18 نوفمبر 2021

د. حسن مدن يكتب: حصن بوجه العزلة

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: حصن بوجه العزلة

أكثر ما يخشاه الناس عندما يقتربون من سن الشيخوخة الأحوال التي سيكونون عليها حينها، حين تضعف قدراتهم البدنية، بما فيها القدرة على المشي والنظر والسمع، فضلاً عما يعتري الذاكرة من انتكاسات، قد تبلغ حد النسيان الكامل لكل الذكريات والأسماء والوجوه، ولا نندهش حين نسمع من البعض تمنيات بأن يتوفاهم الله قبل أن ينالهم شيء من هذا.

علينا أن نحمد الله حين نقارن ما يناله كبار السن في بلداننا من عناية بحال نظرائهم في المجتمعات الغربية. لا نزعم أن الحال عندنا بهذا الخصوص مثالية وخالية من القصورات، ولكن عندما نقرأ أو نسمع عن أحوال المسنين في تلك المجتمعات التي توصف بالمتقدمة، وهي كذلك بالفعل، إلا فيما يختص تفاصيل إنسانية وروحية، نجد أن الرعاية المقدّمة للمسنين في مجتمعاتنا أفضل بكثير.

لا يقتصر الأمر على ما تقدّمه الحكومات من رعاية لكبار السن، كما هي الحال في بلدان الخليج، إن على شكل رعاية صحية تشمل العلاج المجاني ومنح أدوية الأمراض المزمنة مجاناً، وإنما أيضاً فيما توليه عوائل هؤلاء المسنين، خاصة أبنائهم وبناتهم وأحفادهم وحفيداتهم بهم، فذلك داخل في التكوين الثقافي النفسي والديني والثقافي لمجتمعاتنا، ولو صادفنا حالات نقيضة فهي الاستثناء وليست القاعدة.

يجري الحديث في بلد مثل فرنسا، عما يصفه موقع فرنسي بـ«الموت الاجتماعي» الذي يعيشه نصف مليون مسنّ في فرنسا، وهو رقم ارتفع بنسبة 77 في المئة في أربع سنوات، وحسب الموقع نفسه فإن نحو أربعة ملايين مسن لا يملكون علاقات صداقة، أو لديهم علاقة صداقة قليلة للغاية.

وطبيعي أن جائحة «كوفيد - 19» والقيود الصحية التي رافقتها، أوقعت حتى «أولئك الأشخاص الذين كان لديهم نسيج اجتماعي هش قبلها في عزلة قوية»، فرضتها التدابير الصارمة المتخذة، حتى أن عدد المسنّين المعزولين عن أوساط العائلة والأصدقاء ازداد من 900 ألف سنة 2017 إلى مليوني شخص في 2021، ولم يعد أكثر من 1.3 مليون مسنّ يرون أبناءهم وأحفادهم كلية، وإن تمّ ذلك ففي مناسبات نادرة جداً.

للروابط الاجتماعية بين البشر عامة وسائط أو قنوات محددة، هي العائلة، الأصدقاء، الجيران، وإليها يضاف، في حال المسنين الجمعيات التي تعنى بهم، ولاحظت الدراسات أنه في فرنسا نفسها فإن نحو 530 ألف مسنّ ليست لهم علاقات في أي من هذه الأوساط الأربعة، في ظرف هم في أمسّ الحاجة فيه لا إلى الرعاية الصحية والنفسية وحدها، إنما إلى ما يصفه أحد التقارير بـ«حصن ضد العزلة»، يساعدهم على مواجهة صعوبات الشيخوخة.

 

مقالات ذات صلة