23 أغسطس 2021

بعد رحيل الأب.. كيف تتعامل الأم مع إحساس أولادها باليتم؟

محررة متعاونة

بعد رحيل الأب.. كيف تتعامل الأم مع إحساس أولادها باليتم؟

«وفاة الزوج والأب» يعتبر الصدمة الأكبر في حياة الزوجة والأبناء.. فجأة وبلا مقدمات تصبح الزوجة والأم هي التي تتحمل كامل العبء والمسؤولية في تربية أولادها وتأمين مستقبلهم وتوفير الأمان والاستقرار لهم ، فجأة أيضاً تجد نفسها مطالبة بأدوار الرجل في التربية مثل الحماية وتوفير الأمن والتخطيط للمستقبل واتخاذ القرارات المصيرية.

كل هذا وهي في أسوأ مراحل المعاناة النفسية بعد أن واجهتها الدنيا بأكثر مصائبها وجعاً برحيل «شريك العمر والسند». أما بالنسبة للأبناء فالأمر يحتاج إلى طريقة استثنائية للتعامل معهم ليتمكنوا من تجاوز هذه المحنة بسلام، وهنا تجد الأم نفسها أمام تحد كبير لتربية أولادها وحدها وملء الفراغ الذي يسببه غياب الأب، فبالإضافة إلى الأعباء المادية المتعددة التي ستلقى على كاهلها ستواجه الكثير من التحديات النفسية والتربوية لتوفير بيئة صحية تصل بهم إلى بر الأمان.

طرحت «كل الأسرة» موضوع رحيل الزوج والأب وتأثيره النفسي على الزوجة والأبناء، على عدد من خبراء الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية والتربية وسألتهم: كيف يمكن للزوجة أن تتحمل الصدمة وتتجاوز المحنة؟ ماذا يمكن أن تفعل الأم في غياب الزوج لتصل بأطفالها إلى بر الأمان؟

via GIPHY

كثيراً من الأبناء تربوا على أيدي أمهاتهم وكانوا الأفضل والأكثر استقراراً ونجاحاً من غيرهم ولكن الأمر يتطلب من الأم أن تنمي قدراتها وتطور مهاراتها

في البداية يوضح المعالج الأسري الدكتور وليد طلعت، استشاري الطب النفسي والأمراض العصبية، أن الفترات الأولى في حياة الزوجة التي فقدت شريك حياتها تكون أكثر إيلاماً عليها لأنها تكون في حالة نفسية يرثى لها وتعاني ويلات نفسية واجتماعية ومادية شديدة، وقد يترك الفقد للحبيب والزوج أثراً نفسياً شديداً يتمثل في هزة نفسية تفقدها الاتزان وتصيبها بالاكتئاب، وهنا تكون الزوجة والأم في حاجة نفسية شديدة للدعم والتثبيت من المحيطين حتى تتخطى أزمتها النفسية والتي قد تصل معها لفترة عام كامل حتى تستعيد توازنها وتلملم شتات نفسها.

ويقول د. وليد طلعت «يجب على الزوجة أن تهتم بنفسها وصحتها البدنية والنفسية، فأمامها سنوات من التعب والمشقة فإذا عاشت في فقدان متواصل للسعادة والراحة لن تستطع منحها لأولادها ويجب عليها ألا تنسى نفسها في ظل مسؤولياتها الجسيمة مع الأبناء، وهذا لا يعتبر أنانية على الإطلاق ولكنه شحن للنفس حتى تستطيع مواصلة مشوار الحياة».

ويضيف «مع الأسف هناك من يعتقد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية أن الأم وحدها لا تستطيع تربية أبناء أسوياء وناجحين، والحقيقة أن كثيراً من الأبناء تربوا على أيدي أمهاتهم وكانوا الأفضل والأكثر استقراراً ونجاحاً من غيرهم ولكن الأمر يتطلب من الأم أن تنمي قدراتها وتطور مهاراتها وتقضي المزيد من الوقت لزيادة معرفتها بطرق التربية والوسائل المطلوبة لتعوض غياب الأب. فهناك دوران يجب أن تقوم بهما، الدور الأول هو الأم الحنون العطوف والدور الثاني هو الأم الحازمة الصارمة، وليس من المستحيل أن تقوم بالدورين معاً إذا امتلكت التدريب والوعي الكافيين للنجاح في كلا المهمتين».

