وبشغف كبيرين، خاصة إذا رسم لها خططاً مستقبلية للاستمتاع بكل لحظة في عمره، بل ويصر على تنفيذها، فكل واحد يستقبل هذا التغيير وفق احتياجه الداخلي وما يريده لنفسه».

ويردف يعقوب الحمادي «إذا استعرضنا حال الشخص الذي اعتاد العمل ولم يبخل عليه بوقته وجهده وصحته، فبلاشك مع بداية التقاعد يشعر بفراغ كبير وربما يصيبه الضيق والعصبية على أبسط الأمور وهو ما يزعج المحيطين به لعدم تفهمهم لما يمر به من مشاعر، وهنا لابد عليه من سد هذا الفراغ والقضاء عليه كي تستمر ديمومة الحياة، ويكون ذلك بممارسة العبادات أو بمشاركة الأبناء مشاكلهم وهمومهم ومحاولة حلها، أو التعاون مع الزوجة وتقديم الدعم لها ومشاركتها اهتماماتها، وغيرها من الأمور التي تجعل للحياة معنى. وإذا تحدثت عن تجربتي الشخصية بعد التقاعد، فقد أحسست بحرية الحياة خلال الأشهر الأولى، ولكن سرعان ما شعرت بالحنين لما مضى، ووجدت نفسي أبحث عن عمل بديل ووفقت بعون الله تعالى ووجدت عملاً يناسب قدراتي وإمكاناتي، ولا أخفي مدى سعادتي بعد أن وجدت نفسي أمارس دوري الذي اعتدته منذ أن كنت شاباً بشكل طبيعي، فالعمل متعة بكل الأحوال وقد أمرنا الله تعالى أن نعمل ونثابر طالما نتنفس الحياة ولدينا القدرة على العطاء».

هناك حالات تعاني الاكتئاب والخرف نتيجة فقدانها لروتينها اليومي

من جانبها تؤكد الدكتورة سلوى السويدي، استشاري طب الأمراض الباطنية وطب المسنين، «نعاني في مجتمعاتنا العربية عدم وجود تخطيط مسبق لمرحلة التقاعد، ونؤخر تلك المسألة لحين الوصول إليها وهذا بكل تأكيد خطأ كبير، فما هي إلا أيام قليلة بعد التقاعد ويشتاق الشخص إلى روتينه اليومي ويبدأ في الشعور بالملل. فقد رأيت بأم عيني حالات عانت في سنوات تقاعدها الأولى الاكتئاب نتيجة فقدانها لدورها الاجتماعي، وتدهورت حالتها بعد ذلك إلى خرف رغم عدم تجاوز أصحابها سناً كبيرة، وهذا كله بسبب عدم التخطيط لتلك المرحلة والاستعداد لها. وبعقد مقارنة بسيطة، تستقبل الشعوب الغربية تلك المرحلة بكل سعة صدر وبتخطيط مسبق، فدائماً ما نسمع على لسان أصحاب هذا العمر بعض المصطلحات التي تبعث للأمل والتفاؤل، مثل «الشباب في سن الستين»، و«الحياة تبدأ بعد الستين»، وغيرها من العبارات التي تؤكد نجاح تلك الشعوب في فهم ديمومة الحياة وقدرتها على رسم ملامح محددة لمراحل حياتها كلها، أما نحن فقد نحقق ما نصبوا في الوصول إليه من أهداف في فترة الثلاثينات وحتى الستينات لنجاحنا في التخطيط لها، أما ما يأتي بعد ذلك نتركه لحين وقته دون دراسة ووعي باحتياجاتنا النفسية والجسدية».

كيف يخطط الرجل لمرحلة التقاعد؟ وماذا يفعل ليجعلها مصدر بهجة؟

وتلفت الدكتورة سلوى السويدي «الاستعداد لمرحلة التقاعد يسهم في محاربة كثير من المستجدات التي قد تفتك بصاحبها، فمع بلوغ هذه السن وتقلص دور الشخص الاجتماعي الذي اعتاد ممارسته، ومع وجود بعض الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط، وغيرها، بجانب تغير الوضع المادي والذي بلا شك يقل عن السابق، كل ذلك كفيل بالإصابة بكثير من أمراض الشيخوخة والتي تأتي قبل أوانها، وللأسف في أحيان كثيرة لا تشخص بالطريقة الصحيحة ولا تعالج بالشكل الذي قد يؤتي ثماره، فيزداد الأمر سوءاً على المتقاعد وعلى من حوله كونهم المسؤولين عن رعايته والاهتمام به».

من يتخذ منحى أكثر إيجابية يعيش حياة ملأى بالأمل والتفاؤل والشغف

تقدم الدكتورة سلوى السويدي روشتة علاج لتخطي فجوة التقاعد، قائلة «لابد من تغيير النظرة لتك المرحلة، فهي ليست نهاية الحياة بل هي فترة بها إيجابيات كثيرة إذا ما خطط لها قبل بلوغها بسنوات. فإذا بلغ الشخص الخمسين يشارك في دورات للتخطيط لمرحلة ما بعد التقاعد وتشمل تخطيطاً مالياً واجتماعياً وصحياً، بحيث يبدأ في تنفيذها مع شروق ثاني يوم بعد إنهاء خدماته واستلام مستحقاته. وأول شيء لابد من الاهتمام به هو صحته وعافيته ومن ثم يمارس حياته بطبيعتها بلا تصنع ولا تكلف لأنها الحقيقة، كما ننصح كمختصين كبار السن أن يكون لهم روتين يومي ملتزمين به، فكما اعتاد الشخص الاستيقاظ في وقت معين وقضاء حوائجه وتناول الطعام في وقت بعينه، أن يحافظ على هذا الروتين بعد التقاعد، كون ذلك يساعد في تنظيم الساعة البيولوجية للجسم وتحسن الشعور بأهمية وقيمة الوقت بالنسبة له، فمن يظل نائماً معظم الوقت ويعكس أوقات استيقاظه فيصبح نهاره ليلاً وليله نهاراً، فهذا بلا شك ينعكس عليه نفسياً وجسدياً وله آثار سلبية كبيرة في صحته العامة، أما من يتخذ منحى أكثر إيجابية فسوف يعيش حياة ملأى بالأمل والتفاؤل والشغف. فأعرف حالات لأشخاص مع بداية تقاعدهم تفرغوا لممارسة هوايتهم، والتي لم يكن لديهم وقت لها لانشغالهم بالدوام، كما اعتادوا تنظيم الرحلات والسفرات التي تزيد من حب المغامرة لديهم وتجربة أشياء جديدة وزيارة أماكن ومزارات لم يروها من قبل، وهناك من تفرغ للاستمتاع بأحفاده وهنا أود الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي عدم استغلال الآباء والأمهات من قبل الأبناء ورمي الحمل عليهم في مسألة الاعتناء بالصغار، فالأهل لا يستطيعون القيام بهذا الدور ويجب ألا نجبرهم على ذلك بحجة أنهم من يريدون أن يكونوا على مقربة من أحفادهم».

 

مقالات ذات صلة