8 يونيو 2023

د. حسن مدن يكتب: عالم للرجال فقط!

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: عالم للرجال فقط!

يقترح الباحث الكيني علي الأمين المزروعي تأنيث الدولة؛ بمعنى أن يكفّ الذكور عن الهيمنة على الدولة، وعلى السياسة، ويفسحوا المجال للنساء، لتكون لهنّ حصة متكافئة في إدارة شؤون البلدان. ساعتها سيكون العالم أكثر رحمة و«إنسانية» وتسامحاً، وسينأى عن كثير مما فيه من قبح وقسوة ووحشية، لا بل و«حيوانية».

حلم جميل نتمنّى أن يحدث يوماً، لكن على النقيض منه، هناك حكاية مفزعة، وردت كنبوءة في رواية «القرن الأول بعد بياتريس» لأمين معلوف، تخيّل فيها أن الأمهات بعد عقود من الآن لن يُنجبن إناثاً، ومَن سيتبقى من النساء سيكون عددهن قليلاً للغاية، وسيتعين على كل امرأة ألاّ تسير وحيدة، وأن تكون في كل خطوة تخطوها برفقة زوجها أو أخيها، اتقاء للاختطاف أو الاغتصاب، وسترحّل دول الشمال مَن تبقى من النساء في البلدان النامية للغرب، حماية لهن من عسف مجتمعاتهن.

فبعد عقود من الآن، سيذهب عالم حشرات فرنسي إلى القاهرة لإلقاء محاضرة عن حشرة «الجعران» التي كانت عند قدماء المصريين رمزاً للحياة والخلود والخصوبة، وعلى الرغم من أنها ليست سوى حشرة صغيرة، فإنها تمتلك قوة فائقة على أنْ تُدحرج دوائر أكبر من حجمها بكثير؛ لذا جعل منها الفراعنة رمزاً لأختامهم الرسمية، ورسموها على حيطان المعابد.

عند ميدان التحرير، سيصادف العالم الفرنسي صبياً يبيع علباً عليها رسم للحشرة ذاتها، وسيفهم من الصبي أن في داخل العلبة مسحوقاً من يتناوله لا ينجب إلا الذكور. ومن باب الفضول فحسب، يشتري العالم علبة ويركنها بين أغراضه لتراها بعد سنوات زوجته المقبلة التي تعمل صحفية، وحين تسأله عن أمرها يشرح لها قصة شرائها من القاهرة.

في ما بعد ستتذكر الزوجة حكاية المسحوق، عندما تبعثها جريدتها في مهمة إلى أحد أقاليم الهند لتغطية أحداث فيها، فتُفاجَأ بأن سكان الإقليم كلهم ذكور، وهناك فهمت أن ذلك حدث نتيجة تعاطي الرجال لمستحضر طبي، فلا يعودون يُنجبون سوى الذكور.

حين تعود الصحفية إلى بلادها، تسعى إلى تنظيم حملة ضد ذلك، غير أن مسؤولي ومديري شركات يقنعونها بأن ذلك لمصلحة البلدان التي تعاني اكتظاظاً سكانياً، فثروات الأرض غير كافية لإطعامهم، فلندعهم بهذا المستحضر يضعون حداً لها، ويريحون العالم «المتحضر» من أعدادهم المتزايدة التي صارت تزحف إلى الغرب، ثم إن اضطهاد النساء سيعطي الغرب مبرراً للتدخّل في شؤون البلدان النامية، تحت حجة الدفاع عن حقوق البشر.

في ظروف غامضة سينتقل المستحضر إلى أوروبا وتنشأ المشكلة ذاتها: أمهات في طور التناقص لا يلدن سوى الذكور. حينها سيتداعى رجال حكماء لتشكيل لجنة تطالب بإيقاف العبث بالهندسة الوراثية للبشر، ولكن بعد أن فات الأوان.

 

مقالات ذات صلة