ويشدد الدكتور وليد طلعت على أهمية دور أهل الزوج وأهل الزوجة في تقديم السند النفسي والدعم المعنوي والاقتصادي للأسرة التي فقدت عائلها لأن ذلك يعيد الأمور إلى طبيعتها في أسرع وقت، ويجب على الأم أن تعوض أطفالها خاصة الصغار فقدان الأب من خلال العم أو الخال أو الجد.

على الأمهات الأرامل على ألا يتعاملن مع الابن الأكبر على أنه رجل البيت في كل الأمور فهو ليس مطالباً بتعويض غياب الأب ولكنه يحتاج لمن يعوضه غياب والده

via GIPHY

ومن جانبها تؤكد الدكتورة نسرين محسن، أستاذة الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية بجامعة عين شمس، أن الزوجة عندما تفقد شريك حياتها تفقد معه أشياء أخرى، فهي تفقد الأمان والسند في الحياة وتبدأ في تحمل كل المسؤوليات وحدها وهذا يشعرها بالاكتئاب والوحدة.

وتبين «وقع الصدمة على الزوجة وكيفية تحملها لها يتوقف على طبيعة شخصيتها ويختلف من شخصية لأخرى، فإذا كانت المرأة سيدة عاملة لها كيانها وذاتها فهي تستطيع بسهولة الخروج من الأزمة لأنها لن تتأثر كثيراً بغياب شريك حياتها إلا عاطفياً ووجدانياً وهذه المشاعر يمكن التغلب عليها بالإيمان والصبر، أما إذا كانت سيدة غير عاملة وغير مثقفة فقد تتعرض في بعض الأحيان للانهيار وتظل تعاني لفترات أطول الوحدة والفقد وقد تظن الأم وقتها أن أولادها هنا هم الداعمون لها أمام المشكلات اليومية التي تواجهها فتبدأ تشكو لهم بعض الهموم والصعوبات التي تواجهها وهذا خطأ كبير لأن الأبناء يحتاجون لمن يدعمهم أما إشراكهم في الحمل الذي ينتظرها يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً عليهم، وعلى الأم وقتها أن تبحث عن الدعم لدى الأقارب والأهل والأصدقاء بدلاً من الأولاد الصغار».

وتشدد الدكتورة نسرين محسن على الأمهات الأرامل على ألا يتعاملن مع الابن الأكبر على أنه رجل البيت في كل الأمور، فلا تشعريه بأنه مثقل بأعباء أكبر من سنه وإمكاناته النفسية والجسدية فهو ليس مطالباً بتعويض غياب الأب ولكنه يحتاج لمن يعوضه غياب والده وليس من المطلوب أن يمارس دور الأب على أشقائه الصغار لأنه قد يكون طفلاً يحتاج هو الآخر الاستمتاع بطفولته.

ليس من العقل أن ننصب أنفسنا أوصياء على الزوجة ونرفض زواجها مرة أخرى بعد الزوج

وتتفق معها الدكتورة إيمان كشك، استشاري الطب النفسي والعلاج الزواجي بالقاهرة، إذ ترى أنه يجب على الأم أن تجيب على أسئلة الأطفال حول والدهم وأين ذهب ومتى يعود بشكل لائق يتناسب مع عمرهم وبصورة مبسطة، وأن تتجنب نظرات الشفقة والرحمة إلى الأبناء فعادة الطفل يزيد مشاعره بفقدان أبيه عندما تنعكس مشاعر الأم عليه فيشعر بها، وحتى لا يشعر بالنقص مع الآخرين، وتوضح «لا تقلقي على مستقبل أطفالك ولا تربيتهم، فكم من طفل تربى بين أبوين وصار شاباً منحرفاً أو فريسة لأمراض نفسية كثيرة وكم من طفل عاش بدون أب وأم أو مع أمه وحدها وأصبح ناجحاً في حياته العملية والعلمية، وموت شريك الحياة ليس نهاية العالم ولكنه البداية لمشوار كفاح مقبل حتى لا نخسر كل الأشياء بالتحسر على ما فات فالحياة لا تتوقف على أحد».

