13 يوليو 2023

الصمت العقابي بين الأزواج.. أداة إصلاح أم معول هدم؟

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

الصمت العقابي بين الأزواج.. أداة إصلاح أم معول هدم؟

يلجأ بعض الأزواج والزوجات عند الخلاف إلى الصمت العقابي كأسلوب للضغط وكحيلة لاكتساب المواقف لصالحهم، فعند وجود مشكلة يتجاهل شريك الحياة الطرف الآخر ويتعامل وكأنه لا يراه، ويتجنب التحاور أو التواصل معه حتى في أمور الحياة العادية، وهو ما يدفع الأخير إما لأن يسلك نفس النهج ويطبق مبدأ الصمت أو أن يكون في موقف دفاعي طوال الوقت للتخلص من الضغط النفسي الذي يعيش فيه. فهناك من تعيش حالة قلق مستمر إذا ما غضب عليها زوجها واستخدم أسلوب التجاهل كعقاب، وآخر تقاطعه شريكة حياته وتختفي في غرفتها حتى لا يراها وتظل على هذه الحال حتى يأتي طالباً العفو.. ترى ما طبيعة تلك الشخصية وصفاتها، ومدى تأثيرها في من حولها؟ وهل يمكن أن تقود الطرف الآخر إلى حالة نفسية غير مستقرة؟

أما راوية راشد، موظفة، فتقول «عندما يحدث خلاف مع زوجي لا يجد وسيلة للتعبير عما يجول في خاطره سوى بالصمت التام، حتى يصل الأمر إلى التجاهل التام واعتباري شخصاً لا وجود له في البيت، فينغلق على نفسه ولا يخرج من غرفته سوى للضرورة وعندما يحتاج لطلب ينادي على أحد أبنائه كي يلبي له ما يريد، ولا أخفي ضيقي من هذا الأسلوب الذي يدفعني حتى ولو كان هو من أخطأ في حقي لأن أذهب إليه كي نتحدث وننهي الخلاف».

بينما يضيف محمد ياسين، موظف، «المرأة تميل إلى النقاش والتحدث والتعبير عن المشاعر التي بداخلها، ولكن هناك من تضغط على زوجها بأن تبتعد عنه عندما تغضب وتقاطعه تماماً ولا تتحدث إليه، حتى عندما تريد منه شيئاً كأن يلبي طلباتها أو احتياجات أبنائها ترسل له عبر «الواتس آب» برسالة كي لا تخاطبه وجهاً لوجه، وللأسف لا تدرك المرأة تأثير ذلك في الرجل الذي يشعر وكأنه آلة تدار في ماكينة الحياة، لا يراد منها سوى أن تؤدي عملها وتنجزه دون كلل أو ملل، فالرجل بطبيعته يحب أن يشعر بأن هناك من يقدر مجهوده ولو بكلمة طيبة».

الصمت العقابي بين الأزواج.. أداة إصلاح أم معول هدم؟

الصمت العقابي.. حيلة نفسية

د. نادية الخالدي، دكتوراه في الإرشاد النفسي والصحة النفسية، تقول «الصمت العقابي هو حيلة نفسية يتم من خلالها رفض التواصل اللفظي مع شخص آخر بغرض توصيل رسالة معينة له، فيكون كأنه لا وجود له.

وعندما يتخذ الإنسان الصمت وسيلة فيكون ذلك للأسباب التالية:

  • أن يكون بسبب نمط شخصيته الهادئة، فيلجأ إليه بعد أن يتأكد من خذلان الطرف الآخر له باستمرار.
  • نتيجة شعوره بالانفصال التام عن شريك الحياة والتأكد من عدم وجود نقطة تلاق تجمعهما.
  • لإحساسه بأنه نوع من العلاج المؤقت الذي يسكن به الوضع الحالي لحين إشعار آخر، كأن تلجأ إليه الزوجة على مراحل متباينة حتى يكبر أبناؤها وتبدأ بعد ذلك في اتخاذ منحى آخر لا مكان فيه لشريك الحياة، أو يظل الرجل صامتاً حتى يجد من تكمل معه المشوار بعيداً عن زوجته.

