30 نوفمبر 2020

د. هدى محيو تكتب: تمتمات في القلب

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: تمتمات في القلب

ماذا نسمع لو نصغي إلى ما يقوله الناس من حولنا ونقوله نحن في سرّنا في فترات الحجر الطويلة التي نعيشها مع انتشار «كورونا» وانحساره وانتشاره من جديد، انتهاء بانسداد أفق الخلاص منه في وقت قريب؟ هي كلمات تقال بصوت عالٍ وتمتمات نهمس بها إلى أنفسنا ويمكن اختصارها بانطباع طاغٍ على الجميع وهو أننا قد كبرنا سنوات طويلة في شهور قليلة.

تغيرت نظرتنا إلى الحياة وصرنا نشعر كما لو أننا تقاعدنا في وقت مبكر. يلازمنا التعب على الرغم من أننا نلازم المنزل نتيجة الضغط النفسي الذي نعانيه. فالزمن يبدو ثقيلاً، اليوم الذي يشبه اليوم الذي سبقه يمر كأسبوع والشهر كسنة. حزن وقلق وفقدان سيطرة وضيق مساحة الحركة هي النمط الأساسي لحياتنا اليومية التي صارت أصغر وأهدأ وذات روتين ثابت وهي مع هذا أشبه بأقسى عوامل التعرية النفسية والجسدية. والسبب أن الأماكن الجديدة والناس الجدد والتجارب الجديدة وكل الأشياء التي تحيينا وتغني حياتنا قد صرنا محرومين منها ليتضاءل رأس المال النفسي الذي اختزنّاه ويتآكل.

الإحساس بأن الشيخوخة قد لحقت بنا ونحن نراوح مكاننا ينتابنا ونحن نقوم بالأشياء التي كنا نعتبرها حقوقًا مكتسبة أو أقله أشياء طبيعية واعتيادية. فنحن نخاف حين ندخل متجرًا أو سوبر ماركت ونخاف حين نمشي في شارع مكتظ ونعتبر دخول المطعم جرأة ما بعدها جرأة. نشتاق إلى العالم ونشتاق إلى الناس من حولنا ونخشاهم. ننظر إلى أقرب أصدقائنا بعين الريبة إن صدف والتقيناهم، فكل واحد منهم مشتبه بـ«كورونا» حتى لو لم تثبت إدانته.

يبدو الحجْر كما لو أنه عقاب على ذنب لم نقترفه والإفراط في التواصل على المنصات الرقمية كما لو أننا نتحدث مع الناس في السجون. ينهكنا التعامل مع المجهول ومع التغيرات الهائلة التي أصابت عالمنا بين ليلة وضحاها. فنحن لسنا مؤهلين للجلوس أمام شاشة باستمرار من أجل أن نشبع حاجاتنا النفسية في التواصل الاجتماعي والحديث مع من نحب.

ومع هذا فقد اكتسبنا نعمة الصبر وحكمته وهذه أيضاً من ميزات الشيخوخة. ابتكر كل واحد منا طريقة للتعامل مع هذه الأوقات الصعبة حتى لا يصيبه الانهيار فانتهى الكثيرون بالتأقلم مع الظروف وصاروا يقدرون الأشياء الصغيرة التي تدخل البهجة إلى القلب. صار كثيرون منا أكثر تعاطفاً مع كبارهم وخوفاً عليهم لأنهم الأكثر هشاشة أمام «كورونا»، بعد أن كانوا يشعرون أحياناً أنهم عبء ثقيل.

ومع انتهاء الوباء، وهو سينتهي لأن لكل شيء نهاية، سندرك أن الشيخوخة لم تصبنا، بل إننا كبرنا وازددنا نضجاً، وهذا أفضل ما كان يمكن أن يصيبنا

 

مقالات ذات صلة