وترى الدكتورة إيمان كشك أن من أكثر الأمور إيلاماً على المرأة بعد رحيل الزوج ذكرياتها مع الزوج، فهي تراه في كل خطوات حياتها وفي كل أركان المنزل وهنا يجب أن تستعد الأرملة لتخطي هذه الذكريات الأليمة من خلال الاستعانة بالأحباب والأصدقاء والأهل أو الاستعانة بالاستشارة النفسية حتى تتجاوز المحنة.

كما أن من أكثر الأمور المعقدة، والكلام على لسان المعالجة النفسية إيمان كشك، التي قد تتعرض لها الأرملة بعد وفاة الزوج هو فرض الوصاية عليها من المقربين منها سواء أهلها أو أهل الزوج وربما الأبناء نفسهم فيما يتعلق بمسألة زواجها مرة أخرى أم بقائها بلا زواج، وتقول «ليس من العقل أن ننصب أنفسنا أوصياء على الزوجة ونرفض زواجها مرة أخرى بعد الزوج، فبعض السيدات لا يستطعن تحمل المسؤولية وحدهن ويحتجن دائماً للزوج ليتصرف بدلاً منهن، على أن تراعي الزوجة حسن الاختيار بحيث يتقبل ظروفها وهي أم لأطفال يحتاجون رعايتها فلا يكون ذلك الزواج على حساب أولادها حتى لا تكون الصدمة عليهم مضاعفة بحرمانهم من الأم أيضاً بعد رحيل الأب».

via GIPHY

يجب على الأم ألا تلعب دور الشهيدة والمضحية بل دور المربية والمسؤولة فلا تغلق الأبواب على أولادها بحجة الحماية الزائدة ولا تترك لهم الحبل على الغارب بحجة أنهم أيتام

أما الدكتورة ماجدة المنشاوي، الاستشارية النفسية والأسرية ومدربة دولية معتمدة، فتنصح الأمهات اللاتي تعرض أولادهن لموت الأب ورحيله في سن مبكرة باقتطاع الكثير من وقتهن ليقضينه مع الطفل ويستمعن له بشكل جيد ويوضحن سبب غياب الأب بما يتناسب مع أعمارهم. كما يجب على الأم الحرص على الإبقاء على الأنشطة والأعمال الروتينية المعتادة لهم مثل رؤية الأصدقاء واللقاءات الأسرية، قائلة «من أخطاء الأمهات وقتها في التربية أن البعض منهن يتغاضين عن أخطاء كثيرة للأبناء ويفرطن في التدليل بحجة تعويضهم عن غياب الأب».

وتضيف «أحياناً يستغل الأبناء عاطفة والدتهم ويشعرونها بالذنب أمام كل مرة تكون صارمة فيها معهم لتقوم بلا وعي بتنفيذ مطالبهم وكل ما يرغبون فيه، لكن في الوقت نفسه يجب على الأم ألا تلعب دور الشهيدة والمضحية بل دور المربية والمسؤولة فلا تغلق الأبواب على أولادها بحجة الحماية الزائدة ولا تترك لهم الحبل على الغارب بحجة أنهم أيتام وأنها تعوضهم عن حنان الأب الراحل».

وتشير استشارية العلاقات الأسرية إلى أهمية أن تسير الزوجة الأرملة على نفس منهج الزوج في التربية والقوانين التي وضعها لتسيير حياة أولاده، فما كان يحدث من قرارات في حياة الأب ينبغي أن يسيروا عليه في ظل فترة ما بعد الغياب حتى لا تتأثر الأسرة كثيراً بالغياب وحتى لا ينفرط عقد الأبناء، مثل الالتزام بالمواعيد والأخلاق وعدم ترك الحبل على الغارب للبنات فيما يتعلق بالمواعيد والملابس والعلاقات مع الآخرين ونفس الأمر بالنسبة للأبناء.