وكلها حيل نفسية يلجأ إليها الإنسان كنوع من العقاب لشريك الحياة، وعلى الطرف الآخر عندما يدرك أن العقاب بالصمت هو مجرد تكتيك ينتهجه الشخص المسيطر، فعليه أن يقاوم ذلك ولا يستسلم للوضع القائم.

ما هو علاج الصمت العقابي؟

تؤكد د. نادية الخالدي «يمكن اتباع حيل نفسية مع الشخص الذي يستخدم الصمت كعقاب ليخرج عن صمته منها، على سبيل المثال:

  • أن تشغل المرأة زوجها بأمر يخص الأبناء، فتلجأ إلى التحاور بعرض الخطوط الرئيسية للموضوع محل النقاش دون ذكر التفاصيل وبما يثير اهتمامه، فيبدأ بطلب العون منها كي تمده بكل ما يتعلق بالأمر ومن هنا تنفك عقدة اللسان.
  • أو تلجأ لحيلة أخرى تعبر فيها عن فشلها في التعبير عن حبها له ورغبتها في عدم إغضابه وهو ما يثير شغفه ورغبته في الحديث معها.
  • أو اعتراف الزوج مثلاً برغبته في التغيير والإصلاح وإزالة الخلاف وبما يجذب انتباه المرأة للموضوع فتخرج عن صمتها وتبدأ في إثارة جوانب أخرى تتعلق بمحور النقاش.
  • أو التحدث مباشرة من جانب من يعاني صمت الشريك ويشرح مدى انعكاس ذلك سلبياً على الطرفين، والتصريح بعدم اتباعه كأسلوب لعلاج الخلاف، كونه مؤقتاً ولا يثمن ولا يغني من جوع.

وهكذا.. فالحياة ملأى بالضغوط التي تتطلب التنازل من الشريكين واتباع أفضل الممارسات كي نبني بيوتاً أساسها سليم وغير هش».

الصمت العقابي بين الأزواج.. أداة إصلاح أم معول هدم؟

لماذا العقاب بالصمت؟ وما هي آثاره في الأسرة؟

د. محمد بيومي، أستاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة الشارقة، يوضح «قد يكون اللجوء للصمت كوسيلة عقاب مقبولاً إذا استخدم لفترة قصيرة ومحددة لعلاج مشكلة ما مثل نشوز الزوجة، أي يستخدم للإصلاح وليس كطريقة لتقليل الذات أو للتحقير وتحطيم النفس، حيث يلجأ البعض إليه ليشعر الطرف الآخر بالدونية، والتقليل من شأنه، أو دفعه إلى المبادرة بالاعتذار أو الانفصال، وفي هذه الحالة قد يتسبب في مشاكل نفسية كبيرة للطرف المتضرر، ويسمى هنا بالصمت العقابي المرضي للأزواج. ويرى الباحثون في علم الاجتماع والمهتمين بدراسة الشخصية وسماتها، أن الأزواج الذين يعتمدون على أسلوب الصمت العقابي عند الخلاف، لديهم شعور مبالغ فيه بأهمية الذات والإعجاب المفرط بالنفس، كما يعانون خللاً في ممارسة أدوارهم الاجتماعية ولديهم القدرة على الهروب من تحمل مسؤولية الأسرة ورعايتها، فهم معدومو التكافؤ الثقافي والفكري وهو ما ينعكس في اتباعهم لهذا السلوك، كل ذلك ينعكس على الأسرة، وإذا كان لديهم أبناء في مراحل تعليمية قد يؤثر في تحصليهم الدراسي بالسلب، خاصة إذا كان الصمت العقابي يمارس أكثر من قبل الزوج، وفي كثير من الحالات يكون نهايته الخلاف والتوتر في العلاقات الزوجية وقد ينتهي بالانفصال أو الطلاق. ولهذا أنصح من يعاني قسوة الشريك أن يلجأ إلى طلب المشورة المتخصصة، فالمعالج النفسي يفهم سلوكيات الآخرين ويستطيع أن يحللها، وبالتالي يمكن أن يساعد المتضرر في فهم ما يمر به ويقدم له طرق الحل التي تساعده لمواجهة التحديات المقبلة».

إجراء الفحوص والاختبارات الطبية والنفسية ضرورة لتحقيق الاستقرار في العلاقات الزوجية

ويشير د. محمد بيومي «أنصح من خبرتي كمتخصص في علم الاجتماع والاستشارات الأسرية، كل من هو مقبل على الزواج سواء كان رجلاً أو امرأة أن يتأكد من السلامة النفسية، والاتزان الانفعالي، لشريك أو شريكة الحياة قبل الارتباط، وخلو الطرفين من الأمراض النفسية المكتسبة أثناء التنشئة الاجتماعية، وهذا سهل معرفته من التفاعل والتعامل بين الاثنين قبل الزواج. فهناك حقائق تكون واضحة تظهر من خلال التعاملات العادية، إلا أن هناك من يتغاضى إما باسم الحب والتعلق بالطرف الآخر، أو لإكمال الزواج لأي سبب كان، فإجراء الفحوص والاختبارات الطبية والنفسية ضرورة حتمية للتأكد من الخلو من الأمراض الوراثية والنفسية والعصبية الوراثية وهذا ليس عيباً، بل أصبح مهماً لتحقيق الاستقرار في العلاقات الزوجية».

الصمت العقابي بين الأزواج.. أداة إصلاح أم معول هدم؟

النساء.. المتضرر الأكبر من صمت الأزواج

طرقنا باب المعنيين بحل الخلافات الأسرية، وتحدثنا مريم الحنطوبي موجهة أسرية في دار القضاء بالفجيرة «النساء هن أكثر المتضررات من صمت أزواجهن عند الخلافات، فالمرأة بطبيعتها تميل إلى التخلص من الضغوط داخلها بالتعبير عما يجول بخاطرها خاصة وقت الغضب، عكس الرجل الذي يفضل الصمت وهذا شيء يتوافق مع طبيعته التي فطره الله تعالى عليها. فلدينا حالات لزوجات يعانين تمسك شركاء حياتهن باتباع الصمت كعقاب ليس لأيام ولا أسابيع بل لأشهر طويلة، إذ يمارس الزوج دوره في توفير متطلبات البيت واحتياجات الأبناء دون تقصير، حتى وقت الزيارات العائلية يذهب بصحبة أسرته إلا أنه لا يتحدث مع الزوجة وكأنه لا يراها، وهو شيء بلا شك يؤثر سلباً في المرأة بشكل كبير، خاصة إذا استشعر من حولها ما يتبعه الزوج من أسلوب، وهو بالطبع شيء يجرح كرامتها ويضعها تحت ضغط نفسي كبير، مما يجعلها ترضخ من أجل التخلص من تلك المشاعر السلبية فتبدأ بجر الزوج إلى الحديث، سواء في نفس النقطة موضوع الخلاف أو إلى موضوعات أخرى تتعلق بالأسرة والأبناء، كل ذلك من أجل عودة المياه إلى مجاريها مع شريك عمرها وأقرب الناس لها».

الصمت العقابي يسير بالعلاقة الزوجية في اتجاه غير صحيح

وتشير مريم الحنطوبي «استخدام الصمت كعقاب يسير بالعلاقة الزوجية في اتجاه غير صحيح، فربما بتمادي الزوج في فعله تعتاد شريكة حياته تلك الطريقة، وبمجرد ما يقع الخلاف تنسحب وتبتعد عنه حتى لا تتجرع مرارة ما يفعله معها. فالتعبير عن الغضب بالصمت تأثيره مثل التعبير عنه بالصراخ والعنف، كلها أمور ترهق العلاقة الزوجية وتجعلها غير متزنة الأركان، ونصيحتي للزوجة أن تعبر عن ضيقها من هذا الأسلوب وتشير لتأثيره السلبي فيها، وعلى الرجل أن يستوعب مدى خطورة السير عكس طبيعة المرأة التي تميل إلى الفضفضة والتعبير والبوح عما تخفيه النفس من مشاعر، وأخيراً على من أرهقه التعامل بهذا الأسلوب أن يوطد علاقاته الاجتماعية كونها خطوة مهمة للتغلب على الابتزاز النفسي الذي يمارسه ضده شريك الحياة إذا نبذه أو تجاهل وجوده، كما يمكن أن يساعد الانخراط في الهوايات والقراءة وغيرها في الحفاظ على ثبات الإنسان أثناء مواجهة العقاب الصامت».

 

مقالات ذات صلة